في بيئة العمل المعاصرة، أصبحت مرونة إدارة الشركات في التعامل مع الموظفين من حيث مواعيد العمل والتسهيلات الأخرى عنصراً أساسياً لتحقيق الرضا الوظيفي وزيادة الإنتاجية.
ومع التغيرات التكنولوجية السريعة وظهور أنماط عمل جديدة، بات من الضروري أن تتبنى الشركات سياسات مرنة تلبي احتياجات وتطلعات موظفيها.
وهذا النهج لا يسهم فقط في تحسين جودة الحياة للعاملين، بل يعزز أيضاً من التزامهم وولائهم تجاه الشركة.
وتعتبر مواعيد العمل المرنة أحد الجوانب الأساسية للمرونة في بيئة العمل، إذ يتيح هذا النظام للموظفين تحقيق توازن أفضل بين حياتهم الشخصية والمهنية، مما يقلل من الإجهاد ويزيد من الرضا الوظيفي.
فعندما يشعر الموظفون بأن لديهم السيطرة على جداولهم الزمنية، فإنهم يكونون أكثر قدرة على التركيز والإبداع، مما يعزز من إنتاجيتهم ويسهم في تحقيق أهداف الشركة بشكل أكثر فعالية.
إلى جانب مواعيد العمل المرنة، تشمل المرونة في بيئة العمل توفير تسهيلات مثل العمل عن بُعد، والإجازات الموسعة، وبرامج دعم الصحة النفسية والجسدية.. هذه التسهيلات تعكس التزام الشركة برفاهية موظفيها وتعزز من بيئة العمل الشاملة والداعمة.
تجربة شركة فنلندية
في هذا السياق، يستعين تقرير نشرته شبكة “سي إن بي سي” الأميركية بتجربة من فنلندا، التي تعد أسعد دولة في العالم.
وتشير تلك التجربة إلى أن سعادة العمال تعود إلى عامل رئيسي واحد، يتمثل في “المرونة”.
هذا هو الحال في شركة فريمري، وهي شركة تصنيع حجرات عازلة للصوت للمساحات المكتبية.
ففي كل عام، تقوم الشركة بإجراء استطلاع رأي لموظفيها البالغ عددهم 400 موظف تقريباً حول أهم الأشياء التي تجعلهم سعداء ومتفاعلين في العمل.
في هذه الاستطلاعات يأتي مفهوم التوازن بين العمل والحياة هو دائماً رقم 1 أو رقم 2، كما تقول آني هاليلا، رئيسة قسم الأفراد والثقافة في شركة فريمري.
ومن أجل توفير هذا التوازن، تقول إن قادة الشركات يدعمون بشكل فعال المرونة في جداول عمل موظفيهم وأوقات الراحة، موضحة أنه “من الطبيعي تماماً أن تتمكن من المزج بين حياتك الشخصية وحياة العمل في كيفية تنظيم يوم عملك وأسبوع العمل.. إذا كنت بحاجة إلى اصطحاب أطفالك إلى الرعاية النهارية في الصباح، فيمكنك أن تبدأ يومك مبكراً، أو يمكنك أن تأتي لاحقاً إذا كنت بحاجة إلى العودة إلى المنزل من أجلهم في منتصف النهار”.
وتقول إن مكاتب الشركة ليس لديها ساعات عمل محددة، لكن الناس يصلون عموماً بين الساعة السابعة والتاسعة صباحاً ويغادرون في وقت متأخر من بعد الظهر.
ويشار في هذا السياق، إلى أنه بموجب القانون، يبلغ أسبوع العمل القياسي في فنلندا 37.5 ساعة. فيما تتبنة الشركة المذكورة نظام عمل مرن، وفي المناسبات النادرة التي يؤثر فيها جدول عمل شخص ما سلباً على عمل فريقهم، تقول هاليلا إن الأمر يتحول إلى محادثة مع مديرهم لإجراء التعديلات، في إشارة للتنسيق الدائم والحوار حول تحقيق هذا التوازن.
بخلاف ذلك “يمكنك العمل لمدة ست ساعات اليوم، وثماني ساعات غداً، وهذا أمر جيد تماماً”، كما تقول المسؤولة في الشركة، والتي تضيف: “نحن نعطي الكثير من الحرية للأشخاص لتحقيق التوازن بين ساعات عملهم الإجمالية.. ونحن على ثقة من أنهم سوف يقومون بهذا العمل.. هذا هو الشيء الأكثر أهمية، أنهم سوف ينجزون الأمور.. الأمر لا يتعلق بالساعات، بل بالنتائج”.
