إعداد: محمد كمال
كشف مصدران مطلعان أنه من المتوقع أن تتخلى الحكومة البريطانية الجديدة بقيادة كير ستارمر، خلال الأيام القليلة المقبلة، عن اعتراضات الحكومة السابقة بقيادة ريشي سوناك، على سعي المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وفق ما يجري من مداولات داخلية حالياً.
وأشار المصدران، بحسب صحيفة نيويورك تايمز، إلى أنه على مدى عشرة شهور، تحركت حكومة المحافظين في بريطانيا بشكل متسق تقريباً مع الولايات المتحدة في ردها على الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة، لكن في ظل حكومة حزب العمال الجديدة، تبتعد بريطانيا عن أقرب حلفائها في الصراع.
والأسبوع الماضي، قالت بريطانيا إنها ستستأنف تمويل وكالة الأمم المتحدة الرئيسية التي تساعد الفلسطينيين، الأونروا، بعد أن خلصت إلى أن الوكالة اتخذت خطوات لضمان استيفائها لأعلى معايير الحياد، رغم اتهام إسرائيل عشرات من موظفي الوكالة بلعب دور في هجمات 7 أكتوبر، وهو ما نفته المنظمة الأممية تماماً.
- محامي حقوقي سابق
تشير هذه الخطوات إلى أن الحكومة البريطانية مستعدة لممارسة المزيد من الضغوط على نتنياهو بسبب الرد العسكري الإسرائيلي القاسي في غزة. كما تظهر أيضاً أن ستارمر، المحامي السابق في مجال حقوق الإنسان، يهتم بالمؤسسات القانونية الدولية أكثر من الولايات المتحدة.
وفي شهر مايو/أيار، أدان الرئيس الأمريكي جو بايدن جهود المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية للحصول على أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، ووصفها بأنها مشينة. وعلى الرغم من أن أوامر الاعتقال ستكون بمثابة إجراءات رمزية إلى حد كبير، فإن مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون صوت لصالح تمرير تشريع يفرض عقوبات على مسؤولي المحاكم.
وأشار المحللون إلى أن الحكومة البريطانية الجديدة لم تفرض إجراءات ملموسة مثل وقف شحنات الأسلحة إلى إسرائيل، حيث قال مسؤولون بريطانيون إنهم ينتظرون نتائج المراجعة القانونية لمعرفة ما إذا كانت إسرائيل تنتهك قوانين حقوق الإنسان.
وتشير هذه التحركات المبكرة إلى أن رئيس الوزراء ستارمر، وهو مؤلف كتاب عن القانون الأوروبي لحقوق الإنسان، يرسم مساره الخاص بشأن الصراع الذي أثار حفيظة الزعماء الغربيين، بما في ذلك بايدن والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز.
وكان تحالف بريطانيا الوثيق مع الولايات المتحدة سبباً في حدوث جدل كبير بين حزب العمال والعديد من أنصاره، الذين طالبوا بدعوة بريطانية أسرع لوقف فوري لإطلاق النار في غزة.
وقام ستارمر بتعيين ريتشارد هيرمر، محامي حقوق الإنسان البارز وزميله السابق المقرب، في منصب المدعي العام. وسيكون لهيرمر تأثير كبير في تقديم المشورة لرئيس الوزراء بشأن إسرائيل، والتوقيع على أي تدخل قانوني يقدم إلى المحكمة الجنائية الدولية.
ولد هيرمر لعائلة يهودية ومؤيد للقضايا اليهودية، ونصح حزب العمل بمعارضة جهود الحكومة السابقة لإصدار قانون يحظر على السلطات المحلية في بريطانيا مقاطعة الكيانات التابعة لإسرائيل. وقال إن ذلك من شأنه أن ينتهك حرية التعبير.
وقال كولم أوسينايد، أستاذ القانون الدستوري وقانون حقوق الإنسان في جامعة كوليدج لندن: إنه خبير معترف به ويتمتع بمكانة وسمعة كبيرة في قانون حقوق الإنسان.
