في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها بريطانيا، يبقى ملف الإسكان المتوسط التكلفة أحد أبرز التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة بقيادة حزب العمال، فمع تعيين راشيل ريفز وزيرة للخزانة تزايدت التوقعات بأن تتمكن الحكومة من وضع حلول جذرية لهذه الأزمة التي لطالما أرهقت المواطنين وأثقلت كاهلهم.
في خطابها سلطت ريفز الضوء على أهمية معالجة النقص في الإسكان كجزء من جهود الحزب لتنشيط الاقتصاد البريطاني، وأكدت ضرورة إجراء إصلاحات شاملة في التخطيط، وتخفيف الضغط على سوق العقارات.
ولكن، مع تاريخ الحكومات السابقة في الفشل بتحقيق وعود مماثلة، يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح خطط حزب العمال في تحقيق أهداف الإسكان بأسعار معقولة؟ وهل ستتمكن وزيرة الخزانة البريطانية من الوفاء بتعهداتها وتقديم الحلول المطلوبة للأزمة الحالية؟
الإسكان والتخطيط في مقدمة خطاب ريفز
قالت ريفز في بداية خطابها الإثنين:
• سنقوم بإصلاح إطار السياسة الوطنية للتخطيط، والتشاور بشأن نهج جديد يركز على النمو في نظام التخطيط قبل نهاية الشهر. بما في ذلك إعادة الأهداف الإلزامية للإسكان.
• سننهي الحظر على مزارع الرياح البرية الجديدة في إنكلترا .
• سنبدأ في بناء بريطانيا مرة أخرى. سنبدأ في تنمية اقتصاد بريطانيا ولا يوجد وقت نضيعه.
تشير التقديرات إلى أن حزب العمال تعهد ببناء 1.5 مليون منزل جديد خلال الأعوام الخمسة المقبلة مؤكداً أنه لن “يتردد في استخدام كافة صلاحيات التدخل لبناء المنازل التي تحتاجها المملكة المتحدة”، وهو هدف يعتبره محللون طموحاً للغاية لكن تحقيقه صعب.
وذكر تقرير نشرته CNBC الأميركية واطلعت عليه سكاي نيوز عربية وجاء تحت عنوان “وزيرة المالية البريطانية الجديدة تعيد تحديد أهداف البناء”، أن “بناء المساكن برز كأولوية رئيسية لحكومة العمال، التي تسعى إلى تجاوز البيروقراطية التي أعاقت بصفة مزمنة إمدادات الإسكان وأدت إلى تضخم سوق العقارات في البلاد”.
وفي حين تم اكتمال ما مجموعه 212570 منزلاً جديداً العام الماضي تحت الإدارة المحافظة، وفقاً لأرقام الحكومة وجدت مؤسسة “Resolution Foundation” البحثية أن الأسر في المملكة المتحدة تتلقى منتجاً أدنى من حيث الكمية والجودة، حتى أنه بالمقارنة مع مستويات الأسعار العامة، لدى المملكة المتحدة أعلى سعر لجودة السكن من أي اقتصاد متقدم”.
وأورد التقرير أن تصريحات ريفز تأتي في وقت تتعافى فيه بريطانيا من ركود طفيف في النصف الثاني من العام الماضي وفترة من عدم اليقين الاقتصادي، بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وجائحة كوفيد-19، وضغوط التضخم الدولية في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية والحرب في منطقة الشرق الأوسط. كما تكافح لندن لاستعادة بريقها كمركز مالي عالمي في ظل نقص في الإدراجات الأولية الجديدة”.
ويواجه حزب العمال صورة اقتصادية ضعيفة على المدى القصير، إذ يتوقع مكتب مسؤولية الميزانية في المملكة المتحدة نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.8 بالمئة فقط هذا العام، يليه توسع بنسبة 1.9 بالمئة في عام 2025، بينما توقع صندوق النقد الدولي نمواً أضعف هذا العام بنسبة 0.5 بالمئة.
أهداف الإسكان الإلزامية
في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية ” قال علي حمودي الخبير الاقتصادي، الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في “ATA Global Horizons”: “بينما أكدت وزيرة الخزانة البريطانية أن الحكومة الجديدة ستضع أهدافاً إلزامية للإسكان لتحقيق هدفها المتمثل في توفير 1.5 مليون منزل جديد في إنكلترا على مدى السنوات الخمس المقبلة، وكان حزب المحافظين قد قدم أهداف الإسكان الإلزامية في عام 2019، والتي استندت إلى عدد الأسر المتوقعة في كل منطقة، وكان على السلطات المحلية في إنكلترا بعد ذلك التأكد من أنه تم تسليم هذه المنازل الجديدة، ولكن تم التخلي عن هذه الأهداف عندما أصبح ريشي سوناك رئيساً للوزراء في عام 2022”.
