يدور جزء كبير من النقاش المتعلق بالانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة حول قضايا تتعلق بالعمر، فالمرشحان المتنافسان يعدان كبيرين في العمر، حيث يبلغ عمر دونالد ترامب 78 عاماً، في حين أن جو بايدن يبلغ من العمر 81 عاماً.
ومعضلة كبر السن التي أفرزتها الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 سلّطت الضوء على سؤال مهم في هذا الصدد وهو:
“ما هو العمر المثالي لتولي الأفراد منصب رئيس دولة أو حتى منصب رئيس مجلس إدارة شركة؟”
هذا السؤال تمت دراسته جيداً من قبل العديد من العلماء على مر السنين، كما يقول الدكتور جون رو، أستاذ السياسة الصحية والشيخوخة في كلية ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا، ليتبين أن الجواب عليه يحمل قدراً كبيراً من التباين، فمن غير السهل أبداً تحديد العمر المثالي ليكون الفرد قائداً وذلك نظراً لعدة عناصر.
وبحسب تقرير أعدته “فورتشن” واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” يكشف الدكتور جون رو، أن الوظائف المعرفية والسلوكية للإنسان تشتمل على مجموعة متنوعة من العناصر، مثل الطلاقة، والذاكرة قصيرة وطويلة المدى، والقدرة على حل المشكلات، والسرعة وغيرها، مشيراً إلى أن الشيخوخة تؤثر بطرق متباينة على هذه الوظائف المختلفة، ولكن من غير الضروري أن يكون تأثيرها بنفس المستوى على جميع كبار السن .
العمر المناسب لتولي مناصب قيادية
ويشرح رو أنه من الناحية المعرفية، فإن جميع الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 40 عاماً هم في الغالب متوافقين مع شروط تولي مناصب قيادية، ولكن عندما نصل إلى سن 80 عاماً، هناك أشخاص جيدون جداً، وأشخاص غير جيدين، لافتاً إلى أنه مع التقدم في العمر، هناك احتمال أكبر للإصابة بالفقدان “غير الطبيعي” للوظائف الإدراكية، مثل أولئك الذين يعانون من الاختلال المعرفي المعتدل والذي يحدث لدى 12 وحتى 18 في المئة من الأشخاص، الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً، ويسبب سلوكيات مثل النسيان ووضع الأشياء في غير موضعها، حيث يمكن أن تزيد الأمور سوءاً مع التقدم في العمر.
ويضيف الدكتور رو أن معدل انتشار الخرف يبلغ حوالي 10 في المئة عند الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً، ليتضاعف هذا المعدل أربع مرات بحلول الثمانينات من العمر، مشدداً على أن الشخص المصاب بالخرف غير مؤهل لقيادة دولة حكماً، في حين أن كبار السن الذي يعانون من تراجع سرعة الأداء والذين عادةً ما يكون اداؤهم أبطأ بمقدار 10 ميلي ثانية فقط من الأصغر سناً، فيمكنهم استلام مناصب قيادية، حيث أن تراجع مستوى الوظائف المعرفية لديهم ليست لها عواقب كبيرة.
الجانب الإيجابي للشيخوخة
وبحسب تقرير “فورتشن” الذي اطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” يقول أيضاً الدكتور جون رو، أستاذ السياسة الصحية والشيخوخة في كلية ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا، إنه لا يمكن استبعاد الحكمة والخبرة التي تأتي مع التقدم في السن، والتي تعد من مزايا الشيخوخة، فهناك جوانب من الذكاء، تتحسن مع التقدم في السن، مشيراً إلى دراستين أجراهما إيجور جروسمان، مدير مختبر الحكمة والثقافة في جامعة واترلو في كندا، وجدتا أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 65 و80 عاماً كانوا أفضل بكثير من حيث الأخذ بوجهات نظر متعددة عند وقوع مشاكل، السماح بالتوصل إلى تسوية، حل النزاعات، حيث أكدت النتائج أنه قد يكون من المستحسن تعيين الأفراد الأكبر سناً لأدوار اجتماعية رئيسية تنطوي على اتخاذ القرارات القانونية، وتقديم المشورة، والمفاوضات بين المجموعات.