- رد على الجنائية الدولية
ورغم أن الحكومة لم تذكر كيف تخطط للرد على المحكمة الجنائية الدولية، فإن ستارمر قال في مايو/أيار: يجب أن تكون المحكمة قادرة على التوصل إلى قرارها في الوقت المناسب. أنا أؤيد المحكمة وأؤيد القانون الدولي. فيما كان سلفه سوناك قد وصف متابعة أوامر الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت بأنها غير مفيدة على الإطلاق.
وبينما يتوقع عدد قليل من المحللين أن تلتزم الحكومة الجديدة بخط الحكومة السابقة، يعتقد البعض أنه بدلاً من إسقاط اعتراضها بالكامل، قد تختار بريطانيا تقديم نص أكثر دقة إلى المحكمة.
لكن زكي الصراف، المسؤول القانوني في مركز العدالة الدولي للفلسطينيين، دعا الحكومة البريطانية إلى اتخاذ موقف واضح.
وقال الصراف في بيان لا يمكن أن يكون هناك نهج اختيار لهذا النوع من الأمور، مشيراً إلى أن ستارمر أشاد بالمحكمة الدولية عندما طلبت إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأضاف: يجب تطبيق القانون الدولي دون خوف أو محاباة، ويجب عليه أن يدعم أوامر الاعتقال هذه أيضاً.
وضعت الحرب في غزة ستارمر وحزب العمال في موقف سياسي صعب منذ البداية. ودعم ستارمر التأييد الحكومي القوي لإسرائيل، إلى جانب الدعوة لزيادة المساعدات الإنسانية للمدنيين في غزة. كما دعا في وقت لاحق إلى وقف فوري لإطلاق النار، ولكن ليس بالسرعة الكافية لإرضاء الناس على يسار حزبه أو العديد من أنصار حزب العمال.
ومن اللافت أن التوازن الدقيق الذي اتبعه حزب العمال لم ينقذه من ردود أفعال عكسية في صناديق الاقتراع، حتى في الانتخابات التي حقق فيها فوزاً ساحقا. وعلى سبيل المثال كان من المحتمل أن يتم تعيين القيادي في الحزب جوناثان أشوورث في منصب وزاري، لكنه خسر مقعده بشكل غير متوقع لصالح ناشط مؤيد للفلسطينيين.
كما فاز ستارمر نفسه بحصة أقل من الأصوات في مقعده في شمال لندن مقارنة بانتخابات عام 2019، ويرجع ذلك جزئياً إلى التحدي الذي قدمه مستقل أعرب عن غضبه من موقف حزب العمال من إسرائيل.
وفي السيرة الذاتية لستارمر كتب الصحفي توم بالدوين أن زعيم حزب العمال دعم علناً المعارضين السياسيين لرئيس الوزراء الإسرائيلي، ووصف رفضه لحل الدولتين بأنه «غير مقبول»، وحذر من أن أي انتهاكات للقانون الدولي ستؤدي إلى عواقب وخيمة.
- الموقف الأمريكي
يأتي هذا التحول في بريطانيا في الوقت الذي تدخل فيه الولايات المتحدة نفسها فترة من عدم اليقين السياسي المتزايد بشأن إسرائيل. حيث أثار انسحاب بايدن من حملة عام 2024 وظهور نائبة الرئيس كامالا هاريس كمرشحة ديمقراطية مفترضة، تساؤلات حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستغير حساباتها بشأن إسرائيل والحرب في غزة.
ويقول آرون ديفيد ميلر، مفاوض السلام السابق في الشرق الأوسط والذي يعمل الآن زميلاً بارزاً في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي: إنها (هاريس) أكثر إحباطاً وغضباً تجاه نتنياهو من بايدن.
لكن ميلر أشار إلى أن أي تغيير في السياسة الأمريكية من المرجح أن يأخذ شكل ضغط أكبر على نتنياهو، الذي ألقى كلمة أمام جلسة مشتركة للكونغرس يوم الأربعاء، للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع حماس.
وقال ميلر إن البيت الأبيض لن يستأنف تمويل الأونروا أو يتخلى عن معارضته للمحكمة الجنائية الدولية، لأن هذه الخطوات، كما قال، ستثير معركة لا داعي لها في عام الانتخابات مع الجمهوريين في الكابيتول هيل.