إعداد: احمد صلاح الدين
في آخر محاولات تبديد الخلافات، يجتمع في العاصمة الصينية بكين ممثلون عن حركتي فتح وحماس، لتشكيل «حكومة مصالحة وطنية مؤقتة»، لإدارة غزة بعد الحرب المستعرة هناك منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
وعلى الرغم من أن الفصائل الفلسطينية اختتمت اجتماعات بكين، بإصدار إعلان حمل الخطوط العريضة لإنهاء الانقسام والشراكة السياسية، وجملة من التفاهمات السياسية العامة، إلا أن الإعلان لم يضع آليات تنفيذية، وجداول زمنية، ما جعل الكثير من المراقبين والمسؤولين يرون فيه واحداً من التفاهمات السابقة التي جرى التوصل إليها بوساطة جهات خارجية، من دون توفر إرادة سياسية لتطبيقه.
ويري الساسة والمحللون أن الظرف، الإقليمي والدولي، الذي يجتمع فيه الفصيلان في ظل الزيادة غير طبيعية في تعداد الفصائل الفلسطينية، يضع القضية الفلسطينية في منعطف خطر جداً، لاسيما وأن المأساة الإنسانية في قطاع غزة التي تحتم على الفصائل أن تنأى بنفسها عن أي خلافات، أياً كان نوعها، للدفع باتجاه وحدة فلسطينية تقود إلى الخروج من الأزمة الراهنة.
- تخدم القضية الفلسطينية
وفي تصريحاته ل«الخليج» كشف الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء الدكتور سمير فرج، أن «إعلان بكين» قد يفيد القضية الفلسطينية في حال تم تنفيذه والالتزام به، لاسيما وأن الغرب يجد صعوبة في تحديد طرف يمكن الجلوس معه للتفاوض في أوقات المحنة، سواء كان السلطة الفلسطينية، أو حماس.
وأوضح الخبير الاستراتيجي المصري أن السلطة الفلسطينية التي تدير الضفة الغربية، وتمثلها حركة مؤمنة بحل الدولتين بينما ترفضه حماس، وهو خلاف جوهري بين الفصيلين، سيمثل نقلة نوعية في خلق حلول للقضية ورفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني.
وأكد اللواء المصري، أن بلاده عقدت مراراً، اجتماعات لمحاولة رأب الصدع بين الفصائل الفلسطينية التي وصل عددها الآن إلي 14 فصيلاً، موضحاً أن كل تلك المحاولات بائت بالفشل في نهاية المطاف، رغم تعهداتهم بتطبيق ما توصلوا إليه خلال اللقاءات.
وتتعامل مصر مع القضية الفلسطينية من منطلق أنها قضية أمن قومي في المقام الأول، وتبنت سياسة ثابتة تجاه أسلوب حل القضية الفلسطينية، حيث تؤكد قيادتها السياسية في كل المحافل، الإقليمية والدولية، أن الاستقرار في المنطقة لن يتحقق إلا من خلال إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ذات سيادة على حدود 67، عاصمتها القدس الشرقية.
وفي يوليو/ تموز 2023 توصلت الفصائل الفلسطينية في ختام اجتماع بمدينة العلمين في شمال مصر، إلى «تشكيل لجنة» بهدف «إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة»، حسبما قال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في البيان الختامي، إلا أن الأحداث مع التقادم أثبتت فشل تلك التفاهمات بين الفصائل، خصوصاً في ظل الانقسام الذي بدا واضحاً خصوصاً بعد اندلاع شرارة حرب غزة
وحددت الفصائل في بيان، الثلاثاء، أربعة بنود متعلقة بمتابعة تنفيذ اتفاقيات إنهاء الانقسام، أولها الالتزام ب«قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، طبقاً لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، خصوصاً القرارات 181، 2334 وضمان حق العودة طبقا للقرار 194».
وأما الثاني بحسب البيان، فإنه ينص على «حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، وإنهائه، وفق القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة، وحق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، ونضالها من أجل تحقيق ذلك بكل الأشكال المتاحة».
والثالث يرتكز على «تشكيل حكومة وفاق وطني مؤقتة بتوافق الفصائل الفلسطينية، وبقرار من الرئيس، بناء على القانون الأساسي الفلسطيني المعمول به، ولتمارس الحكومة المشكّلة سلطاتها وصلاحياتها على الأراضي الفلسطينية كافة، بما يؤكد وحدة الضفة الغربية، والقدس، وقطاع غزة».
وقال البيان، إن الحكومة المرجوة «ستبدأ بتوحيد المؤسسات كافة، في أراضي الدولة الفلسطينية، والمباشرة في إعادة إعمار القطاع، والتمهيد لإجراء انتخابات عامة بإشراف لجنة الانتخابات الفلسطينية المركزية بأسرع وقت، وفقاً لقانون الانتخابات المعتمد».
وفي البند الرابع، قالت الفصائل في البيان: «من أجل تعميق الشراكة السياسية في تحمّل المسؤولية الوطنية ومن أجل تطوير مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، تم تأكيد الاتفاق على تفعيل وانتظام الإطار القيادي المؤقت الموحد للشراكة في صنع القرار السياسي، وفقاً لما تم الاتفاق عليه في وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني الموقعة في 4 مايو/ أيار 2011، إلى أن يتم تنفيذ الخطوات العملية لتشكيل المجلس الوطني الجديد، وفقاً لقانون الانتخابات المعتمد».
- «بين الاتفاق والاختلاف»
وفي أعقاب الاجتماع أكد المتحدث باسم حركة فتح والمسؤول بمفوضية التعبئة عبدالفتاح دولة، أن الحركة تريد فعلاً طيّ صفحة الانقسام السوداء من تاريخ فلسطين، مشيراً إلى أن الانقسام الفلسطيني لم ينته بعد، لكن الفصائل تسير بخطوات جدية.
كما شدد على أن الأولوية الآن لوقف الحرب في غزة، ومن ثم مناقشة اليوم التالي.
وكشف أن هناك تبايناً في الآراء مع حماس بشأن قرارات الشرعية الدولية، لافتاً إلى أن حركة فتح تتفق مع حماس على الأطر العامة للقرارات الدولية، إلا أنها تختلف معها بالصياغة.
من جانبه، أكد مدير مكتب العلاقات الوطنية في حركة «حماس» حسام بدران، أن إعلان بكين خطوة إيجابية إضافية على طريق تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية.
وعبّر بدران في تصريح صحفي، الثلاثاء، عن تقديره العالي للجهود الكبيرة التي بذلتها الصين للوصول إلى هذا الإعلان، مشيراً إلى أنهم «يتحركون في هذا المسار للمرة الأولى بثقلهم ومكانتهم، وهذا أمر نحتاجه نحن كفلسطينيين لمواجهة سياسة التفرد التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية في ما يخص القضية الفلسطينية».
ومن جانبه رحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بإعلان بكين، بشأن تشكيل «حكومة وفاق وطني»، معتبراً أنه يمثل «خطوة مهمة لتعزيز الوحدة الفلسطينية»، بحسب ما قال المتحدث باسمه.
وصرح ستيفان دوجاريك للصحفيين «جميع الخطوات نحو الوحدة موضع ترحيب وتشجيع. إن الوحدة الفلسطينية… أمر بالغ الأهمية لتحقيق السلام والأمن وتعزيز تطلعات الشعب الفلسطيني إلى تقرير المصير، وإلى إقامة دولة فلسطينية كاملة العضوية»، مضيفاً أن الأمين العام دعا الفصائل الفلسطينية إلى «تجاوز خلافاتها من خلال الحوار».
وشهدت السنوات الأخيرة، انخراطاً صينياً دبلوماسياً كبيراً في الشرق الأوسط، حيث حثت الصين قبل أشهر من اندلاع الحرب في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إسرائيل على استئناف محادثات السلام مع الفلسطينيين على «أساس حل الدولتين».
وترى بوني غلاسر، المديرة التنفيذية لبرنامج المحيطين الهندي والهادئ في صندوق مارشال الألماني بالولايات المتحدة، في تصريحات مع «دويتش فيلا»: إن الصين «تصور نفسها كأنها صانعة للسلام في مواجهة ما تزعمه من دور أمريكي مزعزع للاستقرار»، مؤكدة أن ذلك يمثل هدفاً ذا أولوية للصين التي لا تتوقع تحقيق أي انفراج».