يدعم القادة أيضاً فترات راحة منتظمة طوال اليوم. على سبيل المثال، يتم تشجيع الموظفين على أخذ استراحة لمدة ساعة مرة واحدة في الأسبوع لممارسة التمارين الرياضية، سواء كان ذلك للمشي أو لاستخدام صالة الألعاب الرياضية في الموقع.
وتضيف: “إذا خرج شخص ما للتنزه خلال يوم العمل، فإننا لا نعتقد بأنه متراخٍ .. إنهم حقًا يهتمون بتركيزهم ويكونون أذكياء بشأن كيفية موازنة صحتهم العقلية”.
قانون العمل والنقابات العمالية
من جانبه، أكد نائب رئيس اتحاد عمال مصر، مجدي البدوي، أن توافر السلامة والصحة المهنية للعاملين من أهم عوامل البيئة المثالية للعمل.
وأضاف في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن
- بناء علاقات عمل سليمة يساعد على زيادة الإنتاج وتطويره، في الوقت نفسه يشعر العامل بالراحة النفسية.
- ضرورة معرفة الحقوق والواجبات تجاه الطرفين “الشركة والموظف”.
- السماح بممارسة العمل النقابي الجيد داخل المؤسسات، مما يخلق بيئة عمل جيدة؛ لتحسين ظروف وشروط العمل.
- الحوار الدائم داخل الهيئات الإدارية المختلفة؛ لتقريب وجهات النظر في القضايا بين العاملين والرؤساء.. تؤدي تلك المناقشات إلى الوصول لوجهات نظر متقاربة والتفاهم في الأمور المعقدة، والوصول إلى حلول ترضي الأطراف كافة.
وأفاد بأن القوانين المتعلقة بالعمل، سواء قانون العمل أو النقابات، تعمل على تحسين بيئة العمل، وتنظم طبيعة العمل بين العمال وأصحاب الأعمال، مشدداً على ضرورة أن تعمل الدول كافة على إحداث حالة من التوازن في علاقات العمل بين العمال وأصحاب الأعمال وتطوير تلك القوانين بما يتماشى مع المتغيرات الواسعة التي تشهدها سوق العمل.
الشركات والموظفون
وإلى ذلك، قال الخبير الاقتصادي، ياسين أحمد، إنه من الطبيعي أن تسعى الشركات إلى تحسين بيئة العمل الخاصة بها، وبالتالي عليها تحفيز موظفيها حتى تجعلهم يبذلون قصارى جهدهم وطاقتهم في العمل من أجل تنفيذ الأهداف وتحقيق الطموحات.
وأشار في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن هذا الأمر يتطلب بعض العوامل المؤثرة في بيئة العمل لكي تجعلها بيئة مثالية، اقتداءً بتجارب عمل مختلفة حول العالم، تتمثل هذه العوامل فيما يلي:
- تطوير الأسلوب الإداري باعتبار ذلك من أهم أدوات البيئة المثالية للعمل، ويعني حسن سلوكيات وتعامل الشركة مع الموظفين، إضافة إلى المحفزات.
- الحوافز والبدلات تلعب دوراً مهماً للغاية في توثيق علاقة الارتباط التنظيمي والولاء المؤسسي للشركات وبين الموظفين.
- تكوين الثقة والمصداقية بين الشركة والموظفين، حيث تعتبر الثقة من أهم عناصر بيئة العمل المثالية.
- العدل والاحترام، ويعني احترام الإدارة لموظفيها وتقديم الدعم لهم، فضلًا عن وجود سياسات وممارسات عادلة من قبل الإدارة مع موظفيها، وذلك من خلال تقييم مدى المساواة والحيادية والتوازن أثناء تعاملها مع العاملين.
وأفاد بأن بيئة العمل المثالية هي التي تحقق الرضا الوظيفي للعاملين في الشركة، وفي معظم الأحيان تعتمد في عملها على المشاركة والتعاون بين أفراد الفريق الواحد لتحقيق الأهداف والمصلحة العامة للشركة. كما أن البيئة المثالية تتمتع بمناخ عمل صحي وصحيح يتمتع بالمرونة بين الموظفين والمدراء؛ مما يشعرهم بالحب والراحة لممارسة وظائفهم بكل سهولة وأريحية وبدون أي عوائق عملية تمنعهم عن الاستمرار في العمل.
علاوة على عامل “المشاركة الجماعية” في اتخاذ القرارات المرتبطة بالشركات، وبما يدعم قوة اتخاذ القرار وتشعر كل موظف بقيمته والدور المنوط به، كما تفتح آفاقاً جديدة بين الشركة والموظفين.
#اقتصاد عالمي
#بيئة العمل