دفع خروج الرئيس الأميركي، جو بايدن، من السباق الرئاسي وتحركه لتأييد نائبة الرئيس كامالا هاريس كمرشحة للحزب الديمقراطي، المستثمرين والاقتصاديين إلى إعادة تقييم تأثير تلك التطورات على كل شيء بدءاً من سوق الأوراق المالية وحتى ما يسمى “تجارة ترامب”.
حتى الآن، تتعامل الأسواق الأميركية مع إعلان بايدن بترك الحملة بشكل طبيعي، حيث ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 وناسداك (الذي يركز على التكنولوجيا) بنهاية تعاملات يوم الاثنين (أولى جلسات الأسبوع، وأول يوم تداول بعد انسحاب بايدن).
ويرجع ذلك جزئياً إلى أن وول ستريت كانت قد وضعت بالفعل في الحسبان احتمال تنحي بايدن، بحسب تقرير لشبكة “سي بي إس” الأميركية، أشار إلى أنه “في الأمد القريب، يحذر المستثمرون من أنه قد يكون هناك المزيد من التقلبات في الأسواق الأميركية، خاصة إذا اشتد السباق مع وجود مرشح ديمقراطي جديد”.
قبل قرار بايدن يوم الأحد، اكتسب الرئيس السابق ترامب أفضلية في استطلاعات الرأي، مما ضمن له أكبر تقدم على مستوى البلاد على بايدن في الحملة حتى تلك النقطة.
ساعدت هذه الرياح المواتية في إشعال شرارة تجارة أو تداول ترامب، والتي تصف استراتيجية للاستثمار في الأصول والأسهم التي يعتقد المستثمرون بأنها قد تحقق أرباحاً في ظل البيت الأبيض الجمهوري، بدءاً من الأسهم المرتبطة بالكريبتو والعملات المشفرة إلى أسهم الطاقة.
لكن الآن، تقوم وول ستريت بتقييم المشهد الجديد وفحص السياسات الاقتصادية ووجهات نظر هاريس، التي اكتسبت دعماً من الديمقراطيين البارزين لتحل محل بايدن على رأس القائمة.
ويعتقد المستثمرون بأن المرشح الرئاسي الديمقراطي الجديد قد يؤدي في النهاية إلى سباق أكثر صرامة مما كان متوقعاً قبل قرار بايدن، الأمر الذي قد يؤدي إلى المزيد من التقلبات في الأسواق الأميركية حيث يحاول المستثمرون قياس الحزب – وسياساته الاقتصادية – الذي سيفوز في نوفمبر.
سياسة أقل تنبؤاً خلال الـ 3 أشهر المقبلة
ونقلت الشبكة عن المؤسس المشارك وكبير خبراء الاقتصاد في شركة الاستشارات الاستثمارية جافيكال،أناتول كاليتسكي، قوله في مذكرة بحثية:
- “ستكون السياسة الأميركية أقل قابلية للتنبؤ على الأقل خلال الأشهر الثلاثة المقبلة مقارنة بما توقعه المستثمرون”.
- “من المؤكد أن هذا الغموض المتزايد سيكون له تأثير هبوطي على معظم الأصول (..) وخاصة تلك التي يتم تسعيرها مع تقييمات تفترض القدرة على التنبؤ في عالم حيث يجب أن نتوقع ما هو غير متوقع”.
وبعبارة أخرى، يحذر بعض المستثمرين من أن مؤشر ستاندرد آند بورز 500، الذي ارتفع بنسبة 22 بالمئة في الأشهر الـ 12 الماضية، قد يواجه ضغوطاً هبوطية بسبب عدم القدرة على التنبؤ بالسباق الرئاسي.
وفي هذا السياق، أشارت جينا بولفين، رئيسة مجموعة بولفين لإدارة الثروات، في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى أن “تنحي بايدن يمثل مستوى جديداً تماماً من عدم اليقين السياسي.. وقد يكون هذا هو المحفز لتقلبات السوق التي طال انتظارها، وفق تقرير الشبكة الأميركية.
