يسهم تزايد احتمالات تولي دونالد ترامب إدارة ثانية في إشعال موجة بيع في سندات الحكومة الأميركية، حيث يراهن المستثمرون على أن السياسات بما في ذلك التخفيضات الضريبية قد تؤدي إلى ارتفاع العجز والتضخم.
وبدأت عائدات سندات الخزانة، التي ترتفع عندما تنخفض أسعار السندات، في الارتفاع في 28 يونيو، بعد يوم من المناظرة بين الرئيس بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب التي اعتبرها وول ستريت بمثابة ضربة قوية لفرص إعادة انتخاب بايدن.
كما أن الأداء الضعيف لبايدن قد يساعد في ترجيح سيطرة الجمهوريين على الكونغرس، مما يخلق مساحة أكبر لأولويات ميزانيتهم
وبحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”، فإن القاعدة الأساسية في وول ستريت تقضي بأن العجز في الموازنة يميل إلى أن يكون أكبر في ظل سيطرة حزب واحد.
ويعتقد عديد من المستثمرين أن العجز المرتفع لعب بالفعل دوراً في دفع عائدات سندات الخزانة إلى الارتفاع في السنوات الأخيرة من خلال زيادة المعروض من السندات التي يتعين على السوق استيعابها وفرض ضغوط تصاعدية على التضخم ــ الأمر الذي دفع بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى تحديد أسعار الفائدة أعلى مما كان ليفعل لولا ذلك.
وباعتباره مرشحا هذا العام، قدم ترامب وعودا واسعة النطاق بشأن خفض الضرائب. وقال أيضا إنه سيفرض تعريفات جمركية شاملة، وهو ما يقول المحللون إنه قد يكون له تأثير اقتصادي غير مؤكد، مما قد يؤدي إلى زيادة التضخم ولكن أيضا إلى زيادة الإيرادات وإبطاء النمو الاقتصادي.
لكن المستثمرين ركزوا في الأغلب على حجم أجزاء قانون الضرائب لعام 2017 المقرر انتهاء صلاحيتها بعد نهاية العام المقبل. ويتوقع كثيرون أن يمدد الكونغرس والبيت الأبيض الخاضعان لسيطرة الجمهوريين جميع هذه الأجزاء، مما يؤدي إلى خفض الإيرادات المتوقعة بنحو 4 تريليون دولار على مدى العقد المقبل.
ويريد الرئيس بايدن تمديد التخفيضات الضريبية فقط للأسر التي يقل دخلها عن 400 ألف دولار، والسماح للضرائب بالارتفاع لمن يتجاوز هذا الحد. ويقول مسؤولون في الإدارة إن أي تمديدات للتخفيضات الضريبية يجب أن يقابلها ضرائب أعلى على الأسر والشركات ذات الدخل المرتفع، وهو هدف قد يكون صعبًا حتى لو حقق الديمقراطيون نتائج جيدة في نوفمبر.
وارتفع العائد على سندات الخزانة الأميركية القياسية لأجل عشر سنوات إلى أكثر من 4.45 بالمئة الأسبوع الماضي، ارتفاعا من 4.287 بالمئة قبل المناظرة بين بايدن وترامب. وتراجع العائد عن بعض تلك المكاسب يوم الأربعاء الماضي بعد تقرير أضعف من المتوقع عن نشاط قطاع الخدمات الأميركي، ليستقر عند 4.346 بالمئة.
تشكيك
وقد شكك بعض المحللين في الافتراض القائل بأن احتمالات فوز الجمهوريين يجب أن تترجم إلى عائدات أعلى.
وكتب محللون في غولدمان ساكس في تقرير حديث أن “نطاق العجز المالي المحتمل في ظل نتائج انتخابية مختلفة ضيق إلى حد ما”. وعلاوة على ذلك، كتبوا أن خطة ترامب لرفع الرسوم الجمركية قد تدفع العائدات إلى الانخفاض من خلال عرقلة النمو الاقتصادي.
وقال المستثمرون أيضا إن سندات الخزانة ربما تكون جاهزة بالفعل لعمليات بيع مكثفة بعد ارتفاعها الشهر الماضي في أعقاب بيانات التضخم المشجعة.
ودفع هذا الارتفاع العائد على السندات لأجل عشر سنوات إلى الانخفاض بمقدار 0.5 نقطة مئوية عن السندات لأجل عامين ــ وهي العتبة التي أدت أيضا إلى جولات سابقة من البيع.
وأدت عمليات البيع المكثفة الأخيرة إلى مكاسب حادة بشكل خاص في العائدات على السندات الأطول أجلاً، مما يشير إلى أن بعض المتداولين ربما كانوا قد بدأوا للتو في التخلص من مراكزهم السابقة. ومع ذلك، فإن مثل هذه الخطوة هي أيضًا ما يتوقعه الكثيرون من التحول نحو توقعات عجز أعلى.
