مهّدت العلامات الأخيرة التي تشير إلى تراجع مستوى التضخم في أميركا، الطريق أمام بنك الاحتياطي الفيدرالي لإطلاق مسار خفض أسعار الفائدة.. فمع وجود علامات وفيرة على تباطؤ الاقتصاد الأميركي، تجمع أرآء معظم المراقبين على أن موعد خفض أسعار الفائدة وصل إلى وجهته النهائية وسيحدث في شهر سبتمبر 2024.
هذا الاتجاه أكدته نتائج استطلاع، أجرته رويترز منذ أيام قليلة، وشمل 100 خبير اقتصادي، حيث توقع 82 في المئة من المستطلعين أن يحدث الخفض الأول للفائدة الذي سيكون بمقدار 25 نقطة أساس في شهر سبتمبر المقبل، وذلك بدعم من العلامات الإيجابية التي تدل على أن التضخم بات في الاتجاه الصحيح.
ونظراً للانعكاسات المحتملة لقرار الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على السوق، ولضمان تحقيق أقصى استفادة من خطوته المتوقعة، لفت تقرير أعدته CNBC واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى ضرورة اتخاذ الأفراد، لخطوات مالية قبل صدور قرار خفض أسعار الفائدة، من أعلى مستوى لها منذ 3 عقود، وهذه الخطوات هي:
مراقبة الديون
مع خفض الفيدرالي للمعدل الأساسي لأسعار الفائدة، ستنخفض أيضاً الفائدة على الديون ذات معدل الفائدة المتغير مثل بطاقات الائتمان وبعض قروض الطلاب الخاصة، حيث يجب على المقترضين من الآن التدقيق بنوعية القروض التي يستخدمونها، لمعرفة ما إذا كانت ذات معدل فائدة متغير أو ثابت. وفي حال كنتم تستخدمون قروضاً ذات معدل فائدة متغير، فإن سينعكس ذلك انخفاضاً في قيمة مدفوعاتكم الشهرية.
أما في حال كنتم تستخدمون قروضاً ذات معدل فائدة ثابت، فقد تتمكنون من الحصول على فرصة لإعادة التمويل إلى قرض بسعر أقل تكلفة، من خلال استبدال القرض القديم بقرض جديد ذات فائدة منخفضة.
البحث عن استثمار أجدى
في الوقت الذي سيصبح فيه الاقتراض أقل تكلفة، فإن أسعار الفائدة المنخفضة ستضر بالمدخرين.
ونظراً لأن أسعار الفائدة على حسابات التوفير وشهادات الإيداع ستنخفض، فإن فرصة كسب 5 في المئة سنوياً على المدخرات النقدية لن تدوم، حيث يرى الخبراء أن هذا هو الوقت المناسب للتفكير في استثمار الأموال الخاملة، في أمور ذات عائد أعلى.
ويقول هوارد هوك، مستشار الثروة الأول لدى EKS Associates في برينستون، نيوجيرسي، إنه إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي يتطلع بالفعل إلى خفض الأسعار خمس مرات على مدى الثمانية عشر شهراً القادمة، فإن المكاسب التي يحققها الأفراد من وضع استثماراتهم النقدية في المصارف لن تستمر.
تأجيل المشتريات الكبيرة
إذا كنت تخطط لعملية شراء كبيرة، مثل شراء منزل أو سيارة، فقد يكون من الأفضل أن تنتظر، لأن أسعار الفائدة المنخفضة قد تقلل من تكلفة التمويل في المستقبل. فتوقيت عملية الشراء يجب أن تتزامن مع انخفاض الأسعار ما يسمح بتوفير المال على مدار عمر القرض.
وفي هذه الحالة، وفي العديد من المواقف الأخرى أيضاً، سوف يستفيد المستهلكون بشكل أكبر من تحسين درجاتهم الائتمانية، وهو ما قد يمهد الطريق للحصول على شروط قرض أفضل.
قرار يتخطى حدود أميركا
ويقول كبير محللي الأسواق المالية في FxPro ميشال صليبي، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، صحيح أن قرار خفض أسعار الفائدة يتخذه الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، إلا أن تأثير هذه الخطوة يتجاوز حدود الولايات المتحدة بشكل كبير، حيث أن العديد من المصارف المركزية حول العالم تتابع وتقتدي بالسياسات النقدية التي يحددها البنك المركزي الأميركي، نظراً للدور المحوري الذي تلعبه الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي، ولذلك فإن قرار الفيدرالي بخفض الفائدة لن يؤثر فقط على الاقتصاد الأميركي، بل سيمتد ليشمل اقتصادات أخرى، مشيراً إلى أن هذا الأمر لمسته الأسواق بشكل واضح في السنوات الأخيرة، إن كان في بداية الدورة التشديدية في عام 2022 عندما بدأت المصارف المركزية العالمية الرئيسية برفع أسعار الفائدة، بعد أن بدأ الفيدرالي الأميركي بهذه الخطوة، أم حالياً مع استعداد عدد من المصارف المركزية العالمية لعكس إتجاه سياستها النقدية تماشياً مع التحضيرات التي يقوم بها الفيدرالي الأميركي لخفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في سبتمبر، وذلك بإستثناء بنك اليابان الذي يبدو أنه يتجه لرفع أسعار الفائدة في إجتماعه المقبل.
