كير ستارمر، زعيم حزب العمال البريطاني ورئيس الوزراء الحالي، يمثل نموذجاً للقائد السياسي الذي ارتقى من خلفيات متواضعة ليبرز على الساحة السياسية. كانت حياة ستارمر تعكس نموذجاً من الصرامة والالتزام منذ طفولته في بلدة صغيرة في مقاطعة سري الإنجليزية، حيث نشأ في بيت متواضع يعجّ بالتحديات.
يستكشف توم بالدوين في «كير ستارمر: السيرة الذاتية» تفاصيل سياسي بريطاني يشعر الكثيرون بأنهم يعرفونه، لكن القليل فقط يفهمونه حقاً. يقدّم الكتاب محتوى غنياً ومتنوعاً يغطي جوانب مختلفة من حياته، ومسيرته، مركزاً على الديناميكيات السياسية والشخصية. يبدأ الكتاب ب«سياسة الطبقات»، حيث يستكشف تأثير الخلفية الاجتماعية والاقتصادية لستارمر في تطوره السياسي. ويتناول فصلا «رؤية كلا الجانبين» و«مجدداً» الأساليب التي يعتمدها ستارمر للتوفيق بين الآراء المتباينة داخل حزب العمال، وكيف يسعى لإعادة توحيد الحزب بعد انقسامات شديدة.
ويركز المؤلف على التحديات الشخصية، بدءاً من تربيته في بلدة صغيرة، إلى آفاق القيادة السياسية، ما يضعه كشخصية غير نمطية في السياسة البريطانية. يستقي بالدوين تفاصيل هذه السيرة من مقابلات ولقاءات شخصية، ليضيء على الأبعاد الحميمة لحياة ستارمر التي شكلت شخصيته العامة، مثل حزنه، دوافعه، وحبه. تلقي السيرة الضوء على المشهد العاطفي لحياة عائلة ستارمر، التي طغى عليها مرض والدته بالتهاب المفاصل الروماتويدي الشديد، والمسؤوليات التي فرضتها عليه منذ صغره. يصور بالدوين أسرة كان فيها التعبير العاطفي مكبوتاً، وتعلّم ستارمر الصغير كيفية تقسيم مشاعره، وهي صفة ستحدد سلوكه، الشخصي والمهني.
ويصف المؤلف التحولات التي طرأت على ستارمر من شاب متمرّد، إلى محام محترم، وفي نهاية المطاف زعيم حزب العمال، ومساعيه السريعة والقاسية في إجرء تعديلات داخل الحزب. ويتطرق إلى الجدل والصراعات التي أثارتها هذه التغييرات، مقدماً رؤية متوازنة تبرز كلاً من الإعجاب والعداء اللذين أثارتهما قيادة ستارمر.
يتطرق الكاتب في فصلي «اللعب بقوة» و«استكشاف البدائل»، إلى استراتيجيات ستارمر في التفاوض والتغلب على المعارضة السياسية، بينما يبحث في فصلي «قيمة الجذور» و«من الخارج» في أهمية الانتماء والتأثيرات الخارجية في سياسته. ويكشف في فصلي «من الداخل» و«نحو تأكيد معين» كيف يتناول ستارمر التحديات داخل الحزب، وكيف يعزّز مكانته.
يعكس الكتاب أيضاً المشهد السياسي البريطاني الحالي، ويستكشف كيف أنه قد يعيد نهج ستارمر صياغة مستقبل الدولة البريطانية. كما يناقش نواياه وقدراته على الحكم على أعلى مستوى. ويتناول في فصلي «المرشح» و«الرجوع من الهاوية إلى أبواب السلطة» رحلة ستارمر نحو تصدر المشهد في حزب العمال، وتحولات الحزب تحت قيادته. ويستفسر في فصل «لو لم يكونوا هم فلماذا هو؟»، عن الأسباب التي جعلت ستارمر الخيار المفضل لقيادة الحزب، حيث يناقش تفاصيل عن القيادة، والمرونة، وقوة القناعة الشخصية في مياه السياسة العكرة.
ويلقي في فصل «مواجهة المستقبل» نظرة على توقعات وتحديات ستارمر المستقبلية كزعيم، خاصة أنه بدأ مسيرته كمحام في حقوق الإنسان، حريصاً على التزامه بالعدالة والمساواة. ويقدم بالدوين تفاصيل عن القضايا التي لم تحدد مسيرة ستارمر المهنية فحسب، بل وأيضاً شخصيته، موضحاً موقفه المبدئي ضد الانتهاكات. كما يخصص بالدوين مساحة كبيرة للتجديد الاستراتيجي الذي أجراه ستارمر على حزب العمال، بعد جيريمي كوربين. ويصف كيف أن أسلوب قيادة ستارمر، المميز بالحذر والمخاطر المحسوبة، كان يهدف إلى استقرار الحزب، وتوسيع نطاق جاذبيته.
تعاين هذه السيرة الصراعات الداخلية والمعارك الأيديولوجية التي ناور فيها ستارمر، مقدمة للقراء نظرة خلف الكواليس على تحديات القيادة الحزبية في أوقات مضطربة. علاوة على ذلك، لا تغفل السيرة الجوانب الشخصية من حياة ستارمر التي أثّرت في قراراته العامة، حيث ترسم الحكايات الشخصية صورة رجل لا يقوده الطموح السياسي فقط، ولكن أيضاً مجموعة عميقة من القيم الشخصية، والروابط الإنسانية.