توقعت الوكالة الدولية للطاقة في تقرير سنوي نشر الأربعاء “فائضا كبيرا” في إمدادات النفط بحلول 2030، في وقت يتزايد الإنتاج، بينما يؤدي التحول إلى الطاقة النظيفة إلى تقليص الطلب على الوقود الأحفوري في ظل نمو وفير للإمدادات.
وتوقعت وكالة الطاقة الدولية ومقرها باريس أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى ذروته عند 105.6 ملايين برميل يوميا بحلول نهاية هذا العقد، وهو ما يزيد بنحو 4 بالمئة عن مستوى العام الماضي، ذلك وسط مبيعات متزايدة للسيارات الكهربائية وتحسن كفاءة الوقود.
وفي الوقت نفسه، تستمر قدرة إنتاج النفط في الارتفاع، وبقيادة الولايات المتحدة، ستكون الطاقة الإنتاجية للنفط أعلى من الطلب بمقدار “مذهل” يبلغ 8 مليون برميل يوميًا بحلول نهاية العقد، مما يترك أكبر فائض من الإنتاج الاحتياطي منذ ذروة عمليات الإغلاق بسبب جائحة كوفيد-19.
وقالت الوكالة إن الحجم الإجمالي للعرض سيبلغ 114 مليون برميل يوميا.
وقال فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية: “مع فقدان زخم انتعاش ما بعد وباء كورونا، وتقدم التحول إلى الطاقة النظيفة، وتحول بنية الاقتصاد الصيني، فإن نمو الطلب العالمي على النفط يتباطأ. من المحتمل أن تؤثر إمدادات النفط المتزايدة على الأسعار حتى نهاية العقد”.
ويتم تداول أسعار النفط العالمية بالقرب من 80 دولارًا للبرميل هذا العام، حيث قوبل الطلب القوي والصراع في الشرق الأوسط وتقييد العرض من قبل أوبك + بتدفق الإنتاج الجديد من الأميركتين والمخاوف بشأن النمو الاقتصادي في الصين.
وقالت وكالة الطاقة الدولية إن الاستهلاك العالمي من النفط سيستمر في التوسع لعدة سنوات، حيث سيضيف ما يقارب 4 ملايين برميل يوميا بحلول نهاية العقد وسط النمو الاقتصادي في الهند والصين، والطلب المتزايد من قبل صناعات الطيران والبتروكيماويات.
صراع العرض والطلب
تشهد أسعار النفط العالمية تقلبات حول حاجز 80 دولار للبرميل هذا العام، وذلك بسبب عوامل متصارعة:
عوامل تدعم ارتفاع الأسعار:
- استمرار قوة الطلب العالمي.
- الصراعات في الشرق الأوسط.
- قيود الإنتاج من قبل تحالف أوبك+.
يقابلها عوامل تُضعف الأسعار:
- زيادة هائلة في الإنتاج الجديد من الأمريكتين.
- المخاوف حول نمو الاقتصاد الصيني.
ومع ذلك، سيواصل الطلب على النفط في انخفاضه “طويل الأمد” في الدول المتقدمة، حيث سينخفض من 46 مليون برميل يوميًا في العام الماضي إلى 43 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2030، وهو أدنى مستوى له منذ عام 1991. وحتى الطلب الصيني سيصل إلى ذروته بحلول نهاية العقد عند حوالي 18 مليون برميل يوميًا، وفقًا للتقرير.
وقال بيرول: “قد ترغب شركات النفط في التأكد من إعداد استراتيجيات وخطط أعمالها”.
وخففت شركات كبرى مثل بي بي “BP”، وشل من خططها للتوسع في مجال الهيدروكربونات لصالح الطاقة المتجددة، في حين ظلت شركات أخرى مثل إكسون موبيل تركز بقوة على النفط والغاز.
سجل حافل بالإخفاقات.. تنبؤات وكالة الطاقة الدولية محل تشكيك
على الرغم من تحليلات وكالة الطاقة الدولية التي صدرت مؤخرًا حول سوق النفط، إلا أن سجلها السابق في التنبؤات يثير الشكوك، بسبب أخطاء سابقة تتمثل في:
قبل عقد من الزمن حذرت الوكالة مرارا وتكرارا بشأن أزمة وشيكة في إمدادات النفط، إلا أن طفرة النفط الصخري الأميركي حالت دون وقوعها.
توقعت الوكالة في عام 2022 انهيارًا فوريًا في إنتاج النفط الروسي، وهو ما لم يحدث أيضًا.
قامت الوكالة خلال الأشهر الأخيرة بتعديل توقعات الطلب لعام 2024 صعودًا وهبوطًا.
