تكثف الشركات الصينية جهودها لتقليل الاعتماد على الصين، في الوقت الذي تزيد فيه بروكسل عمليات التدقيق على السلع الواردة من بكين.
وكانت بروكسل قد بدأت تحقيقات في دعم الحكومة الصينية لقطاع التصنيع، ومن المتوقع أن تكشف المفوضية الأوروبية قريباً عن تعريفات جمركية أخرى على واردات السيارات الكهربائية الصينية.
وفي هذا السياق، نقلت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية عن ريتشارد لوب، وهو الرئيس التنفيذي لشركة Dragon Sourcing ومقرها بلجيكا، قوله: “إن الاتجاه الكبير الآن هو أن تقلل الشركات من اعتمادها على الصين، في حين كانت الولايات المتحدة قد أخذت زمام المبادرة.. الاتحاد الأوروبي يسير في هذا الاتجاه أيضاً”.
ولكن على عكس الشركات الأميركية التي سعت بقوة إلى الحصول على موردين جدد في أعقاب فرض واشنطن لنظام صارم من الرسوم الجمركية وغيرها من القيود، يركز الأوروبيون على تقليل اعتمادهم في مجالات محددة، إذ يعتقدون بأنهم أصبحوا يعتمدون بشكل مفرط على البضائع الصينية.
وفق لوب، فإن:
- العملاء الأوروبيون يشعرون بقلق متزايد بشأن تعرضهم للصين، وخاصة أولئك الذين يعملون في صناعات التجزئة غير الغذائية، وهي فئة تشمل كل شيء من الملابس والأجهزة إلى الإلكترونيات الاستهلاكية ولعب الأطفال.
- “شركات المواد غير الغذائية تعتمد بشكل كبير جداً على الصين.. وهذا النوع من الشركات في أوروبا يضغط بشدة للبحث عن بدائل”.
كما نقلت الصحيفة عن نائب رئيس مجموعة Fung، ويليام فونغ، قوله:
- قد لا تواجه الكثير من الدول الأوروبية أي مشاكل في العمل مع الصين.
- لكنهم يعتقدون بأنه إذا تأثرت الصين فمن الأفضل أن يفكروا أيضاً في كيفية تأثير ذلك عليهم.
- ونتيجة لذلك، سيكون هناك المزيد من التنويع بعيداً عن الصين، على الرغم من أن بكين قد تكون المكان الأمثل.
أما نافين جها، الذي يدير شركة لتوريد الملابس والمنسوجات من مدينة تشانغتشو بشرق الصين، فقد ذكر أن الشركات الأوروبية تحصل على حصة متزايدة من ملابسها من الهند وبنغلاديش وفيتنام، على الرغم من تكبد فترات زمنية أطول وتكاليف أعلى، مشدداً على أن عديداً من المشترين يشعرون بالمخاطرة في الشراء من الصين.
الانفصال الاقتصادي
من جانبه، يشير خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور أحمد سيد أحمد، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن المرحلة الحالية تشهد تكثيف الكثير من الشركات الأوروبية جهودها المبذولة في محاولة منها للانفصال اقتصاديا عن الصين؛ لعدة أسباب:
- السبب الأول مرتبط بالعقوبات والضغوطات الأميركية الكثيرة المفروضة على الصين في مجالات مختلفة خصوصاً في مجال أشباه الموصلات والفلزات المستخدمة في صناعات ضخمة وكبيرة، وبالتالي فالعقوبات المفروضة عليها أثرت بشكل كبير على الشركات الأوروبية التي تعتمد على الصين كمورد رئيسي لها.
- السبب الثاني يتعلق بمحاولة الشركات الأوروبية حالياً منافسة الشركات سواء الأميركية وحتى الصينية، بينما الأخيرة تقدم دعماً لشركاتها تعتبره الشركات الأوروبية يضر بقواعد المنافسة، وخير مثال على ذلك صناعة السيارات.
- السبب الثالث: الولايات المتحدة تعمل جاهدة على الحد من حجم استثمارات الشركات الأوروبية في الصين خصوصاً في مجالات السيارات الكهربائية و البطاريات وغيرها، ورغم تضرر أوروبا من هذا الأمر لكن في ظل الهيمنة الأميركية فإنها ستخضع للاقتصاد الأقوى عالمياً.. هذا إلى جانب رغبة بعض الشركات الأوروبية في خلق أسواق جديدة لها بعيد عن الصين.
