تشهد الساحة السياسية الأميركية والعالمية ترقباً كبيراً لاحتمالية عودة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض. وتثار عديد من التساؤلات حول تأثير هذه العودة المحتملة على السياسات الدولية الأمنية، خصوصاً فيما يتعلق بتطوير صناعة الأسلحة.
واتسمت فترة حكم ترامب الأولى بسياسات خارجية حازمة، أثارت جدلاً واسعاً، وتسببت في توتر العلاقات مع عديد من الدول، بما في ذلك فرض عقوبات على دول بعينها وتبني نهج صارم تجاه برامجها النووية.
في هذا السياق، تبرز تساؤلات مهمة حول ما إذا كانت عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستؤدي إلى تسريع وتيرة تطوير صناعة الأسلحة على مستوى العالم، لا سيما في أوروبا وبالنظر إلى موقفه في حزب الناتو وكذلك موقفه من الحرب في أوكرانيا.
التحديات الأمنية المتزايدة والتوترات الجيوسياسية المتصاعدة قد تدفع عديد من الدول إلى تعزيز قدراتها الدفاعية، تحسباً لأي تغييرات محتملة في السياسات الأميركية.
وفي هذا السياق، تتعاون أكبر دولتين مانحتين للمساعدات العسكرية لأوكرانيا في أوروبا (ألمانيا وبريطانيا) في إطار اتفاقية دفاعية مع تنامي المخاوف من أن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية في نوفمبر المقبل قد يؤدي إلى كارثة للأمن الأوروبي.
تزايدت المخاوف من أن واشنطن قد تقلص بشكل كبير دعمها لأوكرانيا العام المقبل منذ أن اختار المرشح الجمهوري ترامب جيه دي فانس ليكون نائبه، لا سيما أن الأخير أكد مراراً وتكراراً معارضته لقيام الولايات المتحدة بكتابة ما سماه “شيكات على بياض” لمساعدة كييف في مواجهة روسيا.
وبريطانيا من المؤيدين القويين لأوكرانيا، وسيستمر ذلك في ظل حكومة حزب العمال الجديدة ذات التوجه اليساري الوسطي، بقيادة رئيس الوزراء كير ستارمر، الذي حقق فوزًا ساحقًا في الانتخابات هذا الشهر.
وتبدي حكومة حزب العمال الجديدة في البلاد حماسا أكبر من سلفها المحافظ لتعزيز التعاون الدفاعي مع الحلفاء الأوروبيين، وتحركت بسرعة لتوقيع اتفاقية تعاون مع ألمانيا يوم الأربعاء.
- في إطار جولة أوروبية شملت فرنسا وبولندا وإستونيا استمرت 48 ساعة هذا الأسبوع، أبرم وزير الدفاع البريطاني جون هيلي الاتفاق مع نظيره الألماني بوريس بيستوريوس.
- تلزم الاتفاقية الجانبين بتكثيف التنسيق الصناعي والعمليات المشتركة مع التطلع إلى المزيد من التعاون في المستقبل.
- وقال هيلي في بيان: “هذه الزيارات ترسل رسالة واضحة مفادها أن الأمن الأوروبي سيكون الأولوية الأولى للحكومة في الشؤون الخارجية والدفاعية”.
- وقال بيستوريوس “نريد تعزيز صناعة الأسلحة لدينا. نريد أن نعمل معًا بشكل أوثق في تطوير وإنتاج وشراء الأسلحة والذخيرة”.
ورغم أن الاتفاق لن يمثل تغييرا فوريا في العلاقات بين الجيشين ووزارتي الدفاع، فإنه يلزم الجانبين بالبدء في توحيد أنظمة الأسلحة والذخائر الخاصة بهما، وفق تقرير لـ “بوليتكو”.
أزمة صناعة الدفاع في أوروبا
وأبرزت الحرب في أوكرانيا، والاختلافات في الأسلحة المقدمة إلى هذا البلد الذي مزقته الحرب، مدى الانقسام الذي تعاني منه صناعة الدفاع في أوروبا.
وقد دفع هذا اللاعبين الكبار في القارة إلى التعهد بالعمل معا بشكل أوثق، حيث أشارت الحكومة البريطانية الجديدة إلى استعدادها للمشاركة بشكل مباشر في تلك البرامج.
وتعد المملكة المتحدة وألمانيا أكبر مساهمين أوروبيين لأوكرانيا عندما يتعلق الأمر بالمساعدات العسكرية وأكبر المنفقين المباشرين على الدفاع، حيث التزمتا بمبلغ 74.9 مليار يورو و66.8 مليار يورو على التوالي في عام 2023، وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
وقال هيلي، بعد ثلاثة أسابيع من توليه منصب الوزير، إن الاتفاق الجديد “سيعمل على إطلاق علاقة دفاعية عميقة وجديدة”.
وقالت وزارة الدفاع البريطانية إن “الأهداف المنصوص عليها في الإعلان المشترك الصادر يوم الأربعاء، تشمل تعزيز الصناعات الدفاعية في المملكة المتحدة وألمانيا، وتعزيز الأمن الأوروبي الأطلسي، وتحسين كفاءة العمليات المشتركة، ومواجهة التحديات الأمنية المتطورة مثل المجال السيبراني، ودعم أوكرانيا”.
