يشهد قطاع السياحة في الصين تحولاً ملحوظاً، يتمثل في ازدياد إقبال المسافرين الصينيين على الوجهات المحلية بدلاً من السفر الدولي، حيث يُثير هذا التوجه تساؤلات مهمة حول مستقبل نموذج السياحة العالمي وفيما إذا كان تفضيل السياحة المحلية في الصين اتجاهاً مؤقتاً أم أنه يمثل تغيراً جوهرياً في سلوكيات السفر على المدى الطويل.
كما أن هناك تساؤلات أيضاعن الآثار المترتبة على هذا التحول بالنسبة لحركة السياحة العالمية والاقتصاد العالمي، خاصة على الدول التي تعتمد بشكل كبير على السياحة الخارجية من الصين.
وأظهر تقرير نشرته شبكة (سي إن بي سي) الأميركية واطلعت عليه سكاي نيوز عربية أن المسافرين الصينيين يفضلون الوجهات المحلية منخفضة التكلفة على المواقع السياحية الأجنبية، وأن 14 بالمئة فقط من الأسر الصينية ذات الدخل المرتفع التي اختارت وجهات سياحية خارج الصين ستسافر إلى الخارج مرة أخرى في عام 2024، بحسب مسح صدر في شهر مايو الجاري عن شركة الاستشارات “أوليفر وإيمان”.
وأرجع المسح تفضيل الصينيين السياحة في بلدهم الأصلي إلى سببين الأول خيارات السفر المحلية الوفيرة، والثاني التكلفة الكبيرة للسفر الدولي، حيث يبلغ متوسط تكلفة السفر للشخص الواحد داخل البر الرئيسي للصين أقل من 1000 يوان (حوالي 140 دولار) مقابل عدة آلاف من اليوانات لرحلة إلى هونغ كونغ أو اليابان على سبيل المثال.
وفيما تعمل الحكومات المحلية خارج المدن الكبرى في الصين على تكثيف جهودها لجذب السياح، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي في المقام الأول، أوضحت “أوليفر وإيمان” أن المدن الأصغر داخل البر الرئيسي للصين مثل يانغتشو، ولويانغ، وتشينهوانغداو، وجويلين، وزيبو شهدت أسرع نمو في حجوزات السياحة خلال عطلة مايو الجاري.
وكانت سياحة المناطق الداخلية (السياحة المحلية) بمثابة مصدر إيجابي في انتعاش الصين بعد إلغاء قيود كوفيد-19 في أواخر عام 2022، حيث ارتفعت حجوزات الوجهات الريفية في الصين أكثر من الضعفين في عام 2023 مقارنة بمستويات ما قبل الجائحة، حسبما ذكر موقع حجز الرحلات السياحية Trip.com.
تعافي السفر يستغرق وقتاً أطول
بدوره توقع أشلي دودارينوك، مؤسسة شركة ChoZan للاستشارات الرقمية الصينية بأن تتجاوز السياحة الداخلية في الصين في العام الجاري مستويات ما قبل الجائحة، على أن يستغرق تعافي السفر الدولي للصينيين وقتاً أطول، مرجعاً ذلك جزئياً إلى أن “الشعور بأن بقية العالم غير آمن أعلى مما كان عليه في عام 2023”.
ووفقاً لبحث أجرته شركة أكسفورد إيكونوميكس، فإن أعداد السياحة الخارجية في الصين في عام 2024 على أساس سنوي، ستكون أقل بنسبة 22 بالمئة فقط من المستويات القياسية قبل تفشي الجائحة، البالغة 155 مليون سائح أي ما يقارب 122 مليون سائح يسافرون إلى الخارج، وبحجم إنفاق أكثر من 250 مليار دولار أميركي في الخارج، ومن المتوقع أن يتحقق التعافي الكامل في عام 2025، حيث ستكون منطقة الشرق الأوسط أولى الوجهات على مستوى العالم تتعافى ومستفيدة من سوقها الواردة من الصين.
