تجذب الروبوتات البشرية المدعومة بالذكاء الاصطناعي الاهتمام بشكل متزايد، ففي ظل التطور السريع الذي يشهده عالم التكنولوجيا، أصبحت هذه الروبوتات واحدا من أبرز الابتكارات التي يلجأ إليها العديد من القطاعات الحيوية، وهذا ما يُفسر قيام شركات التكنولوجيا الكبرى مثل أمازون، وغوغل، وإنفيديا، وتيسلا، ومايكروسوفت بضخ استثمارات بمليارات الدولارات لتطوير هذه الفئة من الروبوتات.
ومن المتوقع أن تنمو سوق الروبوتات البشرية لتبلغ 38 مليار دولار أميركي في العشرين عاماً المقبلة، وفقاً لتحليل أجراه بنك غولدمان ساكس، الذي يقول أيضاً إن الروبوتات البشرية قد تكون حيوية، في عالم التصنيع والأعمال الخطيرة، كما أنها ستساعد في رعاية المسنين وسد النقص في عمالة المصانع، حيث تشير تقديرات غولدمان ساكس إلى أن هناك نقصاً قدره 500 ألف شخص في العمالة في مجال التصنيع، ومن المتوقع أن ينمو هذا النقص إلى مليوني عامل بحلول عام 2030.
الجهاز “الضروري” التالي
وبحسب تقرير أعدته “CNBC” واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، فإن الرئيس التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك، كان من بين المبشرين الرائدين بهذه الروبوتات، حيث تراهن تسلا على روبوتها أوبتيموس، خصوصاً أن الشركة تتوقع أن تكون هذه الروبوتات هي الجهاز “الضروري” التالي بالنسبة للمستهلكين، وليس الهواتف الذكية أو السيارات الكهربائية.
وخلال الكشف عن أرباح تسلا للربع الأول من 2024، قال ماسك إن روبوت أوبتيموس يمكن أن يرفع القيمة السوقية للشركة إلى 25 تريليون دولار، بدوره كشف الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة Apptronik أن تشغيل الروبوتات البشرية بدأ في ما يمكن تسميته بالمهام المملة والقذرة والخطيرة، وهي المهام التي تعاني نقصا كبيرا في العمالة اليوم، إذ لا يوجد أشخاص يرغبون في القيام بهذا العمل.
تاريخ الروبوتات البشرية
والروبوتات الشبيهة بالبشر التي تقف عادةً على قدمين والمصممة لأداء المهام المخصصة للبشر موجودة منذ عقود، ولكنها شهدت وستشهد قفزات نوعية من حيث قدراتها، بفضل ظهور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث ستتمكن الروبوتات بفضل هذه التكنولوجيا من تفسير اللغة والأوامر، واتخاذ القرارات بشأن كيفية التصرف، فالآلات الروبوتية ستستخدم الرؤية الحاسوبية كي تتدرب وتتصرف مثل البشر، في سيناريوهات العالم الحقيقي.
ويقول هنريك كريستنسن، أستاذ علوم الكمبيوتر والهندسة في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، في تقرير “CNBC” الذي اطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن الروبوتات هي المكان الذي يلتقي فيه الذكاء الاصطناعي بالواقع، وهذا ما سيؤدي إلى رؤيتنا لأمور لم يكن بوسعنا أن نتخيلها قبل خمس سنوات من الآن.
الدولة المهيمنة على صناعة الروبوتات
وفي الوقت الحالي، يتم استخدام الروبوتات البشرية في المستودعات، لكن المؤيدين لها يتوقعون أن تنتشر في المنازل والمكاتب، حيث تعد الصين الدولة المهيمنة على هذه الصناعة، فهي أكبر دولة في العالم في تركيب الروبوتات الصناعية، وتمثل الآن أكثر من نصف الإجمالي العالمي من حجم هذه الصناعة، وفقاً لتقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي الصادر عن جامعة ستانفورد.
ورغم الاستثمارات الكبيرة التي تقوم بها الشركات التكنولوجية لتطوير صناعة الروبوتات البشرية، فإن هذه الصناعة لا تزال تواجه حواجز تتعلق بالسلامة، فالتبني الجماعي للآلات الروبوتية الذكية ستنتج عنه مخاوف أمنية تتعلق بمدى قدرة البشر على السيطرة عليها، حيث سيتعين على العالم الانتظار بضع سنوات للتأكد من هذا الأمر، وسد الثغرات التي يمكن أن يستغلها البعض لجعل الآلة تتفوق على البشر.