وبالنسبة للخطوات المالية التي يجب القيام بها قبل صدور قرار خفض الفائدة، يرى صليبي أن خطوة “مراقبة الديون”، هي خطوة ضرورية، ففي حال وجود قروض بمعدل فائدة متغير، ستكون هناك استفادة مباشرة من قرار خفض الفائدة، حيث ستنخفض المدفوعات الشهرية، كما سينعكس الأمر إيجاباً بطبيعة الحال على القروض الجديدة التي ستكون تكلفتها أقل مع مرور الوقت، خصوصاً إذا استمر الفيدرالي بوتيرة خفض أسعار الفائدة في شهر ديسمبر المقبل، وليس فقط في سبتمبر، في حين أن المستفيدين من القروض ذات الفائدة الثابتة، عليهم النظر في خيار إعادة التمويل، للحصول على شروط أفضل.
خيارات استثمارية ذات عوائد أعلى
وبحسب صليبي فإنه من المعروف أن خفض أسعار الفائدة، يقلل من العوائد على حسابات التوفير وشهادات الإيداع، لذا، من الأفضل البحث عن خيارات استثمارية ذات عوائد أعلى، مثل السندات الحكومية طويلة الأجل لأنها عادة ما تكون مستقرة وآمنة، ولكن مع ضرورة مراقبة تأثير وتيرة إرتفاع سقف الدين الأميركي، كما يمكن التوجه لصناديق المؤشرات المتداولة في البورصة (ETFs) خصوصاً للمستثمرين الأفراد، فهذه الصناديق تتبع مؤشرات معينة إن كان في الاقتصاد أو في القطاعات ككل وتقدم تنوعاً في الاستثمار.
ويشرح صليبي أنه في حال استمرت المصارف المركزية العالمية الرئيسية، بسياسة خفض أسعار الفائدة بعد تراجع التضخم، فإن أسهم الشركات ذات القيمة السوقية الصغيرة، إضافة إلى الأسهم الدورية ( cyclical stocks) قد تكون الأكثر استفادة وهو الأمر الذي شهدناه في الأسابيع الماضية عندما تفوق مؤشر Russell 2000 الذي يتبع أداء أسهم الشركات الصغيرة على مؤشر S&P 500 وNasdaq، مشيراً أيضاً إلى احتمال أن نرى تحسناً في الذهب والفضة، خصوصاً إذا عادت المصارف المركزية أولها الصين وغيرها الى التحّوط من خلال زيادة إحتياطاتها بالذهب، في حين أنه علينا ألا ننسى أن زيادة الانفاق الحكومي، الذي قد يتبعه ترامب في حال فاز في السباق الرئاسي قد يزيد الضغط التضخمي، وذلك قد ينعكس إيجاباً أيضاً على الذهب.
وشدد صليبي على أنه بغض النظر عن الخيارات الاستثمارية، فإنه وفي ظل التقلبات التي تشهدها الأسواق والناتجة عن العوامل الجيوسياسية والاقتصادية والنقدية، من الضروري التركيز على التنويع المدروس في المحفظة الاستثمارية وإدارة المخاطر بشكل دقيق.
تأثيرات معقدة ومتعددة الأبعاد
من جهته يقول المحلل المالي محمد الحسن، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن قرار خفض الفائدة الأميركية له تأثيرات واسعة على الأسواق المالية والاقتصادية بشكل عام، ولذلك فإنه وقبل صدور هذا القرار، من المهم اتخاذ مجموعة من الخطوات المالية، التي تضمن الاستفادة القصوى من هذا التغيير وتجنب أي آثار سلبية محتملة، خصوصاً أن تأثيرات خفض الفائدة يمكن أن تكون معقدة ومتعددة الأبعاد، حيث تؤثر على مختلف أنواع الأصول والقطاعات بطرق مختلفة.
ويشرح الحسن أنه عندما يتم خفض الفائدة، تنخفض تكلفة الاقتراض، مما يمكن الشركات من الحصول على تمويل أرخص لتوسيع عملياتها، وهذا قد يؤدي إلى زيادة في أرباح الشركات، ما يدفع المستثمرين إلى شراء أسهم الشركات، وبالتالي ترتفع أسعار هذه الأسهم، مشيراً إلى أن انخفاض أسعار الفائدة يمكن أن يجعل القروض العقارية أرخص، مما يزيد من قدرة الأفراد على شراء العقارات، وهذا يمكن أن يؤدي إلى زيادة في الطلب على المنازل والأراضي، وبالتالي رفع أسعار العقارات.
وبحسب الحسن فإن انخفاض أسعار الفائدة يمكن أن يشجع الأفراد على زيادة الإنفاق، حيث أن تكاليف الاقتراض لشراء السيارات أو تمويل مشاريع جديدة، تصبح أقل، وهذا يمكن أن يعزز الطلب في الاقتصاد ويؤدي إلى نمو أكبر، خصوصاً في بعض القطاعات مثل الصناعة والخدمات المالية، لافتاً إلى أن الأفراد الذين لديهم قروض قائمة سيشعرون أن دخلهم القابل للتصرف، أصبح أكبر من السابق نتيجة لانخفاض أسعار الفائدة، وبدلاً من إنفاق جزء كبير من دخلهم على دفع الفوائد، يصبح لديهم دخل إضافي يمكنهم استخدامه لزيادة الإنفاق.
#أميركا
#الفائدة