ثمة مجموعة من العوامل التي يبدو معها مستقبل العملات المشفرة واعداً؛ لا سيما بعد الخطوات التنظيمية المتتابعة، ومن بينها إطلاق صناديق متداولة بالبتكوين والإيثريوم، مما قد يعزز بدوره من شرعية هذه العملات ويسهل على المستثمرين التقليديين الوصول إليها.
إضافة إلى ذلك، تزايد احتمالات فوز دونالد ترامب في انتخابات نوفمبر يعتبر عاملاً إيجابياً، إذ يُعرف بدعمه أخيراً للعملات المشفرة (رغم موقفه المناوئ لها إبان فترة رئاسته).
كما أن الظروف الاقتصادية الحالية، بما في ذلك التوقعات بخفض أسعار الفائدة، قد تعزز شهية المخاطرة بين المستثمرين، وبما يزيد من جاذبية العملات المشفرة كأصول استثمارية.
رغم هذه العوامل الإيجابية، تتعين الإشارة إلى أن العملات المشفرة تتميز بتقلبات شديدة.
فهذه التقلبات تجعلها مختلفة تماماً عن الأصول المالية التقليدية، مثل الأسهم، التي يمكن تحليلها باستخدام معايير التحليل المالي والفني المعروفة. بينما في حالة العملات المشفرة، يتطلب التنبؤ بأدائها ومستوياتها في السوق مقاربة مختلفة، تأخذ بعين الاعتبار العوامل التقنية والتنظيمية والعرض والطلب الفريدين لهذه الأصول.
وعلاوة على ذلك، التكنولوجيا التي تقوم عليها العملات المشفرة تتطور باستمرار، مما قد يؤدي إلى تغييرات كبيرة في السوق. هذه التكنولوجيا، مثل تقنية البلوكشين، تعد بتقديم حلول جديدة ومبتكرة في عديد من القطاعات، مما يزيد من جاذبية العملات المشفرة. كما أن الابتكارات في هذا المجال قد تؤدي إلى تحسين الأمان والشفافية، مما يعزز ثقة المستثمرين فيها.
ومع ذلك، هناك تحديات كبيرة تواجه العملات المشفرة، بما في ذلك التنظيم الحكومي والمخاوف الأمنية.
فالحكومات حول العالم تتجه نحو تنظيم هذه الأصول بشكل أكثر صرامة، مما قد يحد من انتشارها أو يؤثر على أسعارها. بالإضافة إلى ذلك، القضايا الأمنية مثل الاختراقات والاحتيال لا تزال تشكل تهديدًا كبيرًا لهذه السوق.
مستقبل العملات المشفرة
مستقبل العملات المشفرة يعتمد على كيفية تفاعل هذه العوامل المختلفة.
وإذا استطاعت العملات المشفرة تجاوز التحديات وتحقيق التكامل مع الأنظمة المالية التقليدية، فإنها قد تصبح جزءًا لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي.
ومع ذلك، يجب على المستثمرين أن يكونوا حذرين وأن يدركوا أن هذه الأصول تحمل مستوى عالٍ من المخاطر والتقلبات.
وبحسب تقرير لـ “إيكونوميك تايمز”، فلم تعد العملات المشفرة من الأصول الهامشية؛ بل إنها تكتسب شرعية سائدة، مدفوعة بالمشاركة المؤسسية المتزايدة. وكان إطلاق صناديق الاستثمار المتداولة الخاصة بعملتي بيتكوين وإيثريوم ، بما في ذلك تلك التي أطلقتها شركات مالية عملاقة مثل بلاك روك، بمثابة نقطة تحول.
تجتذب هذه الصناديق المتداولة في البورصات التقليدية في الولايات المتحدة ودول أخرى، رؤوس أموال كبيرة وتوفر مستوى جديداً من المصداقية لفئة الأصول المشفرة.
عوامل دعم
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي، مازن أرشيد، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- في حال فوز ترامب في الانتخابات الأميركية، فمن المتوقع أن يزيد الطلب على البتكوين والعملات المشفرة الأخرى إذا تبنت إدارة ترامب سياسات مواتية لهذه الأصول الرقمية.