آلة معقدة شبيهة بالبشر
ويقول رئيس شركة “تكنولوجيا” مازن دكاش في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الروبوتات البشرية هي آلات اصطناعية معقدة مصحوبة بأحدث التطورات التكنولوجية في مجال الحركة والذكاء الاصطناعي، وبسبب شكلها الشبيه بالإنسان، يمكن لهذه الروبوتات أن تعمل تقريباً في نفس البيئة التي يعمل فيها البشر، مشيراً إلى أن الروبوتات البشرية تأتي اليوم بأشكال وأحجام مختلفة، وتستخدم على نطاق واسع في قطاعات البحث واستكشاف الفضاء، والمساعدة الشخصية، والتعليم والترفيه، وعمليات البحث والإنقاذ، والتصنيع والصيانة، والعلاقات العامة، والأهم من ذلك في قطاع الرعاية الصحية.
عوامل نمو صناعة الروبوتات
وبحسب دكاش فإن الروبوتات البشرية تستعد لتحقيق نمو كبير في عام 2024، حيث ستكثف الشركات التكنولوجية إنتاجها لهذه الآلات، وسط منافسة شديدة لتسويقها، مستفيدة من التضاؤل المستمر لأعداد القوى العاملة، حيث تواجه الصناعات المختلفة نقصاً مستمراً في أعداد الموظفين وضغوطاً على سلسلة التوريد، ولذلك فإن الوعد بأن تكون الروبوتات البشرية بديلاً أكثر كفاءة يثير بالفعل اهتمام شركات مثل أمازون، وغوغل، وإنفيديا، وتيسلا، ومايكروسوفت ويدفعها إلى ضخ استثمارات بمليارات الدولارات لتطوير هذا النوع من الروبوتات.
ويكشف دكاش أن العديد من الروبوتات البشرية المدعومة بالذكاء الاصطناعي الجديد، أي الذكاء الاصطناعي التوليدي، لا تزال في مرحلة مبكرة من التطوير، في حين أن الجيل الأقدم من الروبوتات البشرية، دخل العالم الحقيقي في السنوات القليلة الماضية، وبات موجوداً في المستودعات لمساعدة البشر في مجال الخدمات اللوجستية والتصنيع، مشيراً إلى أن التوقعات تشير إلى أن قيمة سوق الروبوتات البشرية سترتفع إلى أكثر من 13 مليار دولار أميركي خلال السنوات الأربع المقبلة، حيث سيتم تعزيز هذا النمو بواسطة الطلب على الروبوتات المتقدمة، التي تتمتع بقدرات أكبر في مجال الذكاء الاصطناعي وميزات شبيهة بالبشر، ما يتيح لها تولي المزيد من المهمات في صناعة الخدمات والتعليم والرعاية الصحية.
لا تملك إمكانات الإنسان
ووفقاً لـ دكاش فإنه رغم الاستثمارات التي تقوم بها الشركات التكنولوجية لتطوير الروبوتات البشرية، إلا أن هذه الآلات تواجه معارضة وتشكيكاً كبيريْن، من قبل فئة من المراقبين الذين يرون أن تصاميمها لا تمنحها القدرة على التفاعل والتحرك مثل الإنسان، فما يميز الجسم البشري هو تعقيداته وقدرته على التكيّف ببراعة ومرونة. فجميع هذه العناصر، إضافة إلى الذكاء العاطفي الذي يملكه الإنسان، ستكون في الغالب غير موجودة لدى الروبوتات البشرية، ما يعني أن هذه الروبوتات لن تكون الحل السحري لتحل محل البشر كما تدَّعي الشركات.
سبب الرهان على الروبوتات البشرية
من جهته يقول المطور التكنولوجي جو زغبي في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الروبوتات البشرية تعتبر استثماراً جيداً للشركات التي تسعى لتحسين كفاءة وجودة منتجاتها، وهي تشكل جزءاً مهماً من التحول نحو الصناعة الرقمية والذكية، في العديد من القطاعات الإنتاجية، مشيراً إلى أن رهان الشركات على الروبوتات البشرية مردّه إلى قدرتها على تحسين الإنتاجية وزيادة الكفاءة، والعمل بشكل متواصل دون الحاجة إلى استراحات طويلة أو إجازات، إضافة إلى تكاليفها المنخفضة على المدى الطويل، وقدرتها على تقليل الأخطاء البشرية والعمل في بيئات خطرة أو غير صالحة للإنسان.
أضرار تفوق الفوائد
ويرى زغبي أنه قبل أن تتمكن الشركات من إطلاق العنان لروبوتاتها البشرية بالكامل، يجب اختبار قدرتها على العمل بأمان والتعاون مع نظرائها من البشر، في أرضيات المصانع والمستودعات وأماكن أخرى، حيث إنه من غير الواضح بعد، مدى نجاح الروبوتات البشرية في الاندماج في المجتمع، ومدى قبول البشر لها، لافتاً إلى أن بعض الناس سوف يرون أن انتشار هذه الروبوتات أمر مخيف وخطير، ويخلق منافسة غير شرعية في سوق العمل، ولذلك فإن الأضرار المحتملة جراء انتشار هذه الآلات، قد يفوق فوائدها المحتملة مثل زيادة الكفاءة وخفض الكلفة.