- السبب الرابع: قانون الأمن القومي الصيني الذي يفرض قيوداً صارمة على الاستثمارات الخارجية في الصين سواء من الولايات المتحدة نفسها أو من الدول الأوروبية، وهذا ما جعل وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين تكشف في آخر زيارة لها في الصين منذ شهور أن الاستثمار في الصين غير أمن.
ويكمل خبير العلاقات الدولية: الأسباب السابقة كانت سبب في خروج الكثير من الشركات الأميركية والأوروبية من السوق الصينية وانفصالها عن الصين كشريك اقتصادي.
ويرصد أحمد التداعيات الناتجة عن هذا “الفراق الاقتصادي” بين هذه الاقتصادات الضخمة والتي شملت:
- بالنسبة للجانب الصيني، فإن خروج هذه الاستثمارات الأوروبية من بكين سيؤثر سلباً على الجانب الصيني في ظل التحديات التي تواجهها بكين، والتي تفاقمت عقب أزمة جائحة كورونا بسبب سياسة الإغلاق والإجراءات الاحترازية وهروب الكثير من الاستثمارات الأجنبية إلى مناطق مجاورة في الهند وسنغافورة وفيتنام وغيرها.
- ثانيًا على جانب الشركات الأوروبية فستخسر مالياً وستخسر أيضاً سوقاً ضخمة يتجاوز سكانه 1.4 مليار نسمة وستخسر التكلفة المنخفضة في الإنتاج وعلى رأسها العمالة، كما أن الصين تمثل بوابة لتصدير المنتجات الأوروبية لباقي الأسواق الأسيوية مثل الهند و كوريا واليابان، مع الأخذ في الاعتبار أن انتقال الشركات الأوروبية إلى الجانب الأميركي أو حتى عودتها لبلادها لن يعوض خسائرها المالية الكبيرة في الصين.
القدرة التنافسية للسلع الصينية
كبير الاقتصاديين الآسيويين في بنك HSBC، فريدريك نيومان، قال في التصريحات التي نقلتها عنه الصحيفة البريطانية، إن الشركات الأوروبية استفادت من القدرة التنافسية السعرية للسلع الصينية، حيث بحث المشترون الأميركيون عن أماكن أخرى.
لكنه أضاف: على الرغم من ذلك، فإن الشركات، لا سيما بعض شركات المواد الكيميائية والأدوية والإلكترونيات، تتطلع إلى تقليل اعتمادها على الصين.
بدوره، يلفت الباحث في العلاقات الدولية، محمد ربيع الديهي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن انفصال الشركات الأوربية عن الصين سيخلق أزمة كبيرة لبعض الشركات خصوصاً أنها ستفقد مميزات عدة بالسوق الصينية، من بينها:
- انخفاض تكلفة العمالة في الصين مقارنة بأي دولة أخرى.
- الصين لازالت مصنفة أنها من ضمن دول العالم النامي، وبالتالي فتمتلك قيوداً جمركية مخففة تصب في صالح المنتج الأوروبي على عكس الدول المتقدمة الأخرى التي تفرض تعريفات جمركية مرتفعة.
ويضيف الديهي: السؤال الأهم حالياً هو”إلى أين ستتجه هذه الاستثمارات مع تخارجها من الصين؟”
ويستطرد: “الإجابة أظهرتها تقارير سابقةكشفت عن أن دولتين من أعضاء البريكس هما الفائزان في هذا السباق وهما الهند والبرازيل، فمنذ 2019 ومع تفاقم الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة بدأت الكثير من الاستثمارات تهرب من الصين إلى هاتين الدولتين”.
ويشدد الديهي على أن الصين هي الأخرى اتخذت إجراءات توصف بـ “الوقائية” حيال هذا الأمر، وذلك عبر استحواذها على مدار السنوات الماضية على أسهم بعض الشركات الأوروبية، وهو ما جعل هذه الشركات تابعة للصين وخفف من حدة أزمة خروجها من السوق الصينية.
تأثير محدود على الصين
ويحذر المحللون من أن الضغط من أجل التخلص من المخاطر من غير المرجح أن يؤثر على إجمالي صادرات الصين بشدة، مشيرين إلى زيادة الشحنات إلى المصانع الصينية في مراكز التصنيع البديلة في الخارج مثل فيتنام والمكسيك، وزيادة القدرة التنافسية للسلع المنتجة محليا، بحسب فاينانشال تايمز.
ويضيفون أن جاذبية قاعدة الإنتاج الصينية ستؤدي أيضاً إلى تعقيد الجهود للعثور على موردين جدد، حيث يصعب جداً الحصول على منتجات معينة، خاصة تلك الأكثر تعقيدًا، من خارج البلاد.