في عالم يتسم بالتطور التكنولوجي السريع، أصبح الذكاء الاصطناعي التوليدي واحداً من أبرز الموضوعات التي تثير الجدل وتجذب الاهتمام على نطاق واسع في معظم دول العالم.
والجدل الدائم الذي يحيط بالذكاء الاصطناعي التوليدي، ناتج عن تعدد الآراء المرتبطة بكيفية استخدام هذه التكنولوجيا وتأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية، ففي كل مرة يتم فيها الإعلان عن تحقيق الذكاء الاصطناعي التوليدي تطوراً جديداً، يزداد هذا الجدل تعقيداً وعمقاً.
ومؤخراً أضيف إلى محاور الجدل المتعلقة بالذكاء الاصطناعي التوليدي، نقطة نقاش جديدة غير متعلقة بدور هذه التكنولوجيا وتأثيراتها على البشرية، بل بهويتها أو تصنيفها وحول ما إذا كانت منتج أم ميزة.
وهذا الالتباس الجديد والأساسي ظهر إلى العلن، بعد مؤتمر آبل للمطورين 2024، وبات مصدراً لنقاش كبير بين الأوساط التكنولوجية حول العالم، وسط خلاف في الآراء، بين من يرى أن الذكاء الاصطناعي هو ميزة وليس منتجاً، وبين من يرى العكس تماماً.
مؤتمر آبل
خلال مؤتمر آبل للمطورين 2024 WWDC الذي انعقد قبل نحو أسبوعين، عرضت شركة آبل رؤيتها بما يتعلق بالذكاء الاصطناعي التوليدي، وعمدت الى إظهار أنها تكنولوجيا توفّر تجربة متكاملة وليست تطبيقاً أو جهازاً مستقلاً، حيث ركزت آبل على دمج ميزات الذكاء الاصطناعي في التطبيقات الحالية التي يعرفها الجمهور، معلنة أن الكثير منها ستوفر تجربة استخدام أكثر ذكاءً من السابق.
فمثلاً كشفت آبل أن آيفون وبفضل الذكاء الاصطناعي سيصبح قادراً على توليد رموز تعبيرية جديدة وأن تطبيق الرسائل في الهاتف سيصبح قادراً على توفير ردود تلقائية.
وأن متصفح سفاري سيمتلك ميزة البحث الذكي، وأن سيري ستصبح أذكى هي الأخرى من السابق، وهذا ما أعطى انطباعاً أن الذكاء الاصطناعي التوليدي ميزة يمكن دمجها دمجاً في الأجهزة، وليس منتجاً في حد ذاته، وما عزز من هذا التوجه هو إعلان آبل أن بعض ميزات الذكاء الاصطناعي لن تكون محصورة بهواتف آيفون 16 التي سيتم طرحها لاحقاً هذا العام، بل أيضاً ببعض طرازات آيفون 15 التي تم طرحها في 2023، ما أكد وجهة النظر القائلة أن الذكاء الاصطناعي التوليدي، هو ميزة برمجية يمكن منحها أيضاً للأجهزة القديمة.
وقال رامي الدماطي وهو ريادي أعمال مختص في مجال الذكاء الاصطناعي، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن مسألة ما إذا كان الذكاء الاصطناعي منتجاً أم ميزة، بات موضوعاً جدلياً يثير الكثير من النقاش في الأوساط التكنولوجية.
فأثناء مؤتمر آبل للمطورين، أثار العديد من الحضور نقاشاً حول هذا الموضوع، حيث رأى البعض أن آبل قدمت دليلاَ واضحاً على أن الذكاء الاصطناعي يجب أن يُعتبر ميزة وليست منتجاً، نظراً لدوره في تعزيز قيمة المنتجات والخدمات الموجودة بالفعل بدلاً من أن يكون كياناً منفصلاً يُباع ويُشترى.
ويضيف الدماطي إنه في المقابل، هناك خبراء يؤكدون أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون منتجاً بحد ذاته، خاصةً عندما يتم تقديمه كحلول تقنية متكاملة، قادرة على تنفيذ مهام محددة بشكل مستقل، فعلى سبيل المثال، الشركات التي تطور حلول الذكاء الاصطناعي المتقدمة مثل معالجة اللغة الطبيعية أو التعلم العميق، غالباً ما تبيع هذه الحلول كمنتجات مستقلة تستطيع الشركات الأخرى تبنيها واستخدامها لتحسين عملياتها.