في ديسمبر الماضي، قال هيلي لصحيفة بوليتيكو إن اتفاقية الدفاع الثنائية مع ألمانيا – إلى جانب اتفاقيات منفصلة مع فرنسا والاتحاد الأوروبي – تشكل أولوية لحكومة حزب العمال المستقبلية.
قطاع الدفاع في أوروبا
من برلين، يقول الخبير الاقتصادي، ناجح العبيدي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: تنظر القيادة الألمانية بقلق إلى احتمال عودة ترامب إلى البيت الأبيض؛ لأن ذلك سيعني خلط الأوراق من جديد في الناتو، ومزيداً من الضغوط على أوروبا عموماً وألمانيا على وجه الخصوص للعب دور أكبر على المستوى الدفاعي.. وهذا يشمل صناعة الأسلحة الألمانية.
ويضيف:
- وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس يؤكد مراراً على ضرورة جعل الجيش الألماني قادراً على خوض الحرب من خلال زيادة عدده وتزويده بأحدث الطائرات والدبابات وأنظمة الدفاع الجوي وغيرها من المعدات.
- لهذا الغرض أنشأت ألمانيا مباشرة بعد الحرب في أوكرانيا صندوقاً خاصاً بقيمة 100 مليار يورو لتمويل هذه المشتريات.
- جزء كبير من هذه “الكعكة” يذهب لصالح شركات السلاح الألمانية وفي مقدمتها راين ميتال وأير باص وتيسن كروب التي حققت مؤخراً قفزة نوعية في الإيرادات والأرباح.
ويوضح أنه تأكيداً لهذا النهج قام المستشار الألماني شولتس ووزير دفاعه بيستوريرس أخيراً بزيارة شركة راين ميتال التي تُصنع دبابة ليوبارد 2 التي تعتبر من بين أحدث الدبابات القتاليّة في العالم. وقام المسؤولان بوضع حجر الأساس لبناء مصنع ذخيرة جديد بقيمة 300 مليون يورو للشركة التي تلعب دورا رئيسيا في تزويد أوكرانيا بالذخيرة اللازمة لصد الحرب في أوكرانيا.
من خلال هذا المشروع وغيرة تسعى الحكومة الألمانية لتعزيز مبدأ الاعتماد على النفس في المجال الدفاعي تحسبا للضغوط التي قد يمارسها ترامب في حال حسمه للسباق الرئاسي في شهر نوفمبر المقبل.
ويستطرد: “غير أن هذا التحول نحو تشجيع الصناعات الدفاعية والذي يصب في سياق سباق عالمي للتسلح يواجه أيضا بمعارضة شديدة من بعض أحزاب المعارضة ومن الحركات الداعية للسلام”.
ماذا عن تركيا؟
وتعد تركيا أيضاً، من الدول التي يُمكن أن تؤثر عودة ترامب المحتملة على قطاع الدفاع لديها، وهو ما أبرزه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والذي قال إنه يعتقد بأن التغيير المحتمل في الإدارة الأميركية بعد انتخابات نوفمبر ربما يكون له مردود إيجابي على قطاع الدفاع المتنامي في تركيا.
ونقلت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية عن أردوغان قوله للصحفيين، الأحد: “نعتقد أن الانتخابات الأميركية سيكون لها دور حاسم في هذا الأمر. سنرى بشكل منفصل أنواع الخطوات التي يمكن اتخاذها مع نتائج الانتخابات، لكنني أعتقد أن المؤشر يتحول لصالح تركيا”.
وبسبب عقوبات سابقة متعلقة بالأسلحة فرضتها الولايات المتحدة وحلفاء آخرون في حلف شمال الأطلسي، تسعى تركيا إلى تطوير قطاعها الدفاعي، وهو ما يتضمن بناء طائرات مسيرة وسفن وطائرات حربية.
وفي هذا السياق، يشير الباحث في الشؤون التركية، كرم سعيد، إلى أن:
- هناك اتجاهات عديدة تتحدث عن أهمية الاهتمام بالصناعات الدفاعية خلال المرحلة المقبلة.
- فيما يتعلق باحتمالية عودة ترامب لتصدر المشهد في الولايات المتحدة الأميركية، فإنه من المتوقع أن ينخرط في كثير من الأزمات العالمية، تحديداً فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني وأزمات المنطقة.
- عودة ترامب وبما يتبعه من سياسات (الدفاعية)، تحفز عدد كبير من القوى الإقليمية والدولية.. هذه الدول ستتجه إلى تعزيز صناعاتها الدفاعية خلال المرحلة المقبلة.
ويشير إلى أن تركيا من بين تلك الدول، لافتاً إلى تصريحات سابقة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أشار خلالها إلى أن عودة ترامب من شأنها أن تسهم في تعزيز ودعم قطاع الدفاع التركي.. كما تحدث عن احتمال حدوث تطور في العلاقات الأميركية التركية رغم أن ترامب فرض عقوبات على هيئة الصناعات الدفاعية التركية في العام 2018 على خلفية احتجاز القس الأميركي في تركيا وحصول أنقرة على منظومة S-400 الروسية.
ويختتم سعيد بالقول: “مع التطور المحتمل المرتبط بوصول ترامب للبيت الأبيض من جديد، وحرص تركيا على تطوير علاقتها مع واشنطن، ربما يكون هناك تغير في ملامح الموقف الأميركي فيما يتعلق بمسألة الصناعات الدفاعي”.