لماذا تجاهلت “وول ستريت” الحدث في جلسة مستهل تعاملات الأسبوع؟
ومع ذلك، فإن تجاهل وول ستريت يوم الاثنين يؤكد أن المستثمرين يعتمدون عادة على البيانات الاقتصادية الرئيسية – مثل تقارير التضخم وأرباح الشركات – في تحديد مكان وتوقيت الاستثمار، بدلاً من السباقات السياسية.
وفقاً لعديد من المقاييس، من المتوقع أن يظل الاقتصاد الأميركي قوياً في عام 2024، حيث توقع غولدمان ساكس يوم الأحد نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.5 بالمئة في النصف الثاني من عام 2024، الأمر الذي من شأنه أن يضع الولايات المتحدة على المسار الصحيح لمضاهاة نمو العام 2023.
ومن المتوقع على نطاق واسع أيضاً أن يبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة في اجتماعه في سبتمبر، وهي خطوة قد تساعد في تخفيف تكاليف الاقتراض بالنسبة لمشتري المنازل والشركات، مما قد يحفز الاستثمار والإنفاق أيضاً.
وفي السياق، نقلت شبكة “سي بي إس” الأميركية، عن كبيرة مسؤولي الاستثمار في الأميركتين في إدارة الثروات العالمية في يو بي إس، سوليتا مارسيلي، قولها في رسالة بالبريد الإلكتروني: “يتعين على المستثمرين أن يتذكروا أن النتائج السياسية في الولايات المتحدة بعيدة كل البعد عن كونها المحرك الأكبر لعائدات الأسواق المالية، أو حتى أداء القطاع.. تظل البيانات الاقتصادية وتوقعات خفض أسعار الفائدة من قِبَل بنك الاحتياطي الفيدرالي على نفس القدر من الأهمية على الأقل”.
تجارة ترامب
ومن المؤكد أن عديد من المستثمرين المؤسسيين ما زالوا يمنحون ترامب الفرصة، بغض النظر عما إذا كان سيترشح ضد هاريس أو منافس ديمقراطي آخر.
وقد أدت الاحتمالات الجديدة إلى تحويل تركيز بعض المستثمرين بعيدًا عن تجارة ترامب، والتي يبدو أنها تتلاشى في أعقاب قرار بايدن. على سبيل المثال، مع اعتبار ترامب مؤيدًا للعملات المشفرة، ارتفعت عملة البيتكوين بأكثر من 50 بالمئة هذا العام حتى الآن. ولكن خلال تعاملات يوم الاثنين، انخفضت أسعار البيتكوين بنسبة 1.5 بالمئة، كما خسرت العملات المشفرة الأخرى أيضاً.
ما هي آراء هاريس الاقتصادية؟
وتركز وول ستريت أيضاً على آراء هاريس الاقتصادية، وتقييم ما قد يعنيه ترشحها وفوزها المحتمل بالبيت الأبيض للاقتصاد والأسواق الأميركية.
وقال خبراء الاقتصاد إنها من المرجح أن تستمر في سياسات بايدن، بما في ذلك تركيزه على معالجة تغير المناخ والتدقيق في الممارسات المناهضة للمنافسة من قبل الشركات الكبرى.
وفي تقرير بحثي صدر يوم الاثنين، ذكر إسحاق بولتانسكي من BTIG أن أحد المجالات الرئيسية التي يختلف فيها بايدن وهاريس هي السياسة التجارية.
ما الذي ينتظر “وول ستريت”؟
يقول خبير الشؤون الاقتصادية، مازن أرشيد، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- من الآن وحتى الخامس من نوفمبر، يمكن توقع أن تشهد الأسواق المالية والأصول المختلفة مستويات مرتفعة من التقلبات؛ نتيجة للتطورات السياسية والاقتصادية المرتبطة بالانتخابات الأميركية.
- الأسواق عادةً ما تكون حساسة للغاية للتغيرات السياسية الكبيرة، والانتخابات الرئاسية تعتبر حدثاً رئيسياً يمكن أن يعيد تشكيل السياسة الاقتصادية للبلاد بشكل كبير.
