كتب – بنيمين زرزور:
باتت الحرب في أوكرانيا الشغل الشاغل لدوائر صنع القرار على أساس يومي، ليس للدول المنخرطة فيها بشكل مباشر فقط، بل للعديد من دول العالم التي وجدت نفسها إما عرضة لضغوط سياسية لتحديد موقفها من الحرب بشكل صريح، وإما عرضة لإفرازات الحرب على مختلف الصعد، سواء السياسية، أو الأمنية، أو الاقتصادية.
رغم التغيرات التي طرأت في ميدان المعارك حيث قرر الروس بعد انتهاء المرحلة الأولى من خطتهم، التركيز على إقليم دونباس شرقي أوكرانيا، إلا أن ذلك لم يخفف من حدة القلق على المستوى العالمي وسط أنباء عن معركة طاحنة تجري الاستعدادات لها بعد سقوط مدينة ماريوبول على الساحل الشرقي، ما جعل السيطرة على ساحل بحر آزوف أمراً واقعاً، وفتح الباب على ربط كامل المنطقة مع شبه جزيرة القرم.
وزادت التطورات الميدانية من سعار الحرب خارج الميدان مع استمرار تدفق الدعم العسكري الأمريكي والغربي على أوكرانيا، والذي ترافق مع اتهامات روسية لحلف الناتو بتأجيج المعارك، ولواشنطن بتعطيل محادثات السلام بين موسكو وكييف، حيث يعرب الطرفان عن صعوبات تواجه التوصل إلى اتفاق رغم استمرارها.
وكان التحدي الذي واجه «الناتو» طوال هذه الحرب هو كيفية منح أوكرانيا الدعم العسكري الكافي لمواجهة الروس من دون الانجرار إلى الصراع والدخول في حالة حرب مع روسيا. وتستمر حكومة كييف في الوقت نفسه في طلب مزيد من الدعم العسكري لصد الهجوم الروسي المرتقب في دونباس.
اتهامات متبادلة
وينظر الروس إلى هذه التطورات بعين الحذر ويتهمون واشنطن بتصعيد الحرب وإطالة أمد المواجهة حتى آخر أوكراني. وتثير مثل هذه التطورات قلق الغرب حيال احتمال لجوء روسيا إلى استخدام أسلحة نووية تكتيكية، أو انتشار الصراع خارج حدود أوكرانيا إلى حرب أوروبية أوسع، خاصة مع الأنباء التي تحدثت عن انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو هذا الصيف. ونظراً لارتباط السويد بحدود جغرافية مع روسيا فإن احتمال تعرضها لعمل عسكري روسي يبقى ماثلاً في أذهان صناع القرار الغربي وسط تقارير تفيد بنقل الروس منظومات صواريخ إلى الشمال قريباً من منطقة الحدود بين البلدين. ويخشى أعضاء «الناتو» من أن إمدادهم بمعدات هجومية ثقيلة مثل الدبابات والطائرات المقاتلة يمكن أن يؤدي إلى صراع مفتوح مباشر مع روسيا، وقد بدأت جمهورية التشيك بإرسال دبابات طراز تي 72 السوفييتية الصنع إلى أوكرانيا فعلاً.
ويشعر المخططون الاستراتيجيون في حلف الناتو بالقلق من أنه بمجرد كسر المحرمات، واللجوء إلى السلاح النووي التكتيكي، حتى لو كان الضرر مقصوراً على هدف محلي في ساحة المعركة الأوكرانية، فإن خطر التصعيد إلى تبادل نووي كارثي بين روسيا والغرب يزداد حتماً.
ويعتقد الخبراء العسكريون والمسؤولون الغربيون أيضاً بأن جنرالات بوتين يبذلون ما بوسعهم لتحقيق نصر تحتفل به روسيا في التاسع من شهر مايو/ أيار المقبل، وهو الذكرى السنوية لهزيمة ألمانيا النازية في روسيا عام 1945.
وعلى الصعيد السياسي طغت على المشهد خلال الأسبوع الماضي تغيرات عكستها نتاج الانتخابات الفرنسية، حيث ارتفع رصيد مرشحة اليمين ماري لوبان لتنافس الرئيس ماكرون على منصب الرئاسة في الجولة الثانية من التصويت. وقد صرحت مرة أخرى بأنها تعارض العقوبات التي يفرضها الغرب على روسيا، ما يوحي بأن لهذا الموقف بعداً استراتيجياً في حملة لوبان الانتخابية ربما يعزز فرص فوزها. ويضاف هذا التطور إلى نتائج انتخابات الأسبوع قبل الماضي، في كل من المجر التي منحت فيكتور أوربان حليف بوتين، فرصة لفوز كاسح خوّله رئاسة وزراء البلاد لدورة رابعة، وفاز الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش بالجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية ليستمر في الحكم لولاية أخرى مدتها 5 سنوات .
ضغوط أمريكية
وفي ظل هذه التطورات التي تزيد من قلق الغرب، استمرت الضغوط الأمريكية على بعض الدول التي كانت تتوقع منها واشنطن الرقص على أنغام محاصرة روسيا وعزلها، ومنها الهند على سبيل المثال، حيث سارع الرئيس بايدن بعد أن فشلت التهديدات الأمريكية، إلى محاولة ترضية نيودلهي عبر برنامج شراكة خاص بالطاقة المتجددة لتخفيف حدة قلقها حيال نقص الطاقة الذي يدفعها لدعم موسكو باعتبارها مصدراً مهماً لما تستورده الهند من نفط وغاز.
وحسب بيان البيت الأبيض عن المحادثات التي تمت عبر الفيديو، فقد بحث الزعيمان أموراً عدة، أبرزها الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا، وعواقبها المزعزعة للاستقرار.
من جانب آخر، يمعن الغرب في تشديد العقوبات على روسيا لفرض العزلة الكاملة عليها وتجفيف منابع تمويل العمليات العسكرية وسط تهديدات بأن أمد الحرب سيكون أطول مما توقعت موسكو.
وتستعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات إضافية على روسيا رداً على مزاعم أوكرانيا بأن القوات الروسية ارتكبت جرائم حرب في بلدة بوتشا الأوكرانية.
وقالت جين ساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض، إن الولايات المتحدة ستحظر الاستثمار الجديد في روسيا وستفرض مزيداً من العقوبات على المؤسسات المالية الروسية، وكذلك مسؤولين في الكرملين وعائلاتهم.
وأعلن رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال إن على الاتحاد الأوروبي «عاجلاً أم آجلاً» فرض عقوبات على قطاع النفط والغاز الروسي.
ومن الواضح أن الحرب الاقتصادية المتصاعدة لا تقتصر على محاصرة روسيا التي تفيد التقارير حتى الآن بأنها لم تتأثر كثيراً بالعقوبات، خاصة مع ربط تصدير النفط والغاز بتسديد ثمنها بالروبل، بل إنها باتت تهدد الاقتصاد العالمي بما فرضته من إرباك على حركة التجارة العالمية، وقيود على تعاملات الدول، خاصة في هذه المرحلة الانتقالية التي تتميز بالغموض وبتشابك القرارات الرسمية مع مقتضيات الالتزام بالعقوبات، الأمر الذي يجبر الشركات على التريث حتى تتضح الصورة.
ووسط هذا اللغط تتصاعد الأصوات المحذرة من مجاعات تهدد ملايين الفقراء في الدول الفقيرة، ومن ارتفاعات فلكية في أسعار السلع الغذائية يجعل الحصول عليها حلماً حتى لدى الأغنياء.