إعداد: محمد كمال
وسط حالة من عدم اليقين وعلى بعد بضعة مبانٍ من البيت الأبيض، يستقبل الرئيس الأمريكي جو بايدن زعماء حلف شمال الأطلسي (الناتو) في قاعة أندرو دبليو ميلون الضخمة، وهي نفس المكان الذي تم فيها توقيع المعاهدة التي أنشأت الحلف عام 1949، في حفل ترأسه وقتها الرئيس هاري ترومان، عندما كان بايدن يبلغ من العمر 6 سنوات في ذلك الوقت، وكانت الحرب الباردة في مهدها.
كان بايدن يخطط لنقل الثقة إلى زعماء التحالف الموسع حديثاً أثناء الاحتفال بالذكر 75 لتأسيسه خلال القمة الحالية، لكنها تأتي في ظل عدم اليقين بشأن قدرته على تولي فترة ولاية ثانية، والاحتمال الكبير بعودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى المكتب البيضاوي.
- بايدن تحت الملاحظة
وذكر تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، أنه مع بدء وصول 38 من زعماء العالم، يبدو أن هذه الثقة معرضة للخطر، حتى قبل أن تبدأ القمة رسمياً، إذ طغت عليها المخاوف من حالة بايدن الصحية وقدراته على خوض السباق لولاية ثانية، بل والدعوات المتصاعدة داخل حزبه الديمقراطي بضرورة الانسحاب وإخلاء الساحة لمرشح شاب.
ويشير التقرير إلى أنه بينما يجتمع قادة الناتو مساء الثلاثاء، سيراقبون من كثب كل تحركات بايدن ويستمعون إلى كل كلمة يقولها، بحثاً عن نفس الإشارات التي يركز عليها الأمريكيون، وما إذا كان بإمكانه الاستمرار لمدة أربع سنوات أخرى في منصبه.
وبايدن الذي يبلغ 81 عاماً وربما يكون المدافع الأكثر صراحة في واشنطن عن التحالف الذي نما من 12 عضواً إلى 32 عضواً اليوم، يدرك أنه يتعرض للتدقيق، وقال في مقابلة تلفزيونية إنه يرحّب بذلك. وأضاف: «من سيحافظ على تماسك حلف شمال الأطلسي مثلي؟ أعتقد أن الطريقة الجيدة للحكم عليّ هي مشاهدة القمة ومعرفة رد فعل الحلفاء. تعال واستمع. انظر ماذا يقولون».
- مزيد من الإنفاق
ووفق التقرير، فقد أقر زعماء الناتو بأن التحالف يواجه اختباراً لم يتوقعوه، وما إذا كان قادراً على الحفاظ على الزخم الذي بناه، ومدى الثقة بأهم لاعب داخله في إشارة إلى الولايات المتحدة، ومواقف دونالد ترامب المعلنة بشأن الحلف في حال وصوله إلى سدة الحكم مجدداً.
وقال ينس ستولتنبرغ، الأمين العام المنتهية ولايته للحلف: «لم يكن حلف شمال الأطلسي أبداً، ولن يكون أبداً، أمراً مفروغاً منه. لقد فعلنا ذلك بنجاح لمدة 75 عاماً. وأنا على ثقة بأننا قادرون على القيام بذلك أيضاً في المستقبل. ولكن الأمر يتعلق بالقيادة السياسية، والالتزام السياسي».
وقبل أشهر من الاجتماع، بدأ التحالف في التحوط في رهاناته في حالة رئاسة ترامب الثانية. وهو يعمل على إنشاء قيادة جديدة لحلف شمال الأطلسي لضمان إمدادات طويلة الأجل من الأسلحة والمساعدات العسكرية لأوكرانيا حتى لو انسحبت الولايات المتحدة، تحت قيادة ترامب.
ولكن في المحادثات مع زعماء الناتو، من الواضح أن خططهم لتحديث قواتهم والاستعداد لعصر قد يتميز بعقود من المواجهة مع روسيا لا تقابلها زيادات متناسبة في ميزانياتهم العسكرية.
ووصلت أكثر من عشرين دولة عضو في الحلف الآن إلى هدف إنفاق 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، والوفاء بالتعهدات التي قطعتها بعض الدول استجابة لمطالب ترامب، وأخرى استجابة لواقع الحرب الروسية الأوكرانية. ويقول العديد من مساعدي بايدن إن هذه النسبة المئوية، وهي هدف تم تحديده منذ أكثر من عقد من الزمان، في عصر بدا فيه الإرهاب هو التهديد الأكبر، تبدو أقل بكثير من المهمة المطروحة.
وفي أوروبا، وضعت ألمانيا خططاً كبرى لتطوير قدراتها العسكرية، لكن تلك الخطط التي وضعها شولتز لم تقابلها بعد ميزانية. كما قال كارل بيلت، الرئيس المشارك للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ورئيس وزراء السويد السابق، إن الدول الأوروبية «ستحتاج إلى مضاعفة» ميزانياتها «مرة أخرى من أجل التهديدات المتزايدة».
على الرغم من ذلك، قال مسؤولون في البيت الأبيض إن بايدن لن يضغط من أجل أهداف إنفاق عسكري جديدة، وذلك على عكس ما قال ترامب خلال المناظرة الرئاسية الأولى إنه سيضغط لمزيد من إنفاق باقي الدول الأعضاء.
- معضلة أوكرانيا
لكن المشكلة الأكثر إلحاحاً بالنسبة بايدن قد تتمثل في تجنب انفجار علني آخر مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بشأن مسألة كيفية وصف انضمام بلاده في نهاية المطاف إلى حلف شمال الأطلسي.
في العام الماضي، أثناء توجهه إلى فيلنيوس في ليتوانيا لحضور الاجتماع السنوي لحلف شمال الأطلسي، أعرب زيلينسكي عن استيائه من عدم وجود جدول زمني لانضمام أوكرانيا إلى الحلف. وكتب على وسائل التواصل الاجتماعي في ذلك الوقت: «إنه أمر غير مسبوق وسخيف ألا يتم تحديد إطار زمني، لا للدعوة ولا لعضوية أوكرانيا».
ولكن في الأسابيع الأخيرة، بدأ المفاوضون في التوصل إلى نهج جديد، ومن المتوقع أن يعلن التحالف أن انضمام أوكرانيا إلى الناتو «لا رجعة فيه»، على حد تعبير دبلوماسيين مشاركين في المحادثات، لكن ذلك في النهاية لا يعني شيئاً حالياً لأوكرانيا الخاضعة لحماية مظلة الناتو.
وبعد مرور خمسة وسبعين عاماً على إنشاء حلف شمال الأطلسي لردع ما وُصف بالتهديدات التي شكلها الاتحاد السوفييتي في فجر الحرب الباردة، يبدو أن عدداً من القادة الحاليين والمحتملين من بين الدول الأعضاء في التحالف غير متحمسين لهذه التوجهات. وعلى سبيل المثال فقد زار رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان روسيا، ولم يقل شيئاً ينتقد الحرب الأوكرانية، بل وألمح إلى البحث عن فرصة لمفاوضات السلام بشروط مماثلة لمطالب روسيا.
وانتقد البيت الأبيض الزيارة يوم الاثنين. وقال جون إف كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، إن زيارة أوربان «مثيرة للقلق». ولكن لتجنب أي انقسام علني داخل حلف شمال الأطلسي عشية القمة، توقف ستولتنبرغ عن انتقاد أوربان، مشيراً إلى أن «حلفاء الناتو يتفاعلون مع موسكو بطرق مختلفة، وعلى مستويات متباينة».