“ماذا لو بقي جو بايدن؟”.. سؤال طرحه رئيس تحرير صحيفة “فاينانشال تايمز” في الولايات المتحدة، بيتر سبيغل، في مقال له، شدد خلاله على أنه “يتعين على فريق الرئيس الأميركي أن يواجه حقيقة كيف ستبدو فترة الولاية الثانية الآن”.
واستهل الكاتب مقاله، والذي اطلعت عليه سكاي نيوز عربية، بالإشارة إلى أن فترات الرئاسة الثانية نادراً ما كانت ناجحة في تاريخ الرئاسة الأميركية الحديث، فقد تلاشى بريق إعادة انتخاب رونالد ريغان وبيل كلينتون في مواجهة الفضائح ـ فضيحة إيران كونترا بالنسبة لريغان، ومونيكا لوينسكي بالنسبة لكلينتون ـ في حين كان جورج دبليو بوش قد هُزم في حرب العراق التي لا يمكن الفوز بها.
حتى باراك أوباما، الذي لم تلطخ ولايته الثانية لا بالفضائح ولا بالحروب، وجد أنه من المستحيل تقريباً أن يكرر الانتصارات التشريعية التي حققها في ولايته الأولى وسط حرب حزبية هستيرية على نحو متزايد.
وفي تقدير سبيغل، فإن كل هذا ينبغي أن يكون بمثابة قصة تحذيرية لجو بايدن والفريق المحيط به وهم يكافحون بشراسة للاحتفاظ بمكانه على رأس بطاقة الرئاسة الديمقراطية بعد أدائه الكارثي في المناظرة.
وتابع: “حتى لو أخذنا حججهم على محمل الجد – أن الرئيس لا يزال في قمة أدائه ولا يزال بإمكانه هزيمة دونالد ترامب في نوفمبر – فكيف يمكنهم أن يتخيلوا شكل فترة ولاية بايدن الثانية في ضوء أحداث الأسبوعين الماضيين؟”.
لا شك أن أية ثقة تم بناؤها خلال السنوات الأربع الأولى من توليه منصبه قد تضررت الآن بشكل لا يمكن إصلاحه.
فكيف يمكن لأي شخص، سواء كان من الزعماء التشريعيين في الكونغرس أو كبار الشخصيات الأجنبية في العواصم البعيدة، أن يأخذ ما تقوله إدارته على محمل الجد عندما يشعر الكثير منهم بالخيانة بسبب إصرار البيت الأبيض المتكرر على أن رفاهية الرئيس لم تتغير؟
بمجرد فقدان الثقة في شاغل المنصب، تبدأ تلك السمة المراوغة المعروفة باسم رأس المال السياسي في الانهيار. فالرئيس الذي يتولى فترة ولاية ثانية، والذي يكون بحكم التعريف “بطة عرجاء” يعود بالفعل إلى منصبه وقد استنفدت هذه السمة.
والرئيس الذي يُعاد انتخابه في ظل اعتقاد جزء كبير من المؤسسة السياسية والجيوسياسية بأنه ضُلِل بشأن أمر أساسي مثل البراعة العقلية، يبدأ من حفرة أعمق، وفق سبيغل.
وأشار إلى أنه كانت هناك لحظة خلال الضجة التي أعقبت المناظرة في الأسبوعين الماضيين أبرزت هذه النقطة بشكل صارخ. ففي الرابع من يوليو الجاري أجرى بايدن مكالمة هاتفية لمدة 30 دقيقة مع بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يشعر البيت الأبيض بالإحباط منه بشكل متزايد. وقال مسؤول كبير في الإدارة إن الرجلين ناقشا خطة بايدن للسلام المكونة من ثلاث مراحل لحرب إسرائيل في غزة، وأصر على أن “المحادثة كانت مفصلة، وتناولت نص الاتفاق”.