- يمكن أن تقوم الإدارة بتخفيف القيود التنظيمية، مما يسمح بتداول أسهل وأوسع نطاقاً لهذه العملات.
- في الوقت الحالي، القيمة السوقية للبتكوين تجاوزت. 1.25 تريليون دولار، وتشير التوقعات إلى إمكانية وصولها إلى أعلى من ذلك إذا استمرت في جذب الاستثمارات من المؤسسات الكبرى مثل تيسلا ومايكروستراتيجي التي استثمرت مئات الملايين في البتكوين.
ويضيف: “قد نشهد زيادة في قبول البتكوين كوسيلة دفع مع مزيد من الشركات التي تتبنى هذه العملة.. فيزا وماستركارد بدأتا بالفعل في دمج بعض التعاملات بالعملات المشفرة في أنظمتهما، مما يسهل على المستهلكين استخدامها في عمليات الشراء اليومية”.
هذا التوسع في القبول -في تقدير أرشيد- يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع كبير في قيمة البتكوين، موضحاً أن معاملات البتكوين اليومية تجاوزت 300,000 معاملة، وهو رقم مرشح للزيادة بشكل كبير إذا توسع نطاق القبول.
وقد تشهد السوق أيضاً دعماً إضافياً من السياسات التجارية للولايات المتحدة تحت قيادة ترامب، حيث من الممكن أن تكون هناك تسهيلات إضافية للمستثمرين الأجانب في العملات المشفرة.
ويستطرد: “الدول مثل السلفادور بدأت بالفعل في تبني البتكوين كعملة رسمية، وهذا يمكن أن يكون مثالًا يحتذى به للدول الأخرى في حالة وجود دعم قوي من أكبر اقتصاد في العالم”.
وكان بنك ستاندرد تشارترد، قد توقع وصول سعر البتكوين إلى 100 ألف دولار مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، ثم الارتفاع إلى 150 ألف دولار بنهاية 2024 في حال فوز دونالد ترامب.
تأثير ترامب
وإلى ذلك، يلفت كبير الاقتصاديين في شركة ACY في أستراليا، نضال الشعار، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى التصريحات السابقة التي أدلى بها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قبيل أسابيع خلال حملته الانتخابية، والتي أكد فيها حرفياً على أنه سيكون “رئيس العملات المشفرة”، وهذا الأمر “يعتبر تغييراً واضحاً في مواقفه تجاه هذه الصناعة، ذلك أنه عندما كان رئيساً قدم آراءً سلبية فيما يخص العملات المشفرة بشكل عام”.
ويضيف: “في العام 2016 صرح ترامب بأنه ليس معجباً بالبتكوين والعملات المشفرة الأخرى، وبين أنها ليست نقوداً وأن قيمها متقلبة بشكل كبير وهي لا تستند إلا على الهواء، الذي أطلق عليه بالانجليزيه thin air”.
وحالياً اعترف أخيراً بأن إدارته كانت حذرة تجاه الأصول الرقمية بشكل عام، ولكنه الآن يرى الإمكانات الواعدة لهذه الأصول وآلياتها والتي قد تشكل برأيه اليوم ثورة في عالم المال وسلاسل التوريد.
ويستطرد الشعار:
- تمثل هذه المواقف الواضحة والجديدة نقطة تحول سيكون لها تأثير كبير على العملات المشفرة في حال فوز ترامب بالرئاسة، لأنه يستطيع كرئيس دولة أن يخلق بيئة صديقة لهذه التكنولوجيا والأصول الرقمية بشكل عام، وذلك من حيث قدرته على التأثير على السياسات الحكومية بهذا الشأن.. والأهم من ذلك هو التأثير على الرأي العام، وبشكل خاص على داعميه ومناصريه.
