منذ أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، إلى أن مرحلة رفع أسعار الفائدة في حربه التاريخية ضد التضخم قد انتهت، تركز الاهتمام على متى – ومدى السرعة – التي قد يوفر بها البنك المركزي الإغاثة للمقترضين الأميركيين!
بحسب رئيس الفيدرالي، جيروم باول، وزملاؤه، فإنهم بحاجة إلى دليل لا يقبل الجدل على أن التضخم – الذي كان في وقت ما يحوم حول أعلى مستوى له في أربعة عقود- يتراجع إلى هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 بالمئة. وحتى ذلك الحين، ستفتقر لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية إلى الثقة اللازمة للبدء في خفض أسعار الفائدة.
وتشير سلسلة من بيانات التضخم الإيجابية في الشهور الأخيرة، إلى جانب الإشارات حول أن سوق العمل فقدت بعضاً من زخمها السابق، ـ إلى أن الهدف يتحقق إلى حد ما.
لكن كبار المسؤولين في بنك الاحتياطي الفيدرالي ما زالوا مترددين في إعلان النصر حتى الآن. بل إنهم يرون عدداً من الفوائد في الانتظار لفترة أطول قليلاً قبل خفض أسعار الفائدة من مستواها الحالي الذي يتراوح بين 5.25 بالمئة و5.5 بالمئة، بحسب تقرير لصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية.
- بين اجتماعات السياسة في يوليو وسبتمبر، سيتلقى المسؤولون مجموعتين من تقارير التضخم والوظائف إلى جانب مجموعة من التحديثات الأخرى حول صحة المستهلك وسوق الإسكان، من بين أحجار الزاوية الأخرى لأكبر اقتصاد في العالم.
- سيكون الحصول على أدلة أكثر قاطعة في متناول اليد أمراً حاسماً لتهدئة بعض المسؤولين الذين ما زالوا يشعرون ببعض الشكوك في أن الأمور آمنة، وخاصة في ضوء تفجر التضخم غير المتوقع في وقت سابق من هذا العام.
بعد أشهر من التقدم المطرد نحو هدف الـ 2 بالمئة، أظهرت بيانات الربع الأول تجدداً غير مرحب به في ضغوط الأسعار التي ألقت بظلال من الشك على قبضة بنك الاحتياطي الفيدرالي على التضخم وأفسدت خططًا لبدء التخفيضات في بداية الصيف. وكان هذا هو الأحدث في سلسلة من المفاجآت الاقتصادية في أعقاب جائحة فيروس كورونا حيث أخطأ المسؤولون وأجبروا على إعادة التفكير في إعدادات سياستهم.
في حين يُنظر إلى الأشهر الثلاثة الأولى من العام الآن على نطاق واسع على أنها انحراف عن المسار الطبيعي، نظراً لأن ضغوط الأسعار خفت بسرعة في الربع الثاني، إلا أنها مع ذلك جعلت المسؤولين حذرين بشأن الإشارة إلى تحول سياسي قبل الأوان.
يشير التقرير إلى أن ثمة فجوة لا تزال بين الأفراد حول عدد التخفيضات الضرورية بمجرد بدء هذه العملية، حيث أظهرت التوقعات المنشورة في يونيو انقساما بين تخفيض واحد وتخفيضين هذا العام.. وإذا كان الباب مغلقا أمام الخفض في يوليو، فإنه يبدو مفتوحا لخفض آخر في سبتمبر.
ووضع المتعاملون في أسواق العقود الآجلة لصناديق الاحتياطي الفيدرالية هذه النتيجة في الحسبان بالكامل. وسوف يكون هذا الاجتماع (اجتماع سبتمبر) هو الأخير قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر، وبعد ذلك سوف يجتمع المسؤولون مرتين أخريتين قبل نهاية العام. ويتوقع المشاركون في السوق خفضين على الأقل بمقدار ربع نقطة مئوية في العام 2024.
تقديرات مغايرة
لكن خبير الاقتصاد والمخاطر المالية، محي الدين قصار، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه من المتوقع أن يكون هناك خفضاً واحداً في العام الجاري 2024.
وفيما تتوقع الأسواق خفض الفائدة في سبتمبر، يعتقد قصار بأنه “قد لا يتم خفض الفائدة هذه السنة رغم تلك التوقعات، وإن حدث الخفض سيكون في ديسمبر”، على حد توقعاته.
تأتي تلك التوقعات في سياق حالة عدم اليقين بشأن مسارات التضخم والتقلبات التي قد تشهدها فترة الانتخابات الرئاسية.
وبحسب خبير المخاطر المالية من الولايات المتحدة، فإن “مازال ارتفاع الأسعار متمكناً، وأية محاولة لتخفيض سعر الفائدة فسيسيء ذلك للأسعار”، على حد تعبيره.