توقعات متفائلة مقابل مؤشرات ضعيفة
في تقرير شهري منفصل صدر الأربعاء أيضًا، خفضت الوكالة توقعات استهلاك النفط هذا العام بمقدار 100 ألف برميل يوميًا لتصل إلى 960 ألف برميل يوميًا. وأشارت إلى أن “ضعف نمو الطلب على النفط وزيادة المخزونات” تشير إلى “سوق معروضة بشكل مريح”.
مخاطر على التوقعات
يعتبر تباطؤ التحول إلى الطاقة النظيفة عن المتوقع أحد المخاطر التي تهدد صحة توقعات وكالة الطاقة الدولية.
خفضت شركة BloombergNEF، في تقرير منفصل صدر الأربعاء، تقديراتها لمبيعات السيارات الكهربائية وحذرت من أن صناعة السيارات تبتعد عن مسار خفض الانبعاثات.
الخلاصة.. في حين تقدم وكالة الطاقة الدولية تحليلات قيمة لسوق النفط، إلا أن سجلها السابق في التنبؤات يثير تساؤلات حول مدى دقة توقعاتها المستقبلية، خاصة مع الأخذ بالاعتبار العوامل المتغيرة التي تؤثر على صناعة النفط.
وفي وقت سابق هذا العام، انتقد النواب الجمهوريون في مجلس الشيوخ الأميركي توقعات وكالة الطاقة الدولية في رسالة في شهر مارس، زاعمين أن توقعاتها قد خيم عليها الضغوط لتحقيق أهداف تغير المناخ.
وقالت وكالة الطاقة الدولية إن الاستثمار في مشاريع النفط والغاز الجديدة يجب أن يتوقف من أجل الالتزام بهدف خفض صافي انبعاثات الكربون إلى الصفر بحلول عام 2050.
ووفقاً للتقرير، فإن النمو في إمدادات النفط الجديدة خارج منظمة البلدان المصدرة للبترول وشركائها، المعروف باسم تحالف أوبك بلس سيتجاوز الطلب بحلول العام المقبل.
وسيضيف المنتجون في الأميركتين، بقيادة الولايات المتحدة، حوالي 4.8 مليون برميل يوميًا من الطاقة الإنتاجية خلال هذا العقد، وهو ما يفوق نمو الطلب.
ستشكل الولايات المتحدة 2.1 مليون برميل من هذه الزيادة، بينما ستأتي الكميات المتبقية من الأرجنتين والبرازيل وكندا وغيانا.
من المحتمل أن يدخل المزيد من الإنتاج حيز التشغيل إذا تمت الموافقة على مشاريع أولية. وسيشكل الغاز الطبيعي المسال والمكثفات حوالي 45 بالمئة من إجمالي زيادة الطاقة الإنتاجية العالمية.
ومن المتوقع أن تؤدي هذه الموجة الجديدة من زيادة إنتاج النفط إلى تآكل الحصة السوقية لتحالف أوبك+ الذي تقوده السعودية وروسيا، بحسب التقرير.
وكان تحالف أوبك بلس الذي يضم 22 دولة قد أعلن في نهاية الأسبوع الماضي عن تمديد أغلب تخفيضات إنتاج النفط لتستمر في 2024 على أن تبدأ في التراجع عنها تدريجيا في 2025.
ويبلغ إجمالي تخفيضات أعضاء أوبك+ حاليا 5.86 مليون برميل يوميا، وهو ما يوازي نحو 5.7 بالمئة من الطلب العالمي.
وتشمل التخفيضات مليوني برميل يوميا من كل الدول الأعضاء في أوبك+ وهو التخفيض الرئيسي أو الأساسي، والجولة الأولى من الخفض الطوعي من تسع دول أعضاء بمقدار 1.66 مليون برميل يوميا، والتي أُعلن عنها في أبريل 2023، والجولة الثانية من الخفض الطوعي من ثماني دول أعضاء بمقدار 2.2 مليون برميل يوميا والتي أُعلن عنها في نوفمبر 2023.
وبحسب ما ذكره بيان تحالف أوبك+، فإنه سيتم تمديد تخفيضات الإنتاج الرئيسية، وكذلك الجولة الأولى من التخفيضات لنهاية 2025 بدلا من نهاية 2024. كما وافق التحالف على تمديد الجولة الثانية من التخفيضات الطوعية البالغة 2.2 مليون برميل يوميا، لمدة ثلاثة أشهر حتى نهاية سبتمبر 2024، على أن تبدأ بعد ذلك إعادة كميات هذا التخفيض، تدريجياً، على أساس شهري، حتى نهاية سبتمبر من عام 2025، “بهدف دعم استقرار السوق”. وبحسب البيان الذي أوردته وكالة الأنباء السعودية، فإن هذه الزيادة الشهرية في الإنتاج “يمكن إيقافها أو عكسها، وفقاً لمستجدات السوق”.
في وقت سابق من هذا العام، أوقفت السعودية خططًا لإجراء توسعة كبيرة في قدرتها الإنتاجية.