هل يجب استبعاد المسنين عن المراكز القيادية؟
يعتقد الدكتور رو أن استبعاد شخص مسنّ عن منصب قيادي هو أمر عادل، إذ أن المؤسسات المختلفة لديها احتياجات قيادية مختلفة، فمن وجهة نظره أنه إذا كان الكبير في السن سليماً من الناحية المعرفية، فمن المتوقع أن يتمتع بمزيد من الاستقرار العاطفي، ومهارات أفضل في حل المشكلات، ومهارات تفاوض أفضل، ولكن رو يعترف أيضاً بأنه لن يعين شخصاً يبلغ من العمر 95 عاماً رئيساً، لأن احتمالية حدوث مشكلات طبية خطيرة تزداد مع تقدم العمر.
الحد الأدنى لعمر رئيس الولايات المتحدة
من جهتها تقول الدكتوراه باتريشيا بويل، أستاذة الطب النفسي والعلوم السلوكية في جامعة راش، وأمينة مؤسسة ماكنايت لأبحاث الدماغ، إن بعض الدراسات أظهرت أن الأشخاص يصلون إلى “الذروة” المعرفية عند سن 35 عاماً تقريباً، وهو الحد الأدنى لسن رؤساء الولايات المتحدة، حيث تستمر “الذروة” المعرفية حتى مرحلة ما، في منتصف الأربعينيات من العمر، مؤكدة أن كل شخص لديه تجربة مختلفة، حيث يمكن أن تتأثر الصحة المعرفية بالوراثة، والنظام الغذائي، وممارسة الرياضة، وضغط الدم، والتواصل مع الآخرين، وهو ما قد يبقي العقول نشطة أو غير نشطة.
مسنّون نجحوا بمراكزهم القيادية
بدورها ترى مادي ديشتوالد، مؤلفة كتاب “الشيخوخة الدائمة” أن الأحاديث الحالية التي تدور حول الرؤساء والعمر، ينظر فيها الناس لما يجري بطريقة قصيرة النظر، فهم يركزون على العمر ويتناسون ما يميز الشخص، فالجميع يعرف أشخاصاً في التسعينيات من العمر ما زالوا يتمتعون بذكاء فائق وحاد للغاية، وبالمثل، نحن نعرف أشخاصاً بلغوا الستينيات من عمرهم وهم يتباطأون كثيراً، مشيرة إلى العديد من الأمثلة الجيدة للقادة الأكبر سناً بما في ذلك وارن بافيت، والبابا فرانسيس، ونيلسون مانديلا، الذي تولى منصبه في سن 75 عاما.
القيادة تعتمد على ناحيتين أساسيتين
ويقول أستاذ الطب في جامعة القديس جاورجيوس بيروت وأخصائي طب العائلة وأمراض الشيخوخة الدكتور إيلي إسطفان، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن القيادة هي صفة أو شخصية أو ناحية من الشخصية، التي تعتبر نوعاً من موهبة والتي يمكن تنميتها من خلال تدريبها، شأنها شأن كل الوظائف حتى الجينية التي تتغير حسب العناصر المحيطة بها، مشيراً إلى أن القيادة تعتمد على ناحيتين أساسيتين، الأولى هي الخبرة والقدرة على التحليل والثقة بالآخرين وفهم شخصيتهم وتحليل الطريق للوصول إلى الهدف، حيث تكون كل هذه الصفات متغيرة نظراً للقدرة على العمل عليها وتطويرها.
وبحسب د. اسطفان فإن الناحية الأساسية الثانية في الشخصية القيادية تعتمد على عوامل داخلية غير قابلة للتغيير، وهي شخصية الإنسان التي ولد فيها والذكاء الحسي والقدرة على استعمال الدماغ بسرعة، وهذه أشياء متوارثة يمكن طبعاً العمل عليها ولكنها تعتبر من الثوابت في تكوين الإنسان، ومع التقدم في العمر تصبح بطيئة بفعل التغييرات النوروبيولوجية والهرمونية والنفسية، وهذا ما يجعل المسنين أقل زخماً وإقداماً من حيث ردات الفعل والسرعة في التحليل والمبادرة والفهم.
