إعداد/ محمد كمال
لم يكن الطريق إلى إتمام أكبر وأعقد صفقة تبادل سجناء بين روسيا والغرب منذ الحرب الباردة، سهلاً، فقد شهد مفاوضات واتصالات مكثفة على مدار شهور، نظراً لطبيعة السجناء المشمولين وضخامة الاتهامات الموجهة إليهم، ومدى أهمية كل منهم لجميع الأطراف.
وأطلقت روسيا سراح الأمريكي إيفان غيرشكوفيتش، مراسل صحيفة وول ستريت جورنال المدان بالتجسس، كجزء من العملية التي شملت المدان بالقتل فاديم كراسيكوف، والذي ينظر إليه باعتباره العمود الفقري للصفقة برمتها؛ إذ أبدت روسيا تشدداً على ضرورة أن تشمله أي صفقة محتملة للتبادل، فيما عارضت واشنطن بشدة إطلاق سراحه.
وتضمنت الصفقة بالإجمال 26 سجيناً، بينهم قصّر من الولايات المتحدة وألمانيا وبولندا وسلوفينيا والنرويج وبيلاروسيا وروسيا، بينهم عنصر البحرية الأمريكية السابق بول ويلان، وعدد من الصحفيين والمنشقين السياسيين والقصر.
- شهور من المفاوضات
وتم التوصل إلى الصفقة بعد أشهر من المفاوضات على أعلى مستويات الحكومات في الولايات المتحدة وروسيا وألمانيا، والتي ظهر السجين لديها «العميل الروسي» فاديم كراسيكوف، باعتباره العمود الفقري لهذا الترتيب.
وكان مسؤولو البيت الأبيض والدبلوماسيون الأمريكيون وموظفو وكالة المخابرات المركزية يتنقلون عبر أوروبا والشرق الأوسط، بحثاً عن حكومات صديقة ترغب في إطلاق سراح الجواسيس الروس المحتجزين مقابل الأمريكيين المحتجزين لدى موسكو.
واتصل الرئيس الأمريكي جو بايدن، قبل نحو ساعة من إخطار العالم بانسحابه من السباق الرئاسي في 21 يوليو، برئيس وزراء سلوفينيا، الذي كانت بلاده تسهم باثنين من الجواسيس الروس المدانين في عملية المبادلة، لتأمين العفو اللازم للصفقة. وسافر مدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز إلى تركيا الأسبوع الماضي للقاء نظيره هناك، ووضع اللمسات الأخيرة على الأمور اللوجستية لعملية المبادلة.
وفي قلب الصفقة كان كراسيكوف، القاتل المدان الذي تسعى روسيا لإطلاق سراحه منذ عام 2021. واتهم الرجل بأنه كان ضابط مخابرات سابق، وهو من قدامى المحاربين في الحرب السوفييتية الأفغانية، وقد أطلق النار على زعيم للمتمردين في حديقة في برلين وقتله، وكان يقضي عقوبة السجن مدى الحياة في ألمانيا.
وتم التفاوض على الاتفاق مع تصاعد التوترات بين روسيا والغرب بشأن الحرب في أوكرانيا.
وبينما سعت الولايات المتحدة على مدار عام إلى إخراج غيرشكوفيتش وويلان وآخرين دون تقديم كراسيكوف في المقابل، أوضح كبار مسؤولي المخابرات الروسية أنه لا يمكن التوصل إلى اتفاق بدونه. ووافق المسؤولون الألمان في نهاية المطاف، وحصلوا في المقابل على عدد من السجناء لدى روسيا.
واتبعت إدارة بايدن سلسلة من عمليات تبادل السجناء الكبيرة مع دول «معادية