ويشرح الدماطي أن المواصفات التي تؤهل الذكاء الاصطناعي ليكون ميزة أو منتجاً، تعتمد بشكل كبير على كيفية استخدامه والغرض منه، فإذا كان الذكاء الاصطناعي يُستخدم لتحسين وظائف منتج معين أو لزيادة كفاءته، فإنه يعتبر ميزة، والمثال على ذلك ما فعلته آبل عندما أظهرت أن هذه التكولوجيا ستقوم بتحسين تجربة المستخدم في التطبيقات الذكية، أو تعزيز دقة التنبؤات في الأنظمة التحليلية في أجهزتها، لافتاً إلى أنه في المقلب الآخر، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون منتجاً عندما يوفّر حلاً مستقلاً، قادراً على تقديم قيمة واضحة دون الاعتماد على منتجات أخرى، فمثلاً الروبوتات الذكية التي تُستخدم في المصانع لأتمتة العمليات تعد منتجاً بحد ذاتها.
ويؤكد الدماطي أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون ميزة أو منتجاً أو حتى شيئاً آخر، حيث يختلف الوصف بناءً على السياق، أو حتى الطريقة التي يتم بها توظيف هذه التكنولوجيا، ولكن يبقى الأهم هو كيفية تقديم القيمة الفعلية للذكاء الاصطناعي للمستخدمين، بما يتيح لهم تحقيق الفوائد المرجوة منه.
ومن جهته يقول الكاتب والمحلل المختص بالذكاء الاصطناعي ألان القارح، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن ما يجب إدراكه أولاً، أن آبل غير مخوّلة تصنيف الذكاء الاصطناعي، ولذلك فإن البناء على ما قدمته خلال مؤتمر المطورين لعام 2024، والقول إن الذكاء الاصطناعي هو ميزة وليس منتجاً، أمر يحتوي على الكثير من المغالطات.
وأشار إلى آبل وفي الكثير من الأحيان، تتأخر عن مواكبة التغييرات الحاصلة في السوق، فمثلاً هي لم تتمكن حتى الساعة من طرح هاتف قابل للطي فهل ذلك يعني أنه لا وجود لهاتف قابل للطي، بالتأكيد لا، حيث أن الكثير من الشركات قامت بتصنيع هذا النوع من الهواتف.
وبحسب القارح فإن آبل حاولت وعلى مدار سنوات، تصنيع سيارة كهربائية ذكية ولكنها فشلت بذلك لتكتفي حالياً بتطوير برامج تشغيلية مخصصة للسيارات، في حين أن شركات مثل تسلا نجحت بشكل مبهر في ذلك، ومن هنا يجب إدراك أنه لا يمكن ربط تصنيف الذكاء الاصطناعي لناحية كونه منتجاً أو ميزة بما كشفت عنه آبل، علماً أنه من المبكر جداً الحكم على آبل بالفشل في هذا المجال، فمرحلة تطوير الذكاء الاصطناعي التوليدي، لا تزال في بدايتها وما نراه حتى اليوم، ليس سوى جزءاً صغيراً في عالم يكتنز الكثير من التطورات المذهلة.
ضياع في تصنيف الذكاء الاصطناعي
أوضح القارح أن الذكاء الاصطناعي لديه مفردات ومصطلحات ومفاهيم خاصة به، لا يزال يتعين على المجتمع التكنولوجي تصنيفها، فما بين أوصاف التعلم الآلي والتعلم العميق والشبكات العصبية، يوجد حالة من الضياع حول ما الذي يؤهل الذكاء الاصطناعي ليكون منتجاً أو خدمة، وهذا الالتباس الحاصل حالياً تحول إلى موضوع مثير للاهتمام كوننا بدأنا نرى الذكاء الاصطناعي في كل مكان حولنا، مشيراً إلى أن ما قدمته آبل في مؤتمر المطورين الخاص بها يمثل امتداداً للذكاء الاصطناعي، فهي ببساطة استفادت من هذه التكنولوجيا لتطوير منتجاتها.
وبحسب القارح فإن مصطلح “منتج الذكاء الاصطناعي”، يشير بوضوح إلى الذكاء الاصطناعي، القادر على أداء العمل كما يفعل الإنسان.
فمثلاً هل يمكن إنكار حقيقة أن روبوت شات جي بي تي هو أحد منتجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، طبعاً لا، فهو ومنذ لحظة الإعلان عنه، تحول إلى مرادف لهذه التكنولوجيا الجديدة، بحسب تعبيره.
ولكن في الوقت عينه، قامت شركة “أوبن أيه آي” المالكة لـ شات جي بي تي بتوفير روبوتها والبرامج المشغلة له، كأداة يمكن بيعها للشركات الأخرى، حتى تتمكن من الاستفادة منها في خدماتها، وهذا ما عزز اللغط تجاه تصنيف الذكاء الاصطناعي، الذي يمكن أن يكون في الوقت عينه منتجاً وأداة، ولذلك سنجد أنه سيكون من الصعوبة في مكان تحديد الفرق بينهما.