بصفتها نائبة للرئيس الأميركي، تبنت كامالا هاريس إلى حد كبير السياسات الاقتصادية الدولية للرئيس جو بايدن، والتي تجنبت المفاوضات التجارية التقليدية مع التأكيد على الاستثمارات التي تقودها الحكومات في العالم النامي.
وإذا نجحت رسمياً في الحصول على بطاقة الترشح عن الحزب الديمقراطي لانتخابات نوفمبر، وفازت في ذلك السباق، يتوقع الخبراء إلى حد كبير أن تواصل عضو مجلس الشيوخ السابق عن ولاية كاليفورنيا والمدعية العامة أجندة بايدن – على الرغم من بعض الخطابات المؤيدة للتجارة قبل سنوات، بحسب تقرير لـ politico.
ولكن هل هناك مجال للمناورة بشأن التعريفات الجمركية؟
هاريس قال في العام 2019 : “أنا لست ديمقراطية حمائية”. كما انتقدت مراراً وتكراراً التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على الصين، وكان آخرها في إحدى محطات حملتها الانتخابية في ولاية كارولينا الشمالية حيث هاجمت خطته للتعريفات الجمركية الشاملة بنسبة 10 بالمئة، قائلة إنها سترفع التكاليف على الأسر الأميركية.
ونقل التقرير عن المحللة الصينية ومؤسسة شركة أشتون أناليتيكس، آنا أشتون، قولها: “من الناحية النظرية، هناك مجال للمناورة وللانحراف عن سياسات التعريفات الجمركية الخاصة ببايدن، والتي حافظت على رسوم ترامب على السلع الاستهلاكية ورفعت التعريفات الجمركية على تكنولوجيا الطاقة النظيفة”.
ولكن عندما تصل الأمور إلى ذروتها، فقد أظهرت هاريس أنها متشككة في التجارة على الأقل مثل رئيسها.
ومن الأمثلة على ذلك معارضتها للاتفاقية بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا عندما كانت عضواً في مجلس الشيوخ.
قبل انتخابه رئيسًا، قرر بايدن دعم اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا بعد أن نجح الديمقراطيون في إدراج أحكام معززة تتعلق بالعمل والبيئة في الاتفاقية. لكن هذا لم يكن كافياً بالنسبة لهاريس، التي أرادت أن تشمل الاتفاقية تغير المناخ وأصبحت في النهاية واحدة من 10 أعضاء فقط في مجلس الشيوخ يعارضون الاتفاقية.
وقد يشير هذا إلى أن أي مفاوضات تجارية جديدة في ظل إدارة هاريس سوف يتعين عليها أن تشمل شريحة أوسع من القضايا البيئية مقارنة باتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، والتي كانت تعتبر صفقة رائدة في حد ذاتها.
تركيز على المناخ
وبعيدا عن مفاوضات التجارة الشاملة، فإن تركيزها على المناخ قد يضيف أيضاً زخماً جديداً في المبادرات التي تسعى إلى الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري من قطاعات محددة – مثل صفقة الصلب الأخضر التي كان بايدن يحاول إبرامها مع الاتحاد الأوروبي، قبل أن تتعثر تلك المحادثات العام الماضي.
وقالت في العام 2019 عندما كانت تترشح للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي: “أستطيع أن أخبركم أنه في ظل إدارة هاريس، لن يتم توقيع أي اتفاقية تجارية ما لم تحمي العمال الأميركيين وتحمي بيئتنا”.
هل يحمل ترشح هاريس أملاً لمنظمة التجارة العالمية؟
يرى بعض مراقبي التجارة أن ترشح هاريس قد يحمل فائدة محتملة لمنظمة التجارة العالمية المتعثرة، بحسب التقرير المذكور.
كان لنائبة الرئيس الأميركي اجتماع إيجابي في العام 2021 مع مديرة منظمة التجارة العالمية نجوزي أوكونجو إيويالا، حيث ناقشا الاستفادة من التجارة لتحسين مستويات المعيشة. وقالت أشتون، المحللة الصينية، إنه على الرغم من أن هذا الاجتماع كان في وقت مبكر من ولاية هاريس، إلا أن هناك بعض الأمل في أن خلفيتها كمدعية عامة تعني أنها “تدعم بشكل عام النظام الدولي القائم على القواعد والقانون الدولي، لذلك ربما ترى قيمة في إعادة هيئة الاستئناف التابعة لمنظمة التجارة العالمية إلى العمل”.
نهجان مختلفان
من جانبه، يقول مدير المركز العالمي للدراسات التنموية، صادق الركابي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- يختلف نهج كامالا هاريس عن دونالد ترامب في التجارة العالمية.
- تتبنى كامالا النهج الأكثر تعاوناً مع الشركاء التجاريين والحلفاء.
- هي تفضل أن تكون هناك اتفاقيات تجارية متعددة الأطراف مثل “الشراكة عبر المحيط الهادئ”، وإصلاح نظام التجارة العالمية بما يراعي أيضاً قضايا التغير المناخي وحقوق العمال.
- بالتالي هذا الأمر سيعزز الاستقرار والوضوح في التجارة الدولية في حال تبني السياسة التي اعتمدها أيضاً بايدن في تعزيز الثقة في الأسواق العالمية أو تحفيز الاستثمار.
