إعداد محمد كمال
في ظل أجواء محمومة، وبينما يستعد الرئيس الأمريكي جو بايدن لأول مقابلة تلفزيونية على محطة «إيه بي سي نيوز»، صباح الجمعة، عقب الأداء الكارثي في المناظرة الرئاسية الأولى، فإن المعسكر الديمقراطي يشهد نقاشات ساخنة حول المكاسب التي قد يجنيها الحزب، في حال اختار مرشحاً آخر غير بايدن، لخوض السباق أمام دونالد ترامب، قبل أقل من شهرين من مؤتمر الحزب لاختيار مرشحه.
وفي الوقت الذي يتعرض بايدن لضغوط شديدة من أجل التخلي عن محاولته للفوز بولاية ثانية، اندفع حزبه الديمقراطي إلى ما وصفت ب«المنطقة المجهولة»، والتي تحوي قائمة طويلة من المخاطر والمكاسب في حال استبدال بايدن.
لم ينسحب أي مرشح مفترض في وقت متأخر من العملية، لكن لم يواجه أيّ حزب التحدي الذي يواجهه الديمقراطيون اليوم، فمرشحه تطارده الشكوك حول قدراته الإدراكية، ومدى قوته لهزيمة منافسه ترامب؛ والأصعب من ذلك هو مدى ملاءمته لتولي الرئاسة لمدة أربع سنوات أخرى.
ويُعد السؤال الملحّ الذي يحاول قادة الحزب الديمقراطي الإجابة عنه بدقة حالياً، هو: ما هو الأكثر خطورة اختيار مرشح جديد، أم التمسك برئيس يبدو متجهاً إلى الهزيمة؟
وقال العديد من الديمقراطيين، وفق ما نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» إنه بغض النظر عن المخاطر، فإن المرشح الجديد يمكن أن يجلب مجموعة من الفوائد للحزب، بخاصة إذا اختار بايدن خليفة في محاولة لضمان انتقال سلس وتقليل الصراعات داخل الحزب.
وأضافوا: «يمكن لمرشح من الجيل الجديد أن يجلب دفعة من الطاقة، وقد يمنح ما يسمى بالكارهين المزدوجين، وهم الناخبون غير الراضين عن العودة بين رئيس يبلغ من العمر 81 عاماً ورئيس سابق يبلغ من العمر 78 عاماً، مكاناً جديداً محتملًا للذهاب إليه في نوفمبر/ تشرين الثاني. كما أنه من المؤكد تقريباً، أن المرشح الجديد سيستفيد من زيادة المساهمات في الحملة، على الأقل في البداية.
ويقول هوارد وولفسون، المستشار الديمقراطي، الذي قال إنه يشك في قدرة بايدن على التعافي من المناظرة: «إذا كنت تقود سيارتك مباشرة من منحدر، فهناك بالتأكيد مخاطر في الانحراف إلى اليمين أو اليسار بدلاً من ذلك». لكن ديمقراطيين آخرين، بما في ذلك بعض مستشاري بايدن، قالوا إن تغيير «الخيول» الآن قد يؤدي إلى خلافات انقسامية، ومدمرة في الحزب. ويمكن أن يثقل كاهل الحزب بمرشح غير مجرب، وكابوس لوجستي من شأنه أن يزيد من احتمالات فوز ترامب فقط.
وقالت ستيفاني كاتر، المستشارة الديمقراطية التي تقدم المشورة أيضاً لحملة بايدن: «يتطلب الأمر تدخل الله لكي تسير الأمور على ما يرام».
إن أي بديل لبايدن في المرحلة المتأخرة سيكون أقل شهرة، وأقل خبرة على الساحة الوطنية من بايدن، أو ترامب، وهي عقبات يجب على المرشح المختار حديثاً أن يتغلب عليها بسرعة.