- في سياق هذا العام، وبالأخص مع الإعلان المفاجئ عن تنحي الرئيس جو بايدن من الترشح لولاية ثانية، يُمكن أن يكون لهذا الحدث تأثير كبير على الأسواق.
ويضيف: من المتوقع أن تتفاعل وول ستريت بشكل ديناميكي مع الأخبار والتطورات الانتخابية. فتاريخياً، تُظهر الأسواق ميلاً نحو التقلب خلال فترة الانتخابات الرئاسية. فعلى سبيل المثال، في انتخابات 2016، شهد مؤشر S&P 500 تقلبات كبيرة مع صعود وهبوط يومي بنسبة تصل إلى 2 بالمئة. وفي هذا العام، مع تنحي بايدن، من المحتمل أن ترتفع معدلات التقلب بشكل ملحوظ، حيث سيقوم المستثمرون بتقييم التأثير المحتمل للتغيير في القيادة السياسية على السياسات الاقتصادية المستقبلية، وفق أرشيد.
ويشدد على أنه من المتوقع أن تتفاعل الأسواق بشكل إيجابي أو سلبي بناءً على توقعات السياسة الاقتصادية للمرشحين الجدد. على سبيل المثال، إذا تبين أن المرشحين الجدد يميلون نحو سياسات دعم النمو الاقتصادي مثل تخفيض الضرائب أو زيادة الإنفاق الحكومي، فقد تشهد السوق ارتفاعاً في أسعار الأسهم. على الجانب الآخر، إذا كان هناك تخوف من سياسات تقشفية أو زيادة الضرائب، فقد يؤدي ذلك إلى تراجع السوق.
ويلفت إلى أنه “تاريخياً، في السنوات التي شهدت تغييراً في الحزب الحاكم، مثل الانتخابات بين بايدن وترامب، شهدت الأسواق تقلبات ملحوظة، حيث ارتفع مؤشر داو جونز بنسبة 4.5 بالمئة في الشهر التالي للانتخابات”.
الأسواق الأخرى، مثل سوق السندات وسوق العملات، قد تشهد أيضاً تقلبات مماثلة، إذ يمكن أن يؤدي الغموض السياسي إلى زيادة الطلب على الأصول الآمنة مثل السندات الحكومية، مما قد يؤدي إلى انخفاض عوائد السندات.
وفي سوق العملات، قد نشهد تذبذباً في قيمة الدولار الأميركي مقابل العملات الأخرى، مع زيادة التوقعات حول السياسات الاقتصادية الجديدة وتأثيرها على النمو الاقتصادي الأميركي، وفق أرشيد.
تقلبات معهودة
وإلى ذلك، يقول الرئيس التنفيذي لمركز كوروم للدراسات، طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- بداية من الآن وحتى موعد إجراء الانتخابات الأميركية (في شهر نوفمبر المقبل)، سنرى تقلبات في أسواق المال.
- هذه التقلبات “أمر طبيعي” نراه في كل فترة انتخابات.. ولكن في هذا الموسم من المتوقع أن نرى تقلبات أكثر بسبب اختيار الحزب الديمقراطي انسحاب بايدن والبدء في اختيار المرشح الثاني (البديل) الذي سينافس ترامب.
- أسواق المال تتفاعل إيجابياً مع أفضلية أو قوة أو شعبية دونالد ترامب.. المتعاملون يتوقوع فوز ترامب وأن تكون سياسته أفضل بالنسبة للاقتصاد الأميركي.
وقطاعياً، يضيف: “نشاهد ارتفاع قوي في قطاع التكنولوجيا خلال العام الجاري أو العامين الماضيين تقريباً، وقد اقتربنا من وقت التصحيح في هذا القطاع ، ولكن ليس من الواضح ما إن كنا سنرى التصحيح قبل الانتخابات أو بعدها.. إلى الآن هناك علامة استفهام حول ذلك”. ويستطرد: “أفضل الابتعاد نسبياً عن هذا القطاع والاستثمار في قطاعات أخرى مثل قطاع الصحة والخدمات”.