توقعات المستثمرين
تعكس عائدات سندات الخزانة على نطاق واسع توقعات المستثمرين بشأن متوسط أسعار الفائدة قصيرة الأجل التي يحددها بنك الاحتياطي الفيدرالي على مدى عمر السند. لكن هذه التوقعات أكثر واقعية بالنسبة لسندات الخزانة قصيرة الأجل، مما يجعلها أقل عرضة من السندات الأطول أجلاً لزيادة المعروض من السندات أو المخاوف بشأن توقعات التضخم الأطول أجلاً، وفق تقرير الصحيفة الأميركية.
كما ارتفعت العائدات الأطول أجلا بشكل أسرع من العائدات القصيرة الأجل بعد فوز الجمهوريين بالسيطرة على الكونجرس والبيت الأبيض في انتخابات نوفمبر 2016. وكان ذلك معروفا في ذلك الوقت باسم “صفقة ترامب”. ولكن حدث ذلك مرة أخرى في يناير 2021، عندما منح انتصار الديمقراطيين في انتخابات مرتين في جورجيا لهم السيطرة على مجلس الشيوخ بعد أن فازوا بالفعل بمجلس النواب والرئاسة.
في كلتا الحالتين، ثبت أن رهانات المستثمرين على سياسات مالية أكثر توسعاً كانت مبررة. فقد أقر الجمهوريون تخفيضاتهم الضريبية في عام 2017، في حين وقع بايدن على حزمة إغاثة ضخمة لكوفيد-19 بعد أقل من شهرين من تنصيبه.
ولا يزال عديد من المستثمرين يتوقعون أن تلعب البيانات الاقتصادية والإشارات الصادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي الدور الأكبر في تحديد عوائد سندات الخزانة في الأشهر المقبلة.
تأثير مباشر
بدوره، يقول رئيس الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن احتمال فوز ترامب بالانتخابات الأميركية المقررة نهاية العام الجاري سيكون له تأثير واضح على سوق السندات الأميركية.
وشدد على أنه بالنظر إلى المناظرة التي أجريت أخيراً بين ترامب وبايدن، فقد ارتفع العائد على صعيد سندات الخزانة الأميركية بعدها، وانخفضت أسعارها نتيجة عدة عوامل.
ويشير إلى أن الأسواق دائماً ما ترى ترامب أنه من النوع المفضل من قبل الاقتصاد، لذلك وصوله للحكم، سيؤدي إلى قوة سوق العمل وتوقف الهجرة غير الشرعية مع المكسيك وتأمين الحدود، وهو ما سيشكل عاملاً ضاغطاً تضخمياً.
ويوضح أن الدولة الأميركية ستشهد خلال فترته في حالة فوزه إنفاق إضافي، وجميعها عوامل تضخمية وتشكل ضغطاً على أسعار السندات، لذلك فوزه سيؤدي إلى إرتفاع إضافي بالديون وأسعار منحفضة في السندات.
افتقاد الجاذبية
كما تتوقع خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن ينعكس فوز ترامب بالانتخابات الأميركية في نوفمبر بصورة سلبية وزيادة التخلي عن سندات الخزانة الأميركية.
وتبرر تلك التوقعات بخطط ترامب المستهدفة نحو خفض الضرائب ورفع الجمارك، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم، بما لذلك من أثر مباشر على السندات الأميركية فضلًا عن تأثير سياساته العدائية مع عديد من الدول، مشيرة إلى أن فترة ترامب شهدت حرب اقتصادية بين أميركا والصين، وهو ما أدى إلى زيادة مبيعات الصين في سندات الخزانة الأميركية.
وتوضح أن وصوله إلى الحكم سيؤدي إلى مزيد من المبيعات في سندات الخزانة الأميركية، خاصة في ضوء اهتمامه بسياسات التيسير النقدي، وسوق الأسهم، وهي جميعها عوامل ستؤدي إلى الإبقاء على خفض أسعار الفائدة ومن ثم تتأثر السندات بالسلب.
ويعتبر بيل غروس، مستثمر السندات الشهير، فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية سيكون “أكثر تشاؤما” و”مزعزعا” لأسواق السندات مقارنة بإعادة انتخاب جو بايدن.
وبحسب تقرير على صحيفة “فاينانشيال تايمز”، اطلعت عليه سكاي نيوز عربية، قال غروس، الملقب بـ “ملك السندات” إن عودة ترامب إلى البيت الأبيض من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم العجز الأميركي المتنامي. وأضاف غروس: “ترامب هو الأكثر تشاؤماً بين المرشحين ببساطة لأن برامجه تدعو إلى استمرار التخفيضات الضريبية”، على الرغم من أنه أشار إلى أن رئاسة بايدن كانت مسؤولة أيضًا عن العجز الهائل في الموازنة بسبب إنفاق تريليونات الدولارات.