وشدد الدكتور إسطفان وهو أخصائي طب العائلة وأمراض الشيخوخة، على أنه مع التقدم في العمر تزداد خبرة الأشخاص وقدرتهم على فهم الأمور والنتائج والأهداف، بطريقة سريعة لا تحتاج الى التحليلات التي يقوم بها الشخص في عمر صغير، إنما من ناحية أخرى ونظراً لتأثر العوامل الداخلية للإنسان بالتقدم في العمر، فمن المستحسن أن يكون الشخص الذي يملك الخبرات والمعرفة، مستشاراً أو ربما رئيس مجلس شيوخ، انما قيادة الدول تستجوب إضافة للخبرة والثقافة والعلم، قدرة جسدية وعقلية على المبادرة السريعة والنشاط الفكري، والاقدام والسرعة في انهاء العمليات الذهنية، وهو ما قد لا يكون متوفراً لدى كبار السن.
3 عوامل تكوّن شخصية القائد
من جهته يقول كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن ليس هناك علاقة مباشرة بين العمر والوصول إلى مراكز قيادية، فالتطرق لهذا الموضوع من هذه الناحية لا يجوز وهو تبسيط للأمور، حيث أن شخصية الفرد هي العنصر الحيوي بهذا الشأن، وأهم من موضوع العمر، مشيراً إلى أن هناك 3 عوامل أساسية تقرر ما اذا كان الشخص قادراً على أن يكون رئيس دولة أو رئيس شركة وهذه العوامل هي:
العامل الأول مرتبط بشخصية الرجل أو المرأة القيادية، فالشخصية القيادة ليست للجميع وهي مرتبطة بمواصفات معينة مثل الاندفاع والقدرة على الحكم، ولذلك نرى أن هناك أشخاصاً يملكون الكفاءة والخبرة والعلم والنشاط، ولكن لا يملكون الشخصية التي تخولهم أن يكونوا قياديين، والعكس صحيح حيث هناك اشخاصٌ لا يملكون الخبرة المستفيضة والعلم الكافي، ولكن لديهم شخصية تخولهم استلام مراكز قيادية.
العامل الثاني مرتبط بالقدرة الجسدية فكي يكون الشخص في مركز قيادي، يجب أن يتمتع بقدرات جسدية كافية وهذا الأمر غير مرتبط بالعمر تحديداً، بل بأسلوب العيش، إذ أن القدرة الجسدية يبدأ الاعداد لها منذ الصغر، من خلال الالتزام بالعدات الصحية والغذائية والرياضية، ولذلك نرى أن الأشخاص الذين يمارسون الرياضة ويبتعدون عن التدخين، ويتناولون الطعام الصحي يتمتعون بصحة وبنية جيدة رغم تقدمهم في العمر، في حين أن الافراط في العادات التي لا تخدم الصحة، من شأنه أن يؤثر على المواصفات القيادية للفرد، ولذلك نرى أن هناك أشخاصاً بعمر متوسط، ولكن لا يملكون المؤهلات الجسدية التي تخوّلهم أن يكونوا في مناصب قيادية.
العامل الثالث مرتبط بالخبرات وهو يعد أيضاً موضوعاً حيوياً، فالفرد لا يمكنه أن يتبوأ مركزاً قيادياً إذا لم يكن يمتلك القدرات الكافية من ناحية الإدارة واتخاذ القرارات، وحل المشاكل، وهذه الخبرات والقدرات تتراكم مع العمر، فالقيادة هي القدرة على اتخاذ القرار وحل المشاكل، ومن يمتلك هذه المواصفات يمكن أن يصل لمركز قيادي مهما كان عمره.
وشدد غبريل على أنه لا يجب اسبتعاد الشخص المسنّ عن رئاسة دولة أو شركة، فالتاريخ يظهر أن هناك مسنين نجحوا بمراكزهم القيادية، في حين أن البعض ممن كانوا بعمر متوسط فشلوا في ذلك.