إعداد: محمد كمال
في تذكير بأقوى مواجهات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي قبل تفككه، والتي يطلق عليها «أزمة الصواريخ الكوبية»، أعلنت واشنطن وبرلين نشراً متقطعاً للصواريخ الأمريكية طويلة المدى في ألمانيا بدءاً من عام 2026، وهو ما دفع روسيا للتوعد باتخاذ تدابير عسكرية مضادة.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، الخميس: إن بلاده تستعد لاتخاذ تدابير عسكرية رداً على النشر الأمريكي المخطط له لصواريخ بعيدة المدى في ألمانيا، مضيفاً، أن الخطوة الأمريكية «مدمرة للسلامة الإقليمية والاستقرار الاستراتيجي».
وقال ريابكوف لوكالة إنترفاكس الروسية: «من دون مشاعر، سنطور رداً عسكرياً، أولاً وقبل كل شيء، على هذه اللعبة الجديدة».
وفي تعليق منفصل نشرته وزارة الخارجية الروسية، قال ريابكوف: إن موسكو توقعت القرار، وإن روسيا بدأت في إعداد «تدابير مضادة تعويضية» مقدماً.
وفي بيان مشترك، قالت الولايات المتحدة وألمانيا: إن واشنطن ستبدأ «عمليات نشر متقطعة» للصواريخ في ألمانيا في عام 2026، بما في ذلك تلك التي «أطول مدى بشكل ملحوظ» من تلك المنتشرة حالياً في جميع أنحاء أوروبا.
وقال البيان: إن عمليات النشر الدورية ستكون بمنزلة تحضير «لوضع دائم لهذه القدرات في المستقبل». وفي نهاية المطاف، ستشمل الأسلحة صواريخ SM-6 غير النووية، وصواريخ كروز توماهوك، وأسلحة فرط صوتية قابلة للتطوير، حسب البيان.
وتم الإعلان عن نشر الصواريخ في ألمانيا، خلال قمة حلف شمال الأطلسي في واشنطن، حيث أعلن التحالف أيضاً أن قاعدة دفاع صاروخي أمريكية في بولندا قادرة على اعتراض الصواريخ الباليستية بعد سنوات من التطوير.
ولسنوات، استشهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالبنية التحتية للصواريخ الأمريكية في أوروبا كخطوة «عدوانية» تهدف إلى احتواء قدرات موسكو. وفي نهاية يونيو، قال بوتين في اجتماع مع مسؤولي الأمن: إن روسيا يجب أن تعيد إطلاق إنتاج الصواريخ الأرضية القادرة على حمل رؤوس نووية ذات المدى الأقصر والمتوسط.
وفي حديثه عن قمة الناتو، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، يوم الخميس: إن التوترات «تتصاعد في القارة الأوروبية»، وإن موسكو ترى في نشر البنية التحتية لحلف شمال الأطلسي بالقرب من حدودها «تهديداً خطراً للغاية».
وقال بيسكوف: إن «كل هذا سيتطلب منا اتخاذ ردود مدروسة ومنسقة وفعالة لردع الناتو ومواجهته».
- أزمة الصواريخ الكوبية
في أواخر سبعينيات القرن العشرين، أطلت أزمة اعتبرت واحدة من أشد المواجهات خلال الحرب الباردة، والأزمة التي كانت أقرب ما تكون لشن حرب نووية شاملة.
وبدأت الأزمة في أغسطس 1962 وفي أعقاب عمليات عدة فاشلة للولايات المتحدة لإسقاط النظام الكوبي، شرعت حكومتا كوبا والاتحاد السوفييتي في بناء قواعد سرية لعدد من الصواريخ النووية متوسطة المدى في كوبا، والتي تعطي الإمكانية لضرب معظم أراضي الولايات المتحدة.
ونشر الاتحاد السوفييتي صواريخ باليستية متوسطة المدى محمولة نووياً، تُعرف باسم SS-20s أو Pioneers، على مسافة قريبة من عواصم أوروبا الغربية والمنشآت العسكرية، ما أدى إلى اندلاع أزمة صاروخية في قلب أوروبا.
وردًا على ذلك، وافقت الولايات المتحدة على نشر صواريخ باليستية من طراز Pershing II قادرة على حمل رؤوس نووية في أوروبا الغربية، بالإضافة إلى صواريخ كروز أرضية قادرة على حمل رؤوس نووية، بدءاً من عام 1983، إذا لم يتم تأمين اتفاقية نزع السلاح بحلول ذلك الوقت مع الاتحاد السوفييتي.
وفي غياب أي اتفاق، مضت عمليات النشر قدماً، ما أثار احتجاجات كبيرة واستياء في ألمانيا الغربية، التي كانت في ذلك الوقت على الخطوط الأمامية للحرب الباردة.
ولم تهدأ الأزمة حتى توقيع معاهدة القوى النووية متوسطة المدى عام 1987 من قبل الرئيس رونالد ريجان، والزعيم السوفييتي ميخائيل جورباتشوف. وقد أزال الاتفاق الأسلحة من أوروبا، وحظر الصواريخ النووية والتقليدية التي يتراوح مداها بين 500 و5500 كيلومتر.
وظلت المعاهدة سارية حتى انسحبت منها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2019، متذرعة بانتهاكات من جانب روسيا.
واتهمت الولايات المتحدة موسكو بانتهاك الاتفاق بتطوير صاروخ كروز جديد، وهو 9M729، والمعروف أيضاً باسم SSC-8. وقالت واشنطن: إن الصاروخ يمكن أن يصل إلى مسافات تنتهك الاتفاق، فيما أكدت موسكو أن مدى الصاروخ أقصر ونفت انتهاك الاتفاق.
وجاء إنهاء اتفاقية حقبة الحرب الباردة وسط تدهور العلاقات بين موسكو وواشنطن، في أقوى إشارة على إمكانية تجدد سباق التسلح، بما في ذلك نشر الصواريخ المتنافسة في أوروبا.