لكن على مدى الشهر الماضي، أكد باول وزملاؤه أنهم أصبحوا أكثر تفاؤلاً بشأن التراجع في التضخم. وقد قدم اثنان من أكثر الأصوات نفوذاً في لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية، جون ويليامز من بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك ومحافظ البنك المركزي كريستوفر والر، دعماً لهذا الرأي في الأسبوع الذي سبق “قطع الاتصالات”، حيث أعلنا أن البنك المركزي “يقترب” من حيث يريد أن يكون لخفض أسعار الفائدة.
التحولات السياسية المفاجئة
ونقل التقرير عن الخبيرة الاقتصادية السابقة في بنك الاحتياطي الفيدرالي والتي تدير الآن مؤسسة MacroPolicy Perspectives، جوليا كورونادو، قولها: إن بنك الاحتياطي الفيدرالي يتحرك مثل سفينة خاصة، وهذا يعني أنه خارج الأزمات، فإنه عادة ما يتجنب التحولات السياسية المفاجئة. وتوقعت كورونادو تغييرات “واضحة” في بيان السياسة في يوليو والتي من شأنها أن تشير إلى أن التخفيض وشيك.
- ما يعزز هذه الحجة هو التحول الكبير الذي تشهده سوق العمل. فبعد أن كانت ظروف العمل في الولايات المتحدة تعتبر في السابق عاملاً محفزاً للتضخم، أصبحت الآن أكثر اعتدالاً.
- لا يزال التوظيف قوياً، ولكن الأميركيين الباحثين عن وظائف جديدة لديهم فرص أقل، ويتقدم المزيد منهم بطلبات للحصول على إعانات البطالة. كما تباطأ نمو الأجور.
وقال والر في أحدث ظهور علني له: “حتى اليوم، أرى أن هناك المزيد من المخاطر الصاعدة للبطالة مقارنة بما رأيناه منذ فترة طويلة”، حتى مع تحذيره من احتمالات بيانات التضخم “غير المتوازنة” التي تجعل خفض أسعار الفائدة في المستقبل القريب “أكثر غموضا”.
وقال مايكل سترين، مدير دراسات السياسة الاقتصادية في معهد أميركان إنتربرايز، الذي يدافع ضد تحرك البنك المركزي في سبتمبر، إن ثمة قلقا آخر يتمثل في أن التضخم قد “يعلق” فوق المستوى المستهدف عند نحو 2.6 بالمئة أو 2.7 بالمئة.
ولكن من المهم أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لا يريد لسوق العمل أن تتدهور أكثر. كما يؤكد أن إعادة التضخم إلى مستواه المستهدف لا ينبغي أن يؤدي بالضرورة إلى خسارة مفرطة للوظائف.
“وبسبب مرونة سوق العمل، اعتقدوا أن لديهم رفاهية الوقت الكافي للتأكد من التضخم”، كما يقول كورونادو. “لكن هذه الرفاهية تتلاشى الآن”.
وذهب كبير خبراء الاقتصاد في غولدمان ساكس، جان هاتزيوس، إلى حد القول بأن:
- الانتظار حتى سبتمبر من شأنه أن يزيد من خطر الوصول إلى نفس النتيجة التي يحاول بنك الاحتياطي الفيدرالي تجنبها.
- “إذا انتظرنا، فهناك خطر على الجانب الاقتصادي يتمثل في رؤية المزيد من التدهور في سوق العمل”.
- “نظرًا لمدى تغير الأمور – ومدى انخفاض التضخم ومدى إعادة التوازن إلى سوق العمل – فلماذا لا تبادر إلى المضي قدمًا في ما قد تفعله على أي حال؟”
الانتصار على التضخم
يقول رئيس الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- لا يمكن للولايات المتحدة الأميركية إعلان الانتصار على التضخم في الوقت الحالي، ذلك أن التضخم يمر بموجات صعود وهبوط.
- أول ثلاثة أشهر من العام شهدت تضخماً عنيداً في قطاع الخدمات، ما أدى إلى صعوبة خفض معدلات التضخم بالسرعة التي توقعها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.
ويشير إلى أنه “قبل الوصول إلى هدف التضخم المستهدف عند 2 بالمئة، من المرجح أن يواجه الفيدرالي الأميركي تحديات مختلفة(..)”، موضحاً أنه “على الرغم من أن التضخم كان عنيداً واستمر في مستويات قياسية لفترة أطول مما كان متوقعاً، إلا أن الفيدرالي لم يخطئ في تقييمه الأساسي لاستمرار التضخم.
ويضيف: “الفيدرالي يرى أن التضخم لا يزال مرتفعاً بعيداً عن المستوى المستهدف، ويعمل على خفضه 2 بالمئة بحلول العام 2025″، موضحاً أنه “في الوقت الحالي إذا هبطت أرقام التضخم بشكل أكبر يمكن أن يكون هناك تخفيضات أكبر، وعلى العكس إذا لم يهبط التضخم فسيكون المتوقع هو رفع الفائدة في سبتمبر فقط.
ويشدد على أنه على المدى القصير وحتى إجراء الانتخابات الأميركية في نوفمبر “سوف تتضح الصورة بخصوص السياسات الاقتصادية المتبعة، وطبيعة الإنفاق الحكومي، وهل سيرتفع التضخم أم لا تبعاً لذلك”.