حذر خبراء اقتصاديون من أن المستثمرين يقللون من تقدير خطر ارتفاع تكاليف الشحن والذي من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع التضخم وإبطاء وتيرة خفض أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا.
ارتفعت تكلفة نقل حاوية بطول 40 قدمًا بين آسيا وشمال أوروبا في وقت قصير إلى أكثر من الضعف منذ أبريل من 3223 دولارًا إلى 8461 دولارًا، وفقًا لمتخصصي بيانات الشحن Xeneta، بعد تكثيف هجمات الحوثيين على السفن التي تسافر عبر البحر الأحمر إلى قناة السويس.
عندما بدأت أسعار الشحن في الارتفاع في ديسمبر، كان صناع السياسات متفائلين بأن ذلك لن يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية كما فعلت زيادة أكبر بكثير بعد الوباء.
لكن كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، أشارت هذا الأسبوع إلى التوترات الجيوسياسية المتزايدة باعتبارها خطرا يهدد التضخم، لأنها قد “تدفع أسعار الطاقة وتكاليف الشحن إلى الارتفاع في الأمد القريب”.
والآن يدق بعض خبراء الاقتصاد ناقوس الخطر أيضاً. ولا يرى الباحثون في بنك الاستثمار نومورا احتمالات كبيرة لانخفاض تكاليف الشحن في الوقت الراهن، بالنظر إلى:
- التوترات المستمرة في البحر الأحمر.
- الإضرابات المحتملة في الموانئ الأميركية والألمانية.
- انخفاض مستويات المياه في قناة بنما.
- الاندفاع المبكر عن المعتاد لبناء المخزونات قبل موسم العطلات.
وزعم الخبير الاقتصادي في بنك نومورا، أندريه سزيبانياك، أن هناك الآن المزيد من الإمكانات للشركات لنقل هذه التكاليف مع اكتساب التعافي الذي يقوده المستهلك قوة في منطقة اليورو والمملكة المتحدة.
وقال إن “الأجور الحقيقية تتحسن، والتضخم الرئيسي ينخفض، وسيكون هناك استهلاك أقوى في المستقبل وتسارع في النمو”، وقدر أن تكاليف الشحن قد تضيف 0.3 إلى 0.4 نقطة مئوية إلى التضخم في المملكة المتحدة ومنطقة اليورو بحلول نهاية عام 2025، حتى لو استقرت عند مستوياتها الحالية ثم انخفضت تدريجيا.
ويتوقع كبير خبراء الاقتصاد في وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، بريان كولتون، تأثيراً مماثلاً ويعتقد بأن المستثمرين لا يهتمون بما يكفي بالمخاطر المتمثلة في اضطرار البنوك المركزية إلى تأخير تخفيضات أسعار الفائدة لتغطية “الميل الأخير” الصعب في إعادة التضخم إلى الهدف.
وأضاف: في العام الماضي، كان الحديث يدور حول ثبات التضخم في قطاع الخدمات.. لقد شعر المشاركون في السوق بقدر كبير من الراحة من استقرار أسعار السلع الأساسية… وأعتقد بأن هذا يشكل إضافة مهمة إلى هذا السرد.
مصدر إزعاج
ولكن بعض خبراء الاقتصاد لا يشتركون في هذا الرأي ــ أو على الأقل ليس بعد.. وقال الخبير الاقتصادي في بيرينبرغ، هولجر شميدينغ، إن تكاليف الشحن كانت “مصدر إزعاج متواضع وليس مصدر قلق” ومن شأنها أن ترفع التضخم بنحو 0.1 إلى 0.2 نقطة مئوية فقط، حيث لم يكن المصنعون في وضع جيد يسمح لهم بنقل التكاليف.
كما قال سيمون ماكادام، من شركة الاستشارات كابيتال إيكونوميكس، إن أي تأثير تضخمي ناجم عن تكاليف الشحن سيكون “صغيرا” مقارنة بالتحدي الأكبر الذي تفرضه أسعار الخدمات الثابتة.
وفق ماكادام، فإن ارتفاع أسعار الشحن على الطرق الخارجية من الصين “لا يمثل” إجمالي تكاليف الشحن العالمية، وأن تكاليف الشحن تمثل جزءاً صغيراً فقط من قيمة السلع. وحتى لو كان لدى الشركات المصنعة نفس القدر من القوة التسعيرية كما هو الحال في “الظروف المثالية” لعامي 2021 و2022، فإنها لن تمرر سوى نصف الزيادة إلى المستهلكين، مما يرفع التضخم بنحو 0.2 نقطة مئوية على الأكثر.
وفي الوقت نفسه، قال كلاوس فيستيسن، من شركة الاستشارات بانثيون ماكرو إيكونوميكس، إنه لا شك في أن ارتفاع تكاليف الشحن، إذا استمر، سوف “يظهر في أسعار المستهلك في مرحلة ما” ــ ولكن فقط بعد إشارات تحذيرية في المسوحات وأسعار المصانع. وأضاف: “لن يأتوا مثل اللصوص في الليل”.
لكن كبير خبراء الاقتصاد في بنك الاستثمار بانمور ليبيرم، سيمون فرينش، قال إن حتى الارتفاع القليل نسبيا في أسعار السلع قد يكون مصدر قلق للبنوك المركزية وكابحاً محتملاً للتيسير النقدي.
وقال إن “البنوك المركزية حددت مساراً لتخفيف السياسة النقدية.. وهو مسار يعتمد على التضخم الحميد في أسعار السلع. وقد تؤدي أسعار الشحن عند مستوياتها الحالية إلى تعطيل هذا المسار… والسوق لم تستوعب هذا بعد”.
تأثير متفاوت
يقول الخبير الاقتصادي الأردني، حسام عايش، فى تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاى نيوز عربية” إن موجة التضخم الناتجة عن أزمة أسعار الشحن “متباينة”؛ ذلك أن الاقتصادات العالمية كافة تأثرت ولكن بنسب متفاوتة:
- تكلفة الشحن لا تتحملها كل الناقلات بل بعضها لأن هناك بلدان لا علاقة لها بالصراع الدائر في البحر الأحمر .
- الاقتصاد الأميركي (أكبر اقتصاد في العالم) لم يتأثر بصورة كبيرة بارتفاع تكلفة الشحن، وبالتالي لم انعكس ذلك على معدلات التضخم، وصار من المتوقع خفض الفائدة هذا العام (..).
- التكلفة الناتجة عن ارتفاع أسعار الشحن والتأمين أثرت على الاقتصاد الأوروبي بشكل أكبر من نظيره الأميركي، لكن ذلك لن يمنع أن يكون هناك اتجاه لخفض أسعار الفائدة في الاتحاد الأوروبي مرة أخرى.
- الصين (ثاني أكبر اقتصاد في العالم) رغم تأثرها إلى حد كبير بمشاكل الصراع الدائر في البحر الأحمر، لكن ذلك لم يكن العامل الرئيسي في تباطؤ الاقتصاد الصيني (..).
ويضيف: دورة تخفيض أسعار الفائدة حدث عالمي منتظر من قبل الجميع، وهناك مؤشرات تدل على قرب حدوثه على نحو أسرع، موضحاً أن “الارتفاع في أسعار الذهب ينبئ بأن الأسواق تتوقع حدوث تخفيض في أسعار الفائدة، وهذا ما نجم عنه هذا الارتفاع في الإقبال على المعدن الأصفر كملاذ آمن”. ويرى أن العام المقبل “سيكون هو عام التحولات الإيجابية في الاقتصاد العالمى مع خفض الفائدة المتوقع”، على حد قوله.
التوترات الجيوسياسية
من جانبه، يؤكد كبير الاقتصاديين في شركة “ACY” بأستراليا، نضال الشعار، فى تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاى نيوز عربية” أن:
- التوترات الجيوسياسة لها أثر كبير على أسعار الطاقة وعمليات الشحن، وهو ما يشكل ضغوطاً على معدلات التضخم، والتي بدورها تتطلب العمل على كبح جماح ارتفاع الأسعار بالطرق المعتادة وعلى رأسها أسعار الفائدة التي ارتفعت في العامين الماضيين لمواجهته ليصبح نوعاً ما تحت السيطرة حتى بدء عملية خفض أسعار الفائدة المرتفعة.
- هناك تأثير ملحوظ على أسعار المنتجات مع ارتفاع تكاليف الشحن والتفريغ.. على سبيل المثال شهدت الفترة الماضية ارتفاع تكاليف الشحن أكثر من الضعف فتكلفة شحن حاوية 40 قدماً من آسيا إلى شمال أوروبا ارتفعت من 3220 دولار في إبريل الماضي لتبلغ حاليا نحو 8460 دولار اليوم.
- هناك أسباب لارتفاع تكاليف الشحن يأتي على رأسها التوترات الحادثة في البحر الأحمر وانخفاض مستوى المياه في قناة بنما والإضرابات العمالية في منطقة اليورو والولايات المتحدة، إضافة إلى تسريع الاستيراد من مختلف الشركات تحضيرا لمواسم الأعياد والعطلات الرسمية المقبلة.
- المشكلة الرئيسية في ارتفاع تكاليف الشحن استمرارها لفترة طويلة وهو ما يجعل تأثيرها على مستوى الأسعار العام ملفتاً ولا يمكن تجنبه وسينعكس على معدلات التضخم بالارتفاع وهذا ما يتبعه انخفاض قدرة المصارف المركزية على استخدام أسعار الفائدة للسيطرة على الموقف.
- تزامن ذلك مع انخفاض في مستوى الطلب الكلي، وشهدت أسواق العمل حالة من التباطؤ ما جعل المصارف المركزية في حالة أكثر مرونة فيما يتعلق بخفض أسعار الفائدة، لكن ارتفاع تكاليف الشحن سيؤجل عملية الخفض الفعلي لها ويقوض أهداف المصارف المركزية الوصول إلى معدل تضخم 2 بالمئة.
- ارتفاع تكاليف الشحن أمر طويل الأمد ولن تقوم الشركات بتمريره بشكل مباشر إلى المستهلك في ظل انخفاض مستوى الطلب
يضيف الشعار: “أتوقع أنه بحلول شهر سبتمبر ستبدأ تكاليف الشحن بالاستقرار ومن ثم الانخفاض وبالتالي ستتجه المصارف المركزية العالمية إلى خفض أسعار الفائدة”.