كان من الصعب سماع هذه الكلمات دون التفكير في الأسبوع السابق فقط، عندما بدا الرئيس غير قادر حتى على تذكر المرحلتين الثانية والثالثة من خطته. هل يستطيع نتنياهو – أو أي زعيم عالمي آخر، في هذا الصدد – أن يأخذ بايدن على محمل الجد كوسيط في مثل هذه الأمور المهمة؟
وسوف يزعم المدافعون عن بايدن أن مثل هذه التقييمات غير عادلة، وأن الرئيس يتمتع بسجل مثير للإعجاب في حشد الحلفاء في أوكرانيا والحفاظ على الضغط على نتنياهو. فضلاً عن ذلك، زعم البعض أنه يمتلك فريقاً قوياً لإدارة الأزمات. لكن السياسة رياضة تلامسية، ويتعين على فريقه الآن أن يتعامل مع واقع جديد: فالحلفاء والأعداء على حد سواء سوف يأخذون صحة بايدن في الحسبان حتماً.
وأضاف: “إذا كان الأسبوعان الماضيان مؤشرا على أي شيء، فنحن نعلم بالفعل كيف ستبدو فترة ولاية بايدن الثانية.. أي ظهور علني سوف يخضع لفحص شامل بحثاً عن فجوات في ذاكرة الرئيس. كذلك أي جهد لحمايته من الجمهور أو الصحافة سوف يقابل بردود فعل عنيفة – والتي قد تجبره بعد ذلك على القيام بمزيد من الظهور العام، مما يؤدي حتما إلى إعادة تشغيل القلق بشأن كفاءته في حالة حدوث زلة- وهذا لسياسي كان عرضة للزلات في أفضل الأوقات”.
- سوف تطغى على المبادرات السياسية أسئلة حول من يحرك خيوط الرئيس.
- سوف تصبح الدعوات إلى إجراء اختبارات إدراكية وعصبية منتظمة جزءًا منتظمًا من الخطاب السياسي.
- سوف تكون الفترة الرئاسية الثانية، التي كانت مثقلة بالفعل بالعيوب السياسية التي واجهت أسلاف بايدن، أكثر صعوبة بشكل لا يمكن حسابه بسبب الأسئلة حول سنه.
وهذا هو ما يقاتل من أجله أنصار بايدن. ويبدو أن هذا هو أحد أكثر الكؤوس المسمومة التي تُعرض على سياسي وحاشيته. وربما يكونون على حق في أن ديماغوجية ترامب وعدم شعبيته ستقنع الناخبين بدعم بايدن بغض النظر عن الشكوك حول سنه. ولكن هل هذه حقا الرئاسة التي أرادوها؟ ألا ينبغي لهم أن يسألوا أنفسهم هذا السؤال بالذات قبل أن يواصلوا حملتهم؟
لا تغيرات
المستشار السابق بوزارة الخارجية الأميركية، حازم الغبرا، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن الأسواق تتوقع فوز ترامب، وكذلك استطلاعات الرأي المختلفة تصب في مصلحة الرئيس الأميركي السابق، ولكن إذا بقى بايدن، وبالنظر إلى الملفات الاقتصادية “لا أعتقد بأنه ستكون هناك تغيرات كبرى (عن نهجه في الفترة الرئاسية الأولى”.
ويضيف: قد نرى ضرائب جديدة تفرض أو رفع معدلات ضريبية أو استهداف لقطاعات معينة ضريبياً..فكما نعرف أن النهج الديمقراطي ونهج اليسار الأميركي رفع الضرائب لسد عجز الدولة.. ولن نرى أي إصلاحات في الدولة لخفض الإنفاق الحكومي.
أما فيما يخص التضخم، يقول: “لا أعتقد بأن السياسات ستتغير بشكل عام، ولكن سنرى خفضاً محدوداً جداً لقيمة الفائدة من جانب الفيدرالي الأميركي هذا العام، ولكن ليس بأرقام أو قفزات هائلة.. التضخم مشكلة عالمية وليست أميركية، وهذا البعد العالمي من الصعب السيطرة عليه في دولة دون الأخرى”.
ويتابع الغبرا: “أعتقد بأن هناك تحديات كبيرة أمام بايدن (حال فوزه بفترة رئاسية جديدة) أو أي رئيس آخر يأتي لإعادة الإنتاج الأميركي بشكل خاص؛ فالولايات المتحدة لا تنتج.. وهذه مشكلة غير مقبولة منطقيا، فالتكنولوجيا الأميركية تعتمد على الصين.. وبالتالي يجب أن يكون هناك حلول لرفع وإعادة الهيكلة الأميركية الصناعية”. ومن بين الملفات الأكثر إلحاحاً، ما يتعلق بمشكلة “الطاقة النظيفة”، وفق الغبرا.