خصوصية السوق الصيني
وقال شريف الفرم خبير واستشاري في السياحة والسفر، والمدير التنفيذي لشركة “شريف هاوس” في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “سوق السياحة الصيني له خصوصيته، لأسباب معروفة إذ ولفترة ليست طويلة كانت سوقاً مغلقة تقتصر فيها السياحة الخارجية في الغالب على سياحة الأعمال والوفود الحكومية، لكن انفتاح الصين على الخارج وسهولة الحصول على جوازات السفر والتأشيرات، أصبح السياح الصينيون قوة دافعة هامة لنمو العديد من الوجهات السياحية في العالم”.
وأشار الفرم إلى أن تراجع أعداد السياح الصينيين للخارج مؤخراً يعود إلى عوامل متعددة، أهمها جائحة COVID-19 والإجراءات الصارمة التي فرضتها الحكومة الصينية للحد من انتشار الفيروس.
توجه مؤقت نحو السياحة الداخلية
وأضاف: “ومع ذلك فإن هذا التراجع والتوجه نحو السياحة الداخلية وإن استغرق بعض الوقت لكنه مؤقت ويمكن أن يتغير على المدى المتوسط ومن المتوقع أن يعود السائحون الصينيون إلى استكشاف العالم مع عودة الحياة إلى طبيعتها”.
ولكن الخبير السياحي الفرم يرى أن تراجع أعداد السياح الصينيين قد لا يُشكل تأثيرًا كبيرًا على الأسواق السياحية العالمية وعلى الاقتصاد العالمي بشكل عام وذلك لعدة أسباب أهمها أن الصين تاريخياً لم تكن من بين أكبر الدول المصدرة للسياح في العالم، فضلاً عن وجود أسواق سياحية أخرى ناشئة، مثل إفريقيا وأميركا اللاتينية تشهد نمواً مطرداً في عدد السياح الوافدين.
العالم لا يستغني عن السياح الصينيين
من جهته، قال الخبير السياحي وليد العوا: “يشهد قطاع السياحة العالمي انتعاشاً ملحوظاً مع عودة السفر الدولي، ويُعدّ السياح الصينيون عنصراً مهماً في هذا الانتعاش، وصحيح أنه بعد رفع قيود السفر المرتبطة بجائحة COVID-19، لوحظ اتجاهٌ متزايدٌ للسياح الصينيين نحو وجهات السفر الداخلية، فهذا أمر طبيعيٌّ ومؤقت، ومع ذلك، تشير التوقعات إلى عودة تدريجية للسياح الصينيين إلى وجهات السفر الخارجية”.
فالسياح الصينيون يمثلون نسبة كبيرة جداً من السياحة العالمية، والسوق الصيني لا يمكن الاستغناء عنه في أي مكان في العالم، ويتم استقطابهم من جميع المسوقين السياحيين حول العالم وبالتالي لن يكون التوجه الحالي لمعظم الصينيين للسياحة الداخلية تأثير على حركة السياحة العالمية على المدى الطويل مع استقرار الأوضاع والتعافي التام من تداعيات الجائحة، بحسب تعبيره.
السياحة الصينية إلى الإمارات في ازدياد
وأكد الخبير السياحي العوا على أن السياحة الصينية إلى دولة الإمارات وإمارة دبي في ازدياد مستمر، وأنّ الوجهة تحظى بشعبية كبيرة بين المسافرين الصينيين، لعدة أسباب أهمها توفر البنية التحتية المتطورة التي تلبي احتياجات جميع أنواع المسافرين، من حيث الفنادق بأسعارها المتنوعة والأنشطة الترفيهية المتنوعة.”
وأضاف العوا: إن مشاركة الصين في معرض سوق السفر العربي 2024 شهدت زيادة ملحوظة، ممّا يعكس اهتمام الشركات الصينية بالسوق الإماراتي، ولا تزال دولة الإمارات الوجهة الأكثر شعبية في الوطن العربي للسياح الصينيين، وذلك بفضل جهود التسويق القوية التي تبذلها الجهات المختصة.”
واختتم العوا تصريحه بالتأكيد على أنّه لا يتوقع أي ضعف في أعداد السياح الصينيين القادمين إلى دولة الإمارات في الفترة الحالية، بل على العكس، من المتوقع أن يشهد العام الجاري زيادةً في أعدادهم مقارنةً بعام 2023.