شهدت صناعة الأغذية والمشروبات في السنوات الأخيرة تحولات جذرية؛ نتيجة لعديد من الأنماط والمتغيرات الجديدة، التي لا تقتصر فقط على تفضيلات المستهلكين، إنما تشمل أيضاً الابتكارات التكنولوجية والتوجهات الصحية والبيئية.
وأمام تلك المتغيرات، أصبحت الشركات مجبرة على التكيف مع هذه الأنماط والمتغيرات لضمان البقاء والازدهار في سوق متغيرة بشكل سريع.
من بين هذه الأنماط نلاحظ تزايد الاهتمام بالأطعمة الصحية والمستدامة، وارتفاع الطلب على المنتجات النباتية والعضوية، بالإضافة إلى نمو سوق الأطعمة الجاهزة والمشروبات منخفضة السكر.
كذلك فإن التقدم التكنولوجي، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة، قد أصبح له دور كبير في تحسين عمليات الإنتاج والتوزيع وتحقيق التخصيص الدقيق لاحتياجات المستهلكين.
كل هذه التغيرات تفرض على الشركات إعادة تقييم استراتيجياتها وخططها لمواكبة التوجهات الحديثة وتلبية متطلبات السوق الديناميكية.
أيضاً، هناك تحول ملحوظ نحو الشفافية في سلاسل التوريد والممارسات الأخلاقية، حيث يطالب بعض المستهلكين بمعرفة مصدر مكونات منتجاتهم والظروف التي تم إنتاجها فيها. هذا يدفع الشركات إلى تبني ممارسات أكثر استدامة وشفافية، بما في ذلك استخدام التغليف القابل للتحلل والتقليل من الهدر الغذائي.
وفيما يلي أهم خمس طرق تتغير بها صناعة الأغذية والمشروبات، والمؤسسون المستجيبون، بحسب تقرير لمجلة INC الأميركية المتخصصة في الأعمال.
أولاً- الناس لا يريدون التنازل عن الصحة أو النكهة
يرغب المستهلكون في الشعور بالرضا تجاه ما يأكلونه، ولذلك تتجه العلامات التجارية نحو تحقيق هذا الشعور من خلال إبقاء قوائم المكونات بسيطة وتقديم نكهات غنية وفاخرة، إذ تدرك الشركات أن الناس يهتمون بتجربة الطعام ككل، وليس فقط بمذاقه.
براين تشوي، الرئيس التنفيذي لمعهد الطعام، وصف العصر الحالي للأكل الصحي بأنه مرحلة جديدة. في الماضي، كان التركيز على فهم المبادئ الأساسية للتغذية مثل الهرم الغذائي، ثم تطور الاهتمام ليشمل الصحة النفسية وكيفية تأثير الطعام على الصحة العقلية. أما الآن، فإن مفهوم الصحة والعافية أصبح يشمل أيضاً الجوانب الاجتماعية والبيئية، مما يعني أن الناس يهتمون بكيفية تأثير طعامهم على المجتمع والبيئة، بالإضافة إلى فائدته الصحية.
ثانياً- يهتم أفراد الجيل Z والجيل ألفا بالبيئة والمساءلة المؤسسية
المستهلكون الشباب من الجيل Z (الذين ولدوا بين عامي 1997 و2012) والجيل Alpha (الذين ولدوا بين عامي 2010 و2025) يضعون في اعتبارهم بشكل كبير المسؤولية المؤسسية عند اختيار العلامات التجارية المختلفة التي يرغبون في شرائها.
وقال تشوي: “يهتم مستهلكو الجيل Z برعاية الحيوان، ويهتمون بالمسؤولية المؤسسية للشركة فيما يتعلق بالبيئة.. لذا إذا كنت شركة مصنعة أو موزعاً لخدمات الأغذية، وليس لديك سياسة (المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة) ESG، فأنت في الأساس تنفر هذه الفئة السكانية الشابة”.
وأشار إلى أن الشركات تشهد تأثيرات تغير المناخ على أكثر من مجرد مشاعر المستهلكين، حيث أدت الأحداث الجوية الفوضوية أيضاً إلى تعطيل سلاسل توريد القهوة وحبوب الكاكاو.
وتستمر الأطعمة النباتية الصديقة للبيئة في تحقيق تقدم كبير أيضاً؛ فوفقاً لتقرير حالة صناعة الأغذية المتخصصة، كان أداء الكريمة والكريمات النباتية أقوى من كريمة الألبان بين عامي 2021 و2023 على سبيل المثال.
ثالثاً- التحولات الديموغرافية توسع أذواق الناس
تشوي أشار أيضاً إلى قدرة الجيل Z والجيل ألفا على الوصول إلى المعلومات والتعددية الثقافية في سن مبكرة، مما جعلهم “منفتحين، وأكثر تقبلاً للأفكار والتجارب الجديدة”، مما دفعهم نحو المأكولات العالمية، وفقاً لتقرير حالة الوجبات الخفيفة الذي أصدرته شركة مونديليز إنترناشيونال.
وبالإضافة إلى ذلك، ووفقاً لمسح أجرته شركة Menu Matters، وهي شركة استشارات قوائم الطعام في مجال تقديم الطعام، فإن 46 بالمئة من الأميركيين يجربون أطعمة جديدة في المنزل، و26 بالمئة يجربون أطعمة جديدة في المطاعم.
رابعاً- تحسين التجربة
تعمل عديد من الشركات على تحسين تجربة العملاء للتعاطي مع تلك التحولات المرتبطة بالصناعة. ويشير هنا تقرير المجلة الأميركية إلى أن قبل أن يأتي الطعم، هناك النظر والشم والصوت واللمس.. والناس يأخذون في الاعتبار كيف يجعلهم الطعام يشعرون قبل أن يأكلوه.
ووفقًا لاستطلاع Menu Matters، فإن 32 بالمئة من المستهلكين ينزعجون من التعبئة والتغليف التي تبدو غريبة، و31 بالمئة ينزعجون من عدم وجود معلومات عن خلفية المنتج أو قصته.
خامساً- لم يعد تناول 3 وجبات في اليوم هو القاعدة
رغم أن الوباء قد يبدو وكأنه مجرد ذكرى، إلا أنه يظهر في سلوكيات الأكل في شكل “تناول الوجبات الخفيفة”، وفقاً لتشوي، الذي قال: “من الواضح أن كوفيد كان له تأثير كبير على سلوك تناول الوجبات الخفيفة، لكنه لم يتلاشى إلى مستوى المعايير.. يستمر الناس في تناول الوجبات الخفيفة طوال اليوم”.
وأشار تقرير حالة صناعة الأغذية المتخصصة إلى أن الأميركيين “مدفوعون” بالوجبات الخفيفة والحلوى مع ارتفاع مبيعات رقائق البطاطس والوجبات الخفيفة أكثر من أي فئة أخرى من الأطعمة المتخصصة خلال العام 2023.
تتمتع الوجبات الخفيفة أيضاً بميزة الراحة التي توفرها الأطعمة الجاهزة – وهي شيء ترى جين كارول، مؤسسة شركة Jane Foodie، وهي شركة متخصصة في إنتاج الحساء واليخنة والصلصات، أن الناس يستجيبون له بشكل إيجابي.
أبرز المتغيرات وتأثيرها
مدير مركز الغد للدراسات الاقتصادية، سيد خضر، يؤكد في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أهمية صناعة الأغذية والمشروبات والتي تعد واحدة من أكبر القطاعات الاقتصادية في العالم، والتي تسهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي وتوفر ملايين فرص العمل، موضحاً أن تطوير هذه الصناعة له آثار إيجابية على الاقتصادات الوطنية من خلال الاستثمارات والصادرات والاستدامة البيئية والتحول نحو ممارسات إنتاجية أكثر كفاءة واستدامة.
يضيف: صناعة الأغذية والمشروبات تشهد عالمياً تغيرات سريعة في الآونة الأخيرة انعكست بدورها على الشركات العاملة، منها:
- زيادة الطلب على منتجات غذائية صحية وخالية من المواد الكيميائية الصناعية.. وبالتالي تسعى الشركات إلى تطوير منتجاتها لتلبية هذه الاحتياجات المتزايدة للمستهلكين.
- التغير في أنماط الاستهلاك مع زيادة الطلب على منتجات جاهزة وسريعة التحضير.
- ارتفاع الاهتمام بالتجربة الشرائية وتخصيص المنتجات للأفراد.. فيما تركز الشركات في هذا السياق على مواكبة هذه التطورات في سلوك المستهلكين.
- الاهتمام بالاستدامة والحفاظ على البيئة وزيادة الوعي بالقضايا البيئية وتأثير الصناعة على المناخ والبيئة، وهو ما تسعى إليه الشركات من تبني ممارسات صديقة للبيئة في عمليات الإنتاج والتوزيع.
- التطور التكنولوجي والرقمنة التكنولوجية وانعكاسها على تغير طرق الإنتاج والتوزيع والتسويق في الصناعة، وهو ما تسعى الشركات إلى تحقيقه عبر الاستثمار في الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة والإنتاجية.
- العولمة والتجارة الدولية وانفتاح الأسواق وزيادة المنافسة العالمية، وهو ما تسعى الشركات إليه عبر التوسع دوليا وتعزيز قدراتها التنافسية.
وأوضح أن صناعة الأغذية والمشروبات تتمتع بأهمية حيوية من خلال تحقيق الأمن الغذائي، حيث توفر الصناعة المواد الغذائية الأساسية اللازمة لمواجهة الزيادة السكانية حول العالم، كذلك ضمان استمرارية وصول الغذاء الكافي إلى جميع شرائح المجتمع والذي يعد تحدياً رئيسياً.
مرونة قوية
بدوره، يشير الخبير الاقتصادي، علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن صناعة الأغذية والمشروبات تعتبر من الصناعات الرئيسية التي تتمتع بمرونة كبيرة جداً في التعامل مع المتغيرات كافة بصورة سليمة وسريعة حول العالم.
ويضيف:
- تلك الصناعة تتمتع بأهمية كبيرة ومن الصناعات الرائدة الأساسية للمواطنين، إلا أنها تتأثر بعديد من القرارات الصادرة عن الدول بالإضافة إلى عدد من المتغيرات الأخرى العالمية المستمرة خلال فترات متلاحقة.
- أبرز تلك المتغيرات المؤثرة في تلك الصناعة تتمثل في ارتباطها بالتغير الديموغرافي وعوامل الزيادة السكانية.
- بالإضافة إلى المتغيرات المرتبطة بالتكنولوجيا المستخدمة في هذه الصناعات، فضلًا عن عمليات الابتكار والتطوير المستمرة.
- كما تعتبر الضغوط البيئية وقضايا تغير المناخ عوامل هامة تؤثر بقوة على الصناعة والشركات العاملة بها وتوجهاتها.
- بجانب تلك المجموعة من المتغيرات تأتي التغيرات المرتبطة بالقضايا السياسية والاقتصادية وتأثيرها القوي على الصناعة، حيث يؤثر تبني مجموعة من الشعوب لمقاطعة بعض المنتجات والمسائل السياسية أو التضامن مع أحد القضايا أو بسبب ارتفاع جنوني في الاسعار بصورة مبالغ بها، جميعها عوامل تؤثر على الشركات وأرباحها وتتطلب استراتيجيات مختلفة للتعامل والتكيف معها.