فقدان الثقة
ويواجه الرئيس جو بايدن دعوات متزايدة من داخل حزبه الديمقراطي لعدم الترشح لفترة رئاسية ثانية، وذلك بعد الأداء المخيب للآمال في المناظرة الرئاسية الأخيرة التي جمعته مع منافسه دونالد ترامب. هذه الدعوات تعكس القلق المتزايد بين أعضاء الحزب من إمكانية فوز ترامب في الانتخابات المقبلة إذا استمر بايدن كمرشح.
الأداء الضعيف لبايدن في المناظرة زاد من الشكوك حول قدرته على التصدي لتحديات الانتخابات ومواجهة حملة ترامب القوية والموجهة.
تحديات كبيرة تنتظر بايدن حال استمراره في السباق الرئاسي. حتى لو تمكن من الفوز في الانتخابات، فإن الرئاسة ستكون محفوفة بالصعوبات. من أبرز تلك التحديات تراجع الثقة في قيادته، سواء داخل الحزب أو بين الناخبين.
هذا التراجع يعكس شكوكاً حقيقية حول قدرته على قيادة البلاد في فترة تتسم بالتحديات الكبيرة على المستوى الداخلي والخارجي. ومن ثم ستكون هناك حاجة ملحة لإعادة بناء الثقة وترميم الجسور مع القاعدة الشعبية والحزبية.
- تراجع الثقة في بايدن يمثل تحدياً كبيراً، خاصة في ظل التساؤلات المتزايدة حول كيفية تعامله مع الملفات الاقتصادية الأكثر إلحاحاً.
- الاقتصاد يعد من القضايا الرئيسية التي تشغل بال الناخبين، وأي تردد أو ضعف في هذا المجال يمكن أن يكون له تأثير سلبي كبير على فرصه في الانتخابات.
- يتعين على بايدن تقديم رؤية واضحة ومقنعة لكيفية التعامل مع التحديات الاقتصادية الراهنة، بما في ذلك التضخم والبطالة والنمو الاقتصادي.
أهم الملفات الأساسية
في السياق، تثار تساؤلات بشأن تعامل بايدن في الملفات الأكثر إلحاحاً والتحديات التي تفرض نفسها على المشهد في الولايات المتحدة، لا سيما الاقتصادية، حال فوزه بفترة رئاسية ثانية، ومدى تأثرها بكل تلك الإشكالات التي استعرضها المقال المذكور.
من واشنطن، يقول الباحث والمحلل مهدي عفيفي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه: “في حالة بقاء بايدن (وعدم انسحابه من السباق الانتخابي رضوخاً للضغوطات التي تمارس عليه للانسحاب) فإن ثمة ملفات تأتي في الصدارة سيقوم الحزب الديمقراطي بالتركيز عليها، لا سيما الملفات الاقتصاديه الأساسية، وأهمها خفض عجز الميزانية، وملف سقف الدين، علاوة على ملف الضرائب على الأغنياء والشركات لسد الفجوة، كذلك هناك أيضا مسألة رفع الحد الأدنى للأجور في أماكن كثيرة في الحكومة الفيدرالية”.
وتابع: “من المهم أيضاً الاستمرار في خفض التضخم ومجابهة أية تحديات في هذا السياق، لا سيما وأنه بالفعل تم خفض معدل التضخم بشكل كبير خلال فترة بايدن (لكنه لم يصل بعد إلى الحد المستهدف عند 2 بالمئة).. وهناك أيضا ملف تخفيض الضرائب على العائلات الفقيرة والمتوسطة ودعم الخدمات الاجتماعية”.
ويضيف: “من المهم التركيز على القضايا الأخرى كملف الإجهاض المثير للجدل”. وذلك ضمن الملفات الأساسية بالنسبة للمواطن الأميركي والتي يتعين أن تأتي على رأس أولويات الرئيس بايدن حال فوزه بفترة رئاسية جديدة، وتشكل بعضها تحديات واختبارات قوية في تلك الفترة.
نجاح بايدن في التعامل مع تلك الملفات يعني مخالفة المعهود عن “الفترة الرئاسية الثانية”، أما سقوطه في فخ تلك الإشكالات وعدم التعامل معها بشكل مقنع فإن ذلك يعني استمرار الأداء الباهت للرؤساء في الولاية الثانية.