وقدرت الحكومة السابقة، بناء مليون منزل جديد في السنوات الخمس الماضية – وهو ما كان تعهداً في بيان المحافظين لعام 2019 – لكنها فشلت في الوفاء بتعهدها في بناء 300 ألف منزل جديد سنوياً، وفي عام 2023، انتقدت لجنة من النواب إسقاط أهداف الإسكان الإلزامية، بحسب تعبيره.
وأوضح أن وعد حزب العمال بدعم بناء المنازل يعني أنه سيُلزم ببناء 300 ألف منزل كل عام، أي أكثر من ضعف العدد الذي تم بناؤه في الفترة 2022-2023، مشيراً إلى أن حرب العمال يؤكد أنه سيفعل ذلك عن طريق تقليل التأخير في طلبات التخطيط، ومساعدة مشتري المنازل لأول مرة، والبناء على ما يعرف بالحزام الأخضر.
ولكن علينا أن نتساءل، هل هذا تعهد واقعي؟
حمودي طرح التساؤل وأجاب عليه بقوله: “لا بد أن نذّكر بأن عدد المنازل التي بناها القطاع العام ودفع ثمنها منذ الثمانينات انخفض بشكل كبير، ومن ناحية أخرى، لا ترغب شركات بناء المساكن الخاصة في بناء عدد أكبر مما ينبغي من المساكن، أو بسرعة أكبر مما ينبغي، لأن إغراق السوق قد يؤدي إلى خفض السعر الذي سيدفعه المشترون، فعدد عدد المنازل الجديدة التي يتم بناؤها في أي عام سوف يرتفع أو ينخفض بما يتماشى مع شهية الناس لشراء أو بيع منازلهم”.
هدف صعب
وانخفضت معاملات شراء المساكن بنسبة 19 بالمئة خلال عام 2023 إلى ما يزيد قليلاً عن 1.02 مليون وحدة، وفقاً لأرقام إدارة الإيرادات والجمارك البريطانية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى زيادة معدلات الرهن العقاري، كما انخفض عدد المنازل الجديدة المخطط لها بنسبة 44 بالمئة العام الماضي، وفقا للمجلس الوطني لبناء المنازل (NHBC) ومن هنا يرى الخبير الاقتصادي حمودي أن تعهد حزب العمال بناء 1.5 مليون منزل بحلول عام 2029 سيكون هدفاً صعباً.
ويعزو حمودي ذلك إلى أن معظم القرارات المتعلقة ببناء المنازل تقع في أيدي شركات بناء المنازل في القطاع الخاص، وليس الحكومة، وبالتالي فإن السوق بمنازل جديدة لن يكون في مصلحة مطوري العقارات.
وأردف الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في “ATA Global Horizons”: “إن الطريقة الوحيدة التي يمكن للحكومة من خلالها التأثير على العرض هي بناء المنازل الجديدة بنفسها، وهو ما اعتادت القيام به عندما قامت السلطات المحلية بتوظيف العمالة المباشرة لبناء الإسكان الاجتماعي، لكن هذا الخيار يبدو غير مرجح بالنظر إلى الوضع الحالي للمالية العامة للبلاد.
كما أن أسعار الفائدة المرتفعة ستحد من عدد المنازل التي يمكن للمطورين الكبار بناءها وبيعها، ومع ذلك، يشير حمودي إلى “أن البريطانيين سيرون المزيد من المنازل الجديدة خلال السنوات المقبلة مقارنة مع السنوات السابقة، ولكن يجب على الحكومة الجديدة أولاً أن تقوم بتسهيل وتعديل نظام التخطيط وجعله سلساً وأن يتم استخراج موافقات البناء والتخطيط بسرعة”.
الافتقار إلى تاريخ قوي في القيادة الاقتصادية
من جهته، أشار الرئيس التنفيذي لمركز “كروم للدراسات الاستراتيجية” في لندن طارق الرفاعي في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن حزب العمال قد يكون ناجحاً في تنفيذ برامج اجتماعية وصحية، لكنه يفتقر إلى تاريخ قوي في القيادة الاقتصادية وحل أزمة الإسكان متوسط التكلفة.
وعلى الرغم من التفاؤل الذي تشهده الأسواق حالياً فإن الرفاعي يشكك في قدرة الحزب على تقديم برامج فعالة لحل أزمة الإسكان مشيراً إلى أن الاستراتيجيات المقترحة قد لا تلبي التحديات الهيكلية للسوق العقاري.
وأضاف الرفاعي أن التأثيرات المحتملة لبرامج الحزب قد تتضمن زيادة في عجز الميزانية العامة وتأثيرات سلبية على الاقتصاد والمستهلكين، مشددًا على أن التحديات الاقتصادية التي يواجهها الحزب تستدعي استراتيجيات أكثر تكاملًا ومرونة لضمان النمو المستدام وتحسين الإطار الاقتصادي بشكل شامل.