- ترامب رجل أعمال ناجح ويتميز بالبرغماتية، بشكل خاص يُلاحظ انتباهه إلى أهميه العملات الرقمية أخيراً خصوصا بعد أن قامت هيئة البورصات والأوراق المالية الأميركية بالقبول بإدراج البتكوين كأصل داعم للصناديق القابله للتداول، وهذا له أثر في تغيير رأيه.
- موقف ترامب -والذي تتأكد احتمالات فوزه كل يوم- سيكون موقفاً إيجابياً تجاه العملات الرقمية بشكل عام، وبشكل خاص صناعة سلاسل الكتل، ولن يستطيع أن يغير رأيه في المستقبل بعد كل هذا الدعم الكبير وتصريحاته الواضحة دون أي التباس.
أرقام قياسية منتظرة
رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- البتكوين التي كانت قد لامست مستوى الـ 51 ألفاً، عادت لتتجاوز مستوى الـ 60 ألفاً (مع تزايد احتمالات فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة).
- منذ حوالي شهر ونصف بدأت حملة ترامب بقبول تبرعات بالعملات المشفرة، وكانوا يقولون إن هناك 50 مليون مواطن أميركي يمتلكون عملات مشفرة “وسنكون موطن لهذه العملات المشفرة في أميركا”.. نعرف مدى تحيز وتأثر ترامب للعملات المشفرة في الفترة الأخيرة.
تشكل تلك العوامل دعماً للعملات المشفرة. فيما يشير يرق في الوقت نفسه إلى تأثير التطورات التي شهدتها تلك العملات، والمرتبطة بالموافقة على صناديق الاستثمار المتداولة بها، ضمن عوامل الدعم الرئيسية. ويقول: “أصبحت هناك بيئة مقبولة، وأصبحت مقوننة بشكل أكبر”.
ويشار إلى أن الولايات المتحدة تاريخياً اتخذت موقفاً مناهضاً للعملات المشفرة، لكن المشرعين في الآونة الأخيرة أثاروا تساؤلات حول المدة التي يمكن أو ينبغي أن يستمر فيها هذا الموقف، بحسب تقرير لشبكة “سي إن بي سي” الأميركية.
ويشير في الوقت نفسه إلى أنه بعد عملية محاولة الاغتيال التي تعرض إليها ترامب “رأينا أيضاً بعض رجال الأعمال يتبرعون للحملة بالعملات المشفرة.. وكل هذه عوامل ودوافع لتلك العملات المشفرة، وكلما تقدمت الانتخابات ورأينا فرص الرئيس ترامب تتزايد تستطيع هذه العملات المشفرة اختراق أرقام قياسية جديدة وقفزات إضافية”.
خمسة عوامل أساسية
وحدد تقرير نشرته SFC، العوامل المؤثرة على تقلب أسعار العملات المشفرة، في خمسة عوامل رئيسية، وهي:
- معنويات السوق والمضاربة: إن أحد العوامل الرئيسية وراء تقلب أسعار العملات المشفرة هو معنويات السوق والمضاربة. فعلى عكس الأصول التقليدية، تفتقر العملات المشفرة إلى القيمة الجوهرية وغالباً ما يتم تداولها بناءً على الإمكانات المستقبلية المتصورة.
- البيئة التنظيمية: تلعب البيئة التنظيمية دوراً محورياً في التأثير على أسعار العملات المشفرة. إذ تعمل العملات المشفرة في مساحة غير منظمة إلى حد كبير، مما يجعلها عرضة للتغييرات التنظيمية المفاجئة.
- سيولة السوق: تشير سيولة السوق إلى السهولة التي يمكن بها شراء أو بيع أحد الأصول دون التأثير على سعره.
- التطورات التكنولوجية: يمكن أن تؤثر التطورات والابتكارات التكنولوجية في مجال العملات المشفرة أيضاً على تقلب الأسعار. إذ يمكن أن يؤثر إصدار ميزات جديدة أو ترقيات أو اكتشاف ثغرات أمنية على معنويات المستثمرين.
- العوامل الاقتصادية الكلية: يمكن أن تتأثر العملات المشفرة بعوامل مثل العوامل الاقتصادية الكلية وغيرها من الظروف السائدة في السوق المالية.