ومن دون الانتخابات التمهيدية التقليدية، سيُحرم المرشحون من الخبرات الميدانية إذ يتم تدريبهم على أسئلة الناخبين، وتعلّم تفاصيل القضايا الإقليمية غير المألوفة، وإقامة تحالفات مع لاعبين رئيسيين في كل ولاية. ولن يخضعوا لفحص دقيق، وفحص من قبل الناخبين وخصومهم، ووسائل الإعلام، لسجلاتهم ونقاط قوتهم، وضعفهم السياسية.
ويؤكد ستيف ماكماهون، الاستراتيجي الديمقراطي أن: «اختيار شخص جديد ليس خالياً، من المخاطر الكبيرة، وهذا هو السبب في أن العديد من الديمقراطيين مترددون للغاية بشأن فكرة استبدال جو بايدن».
ولن يسهل الجمهوريون الأمر. ففي الظروف العادية، يكون لدى الحملة أشهر لإجراء أبحاث معارضة حول مرشحها للتأكد من استعدادها لأي هجوم. لكن حملة ترامب كان لديها أيضا متسع من الوقت لتجميع ملفات المعارضة حول خلفاء بايدن المحتملين، والتي يمكن أن تستخدمها قبل أن تتاح لهم الفرصة للقيام بذلك بأنفسهم.
وبالفعل، تحركت حملة بايدن للهجوم على نائبة الرئيس والبديلة المحتملة كامالا هاريس، إذ قالت الحملة: «هل قيصرة الغزو هي أفضل ما لديهم؟»، ضمن مجموعة من الهجمات، بما في ذلك دورها في سياسة الهجرة التي انتهجها بايدن. وللتخفيف من وطأة الهجوم المحتمل حول أي مرشح جديد، فإن أصواتاً ديمقراطية تقول إنه لن يكون هناك وقت كاف أمام حملة ترامب لبث وترسيخ المعلومات الضارة المحتملة حوله.
ويرى مراقبون أنه لا توجد خطة حقيقية لكيفية استبدال المرشح الذي ينسحب قبل أسابيع من المؤتمر العام للحزب. وبالنسبة لبعض الديمقراطيين، فإن الفوضى والانقسام المحتملين، سبب كافٍ لبقاء بايدن في السباق. ويزعم بعض الديمقراطيين أن إحدى الطرق لتقليل الاضطراب قد تكون أن يؤيد بايدن نائبة الرئيس كامالا هاريس، في طريقه للخروج.
وقالت إلين كامارك، عضو اللجنة الوطنية الديمقراطية وزميلة في مؤسسة بروكينجز: «الميزة التي تتمتع بها كامالا هاريس في هذا الافتراض هي أنها خضعت بالفعل للتدقيق – بدقة.. ربما نعرف كل شيء عنها. وهو ما لا يمكن قوله عن الآخرين. وهي في البيت الأبيض منذ أربع سنوات. لديها الكثير من الشهرة».
ويشير التقرير إلى أنه: «إذا لم يُسم بايدن خليفته المفضل في حالة ترك السباق، فإن العملية ستصبح معركة ولاءات، وهي معركة من المرجح أن تكشف عن الصراعات الإيديولوجية والجيلية التي كانت تختمر لسنوات.
ويوضح أن: «النقاشات حول الحرب في غزة، أو الهجرة، أو الشرطة، والتي من المتوقع أن تدور رحاها بالفعل في المؤتمر، قد تصبح الآن أكثر أهمية بكثير، ما يساعد على تحديد المرشح الجديد». ويضيف التقرير أن أحد الأشياء التي لا ينبغي للديمقراطيين أن يأخذوها على محمل الجد هو أنهم يمكن أن يتفقوا على شيء ما.
- كره ترامب يجمعنا
ويرى خبراء أن أكبر جامع للديمقراطيين حاليا هو «العداء الذي يشعرون به تجاه ترامب»، وقال بعض الديمقراطيين إن هناك طرقاً لتقليل الضرر الدائم. ويؤكد الاستراتيجي جيف ويفر، إن الحزب يجب أن يستقر على عملية اختيار سريعة.
وأضاف: «إذا حدث ذلك فبحلول وقت المؤتمر الديمقراطي، سيكون لدى الناس شعور جيد جداً بمن هم هؤلاء المرشحون».
- مشاكل قانونية
وقد يواجه المرشح الجديد عوامل معقدة أخرى، إذ يطلب قانون الانتخابات في أوهايو من الأحزاب، تحديد مرشحيها بحلول 7 أغسطس/ آب، أي قبل أسبوعين تقريباً، من المؤتمر الوطني الديمقراطي في شيكاغو. وكان الحزب يخطط لإضفاء الطابع الرسمي على ترشيح بايدن قبل ذلك الحين، من خلال تصويت افتراضي عبر الإنترنت. وفي غياب أي تغيير في القانون، وهو ما قد يحدث، فسوف يواجه الحزب صعوبة بالغة في الاستقرار على بطاقته الجديدة بحلول الموعد النهائي في أغسطس/ آب، أو التخلي عن الترشح في أوهايو.
وفي ولايات أخرى، يدرس الجمهوريون بالفعل استخدام الدعاوى القضائية لمنع الديمقراطيين من تغيير اسم المرشح على بطاقات الاقتراع.
وقال ريتشارد وينجر، الخبير في قواعد الاقتراع إنه لا يعتقد أن مثل هذه الدعاوى القضائية قد تتدخل بشكل مشروع في بطاقات الاقتراع في الولايات.
- الصراع على المال
وقال استراتيجيو الحزب إن المرشح الديمقراطي الجديد من المرجح أن يرث البنية الأساسية لحملة بايدن، والبنية الأساسية للحزب والمنظمات التي تم إنشاؤها بالفعل في الولايات المتأرجحة. لكن لن يصل إلى هذا الحد من دون تدفق نقدي وفير. وسيحتاج المرشح الجديد إلى جمع مئات الملايين من الدولارات لشن حملة جادة، وتقديم نفسه لأمريكا في حملة مختصرة.
وقال كورنيل بيلشر، وهو خبير استطلاعات رأي ديمقراطي يزعم أن تغيير المرشحين سيكون فكرة سيئة للحزب: «هل لديهم مليار دولار للقيام بذلك، وهل لديهم الوقت لإنفاق مليار دولار لرواية هذه القصة؟». ويعتمد الجواب جزئياً على ما إذا كانت هذه المرشحة هي هاريس.
ويؤكد سوراف غوش، متخصص إصلاح تمويل الحملات، إن هاريس بصفتها نائبة للرئيس ستكون قادرة على تولي حسابات حملة بايدن، إذا أصبحت المرشحة، حيث لن يتمكن آخرون من ذلك. وإذا لم تكن المرشحة الجديدة هي هاريس، فإن صندوق التمويل الخاص ببايدن قد يعود إلى اللجنة الوطنية الديمقراطية، التي قد تنفق 32 مليون دولار فقط، من ذلك بالتنسيق مع الحملة.
وقال العديد من كبار الاستراتيجيين الديمقراطيين إنهم غير قلقين بشأن هذا التحدي. وربما تغمر التبرعات عبر الإنترنت خزائن المرشح الجديد من أنصار القاعدة الشعبية. والأفضل من ذلك أن المانحين الذين قدموا الحد الأقصى لبايدن- وبالتالي لا يمكنهم إعطاء المزيد لهاريس- سيكون لديهم سجل جديد لإعطاء الحد الأقصى من التبرعات مرة أخرى لمرشح مختلف، وهو مكسب ضخم محتمل.
كما أن مجموعة الديمقراطيين من لجان العمل السياسي الممولة جيداً – والتي يمكنها جمع وإنفاق مبالغ غير محدودة، ولكنها قد لا تنسق قانونياً مع الحملات- ستتحول بالتأكيد بسرعة لدعم مرشح جديد. ومع ذلك، قال أنصار بايدن الذين يعارضون فكرة التغيير إنه لن يكون من السهل إشعال حملة جديدة،كما قد يعتقد أولئك الذين يدفعون من أجلها.
وقال حاكم ولاية نيوجيرسي فيل مورفي، الذي أصرّ على أن بايدن سيكون المرشح: «لا يمكنك أن تنقر بإصبعك وتفترض أن ذلك سيحدث».