ويضيف: أما بالنسبه لترامب فهو معروف أنه يتبع نهج الحمائية وفرض التعريفات الجمركية؛ لتشجيع الصادرات الأميركية وتعزيز الميزان التجاري وتقليل نفوذ الصين، وبالتالي هذا الأمر سوف يقلل من التبادل التجاري بين الولايات المتحدة الأميركية والصين (وهما أكبر اقتصادين على مستوى العالم) وما يتبع هذا التبادل من سلاسل توريد.
- يفضل دونالد ترامب ألا تكون هناك اتفاقيات متعددة الأطراف، وإنما اتفاقيات تجارية ثنائية.
- يعتقد ترامب بأن الاتفاقيات الثنائية تحقق نتائج أفضل، ويستطيع من خلالها فرض شروطه بالتفاوض بشكل أكبر.
ويستطرد الركابي: “فيما يتعلق بالاتفاقيات التجارية -مثل التي أبرمتها الولايات المتحدة الأميركية مع المكسيك وكندا ومع أطراف دولية أخرى- كان ترامب دائماً ما يضغط باتجاه أن تكون هناك شروط أفضل للولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي هذا الأمر سيربك المشهد في التجارة العالمية”، مشدداً على أن سياسات ترامب تتميز بأنها تعمل في أجواء من عدم اليقين، وبالتالي تؤدي إلى زعزعة الثقة”.
أثر الاضطرابات الجيوسياسية
ويتابع: “لا ننسى أيضاً أن ظروف الحرب بين روسيا وأوكرانيا والانقسامات التي حدثت في الأسواق العالمية، فقد تكون إيجابية لنهج ترامب الذي يؤمن بالاتفاقيات الثنائية، وبالتالي الأمر لن يكون مرتبطاً بنهج كامالا هاريس أو بنهج ترامب بقدر أنه سيكون متعلقاً بوضع الاقتصاد العالمي أيضاً بشكل أكبر وأعم”.
ويضيف: “إذا نظرنا إلى الأمر على أن كامالا هاريس تفضل النظام التعددي والاتفاقيات واسعة النطاق، فإن هذا الأمر سيكون أفضل إذا كان العالم مستعداً للحفاظ على هذا النهج من الاتفاقيات.. أما إذا كان العالم منقسماً واتسعت رقعة الحروب وتمت إعادة هيكلة سلاسل التوريد، فقد يكون نهج دونالد ترامب هو الأكثر دعماً والأفضل بالنسبة لمعدل التجارة العالمية”.
وبالتالي فإن الأمر -في تقدير الركابي- يعتمد على عوامل داخلية في الولايات المتحدة الأميركية وعلى عوامل خارجية بالنسبة لحركة الاقتصاد العالمي واستقراره والسياسة الدولية.
الشراكات الدولية
وفي السياق، يشير خبير الشؤون الاقتصادية، مازن أرشيد، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن:
- كامالا هاريس تركز على تعزيز الشراكات الدولية وإعادة بناء التحالفات التي تأثرت خلال فترة ترامب.
- هي تعتقد بأهمية العمل مع الحلفاء لتعزيز التجارة الحرة العادلة التي تأخذ في اعتبارها حماية العمال والبيئة.
- خلال فترة عملها كنائبة للرئيس، دعمت هاريس السياسات التي تروج للطاقة النظيفة وتقليل انبعاثات الكربون، والتي من المتوقع أن تخلق فرص عمل جديدة وتدفع النمو الاقتصادي.
- في المقابل، كانت سياسات ترامب تميل نحو الحمائية وزيادة التعريفات الجمركية على الواردات لحماية الصناعات المحلية، فقد فرض ترامب تعريفات جمركية على البضائع القادمة من الصين، مما أدى إلى توترات تجارية وانخفاض حجم التجارة بين البلدين.
- في العام 2018، فرضت الولايات المتحدة تعريفات جمركية بنسبة 10 بالمئة على 200 مليار دولار من الواردات الصينية، مما أدى إلى ردود فعل مماثلة من الصين. هذا النهج أدى إلى اضطرابات في الأسواق العالمية وزيادة التكاليف على الشركات والمستهلكين الأميركيين.
ويرى أرشيد أنه “إذا استمرت هاريس في نهجها الحالي كمرشحة رئاسية (واستطاعت الفوز)، فمن المتوقع أن تعزز التجارة الحرة التي تأخذ في اعتبارها المعايير البيئية والاجتماعية”.
- كما أنه من الممكن أن تسعى هاريس إلى إعادة الولايات المتحدة إلى اتفاقيات تجارية متعددة الأطراف مثل اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ TPP) التي انسحب منها ترامب.. وهذه الاتفاقية تضم 11 دولة وتغطي 13.4 بالمئة من الاقتصاد العالمي.. العودة إلى هذه الاتفاقية يمكن أن تعزز من مكانة الولايات المتحدة في التجارة العالمية ويعزز العلاقات مع الدول الآسيوية”.
- علاوة على ذلك، تهدف هاريس إلى تعزيز الابتكار والتكنولوجيا في الاقتصاد الأميركي.
- دعمها للمبادرات التي تهدف إلى تحسين البنية التحتية الرقمية وتعزيز التعليم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات يمكن أن يجعل الولايات المتحدة رائدة في الصناعات المستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة.
- ستعمل على توسيع الاستثمار في البحث والتطوير التكنولوجي على مدى عشر سنوات، وهو ما يمكن أن يخلق فرصاً جديدة ويعزز النمو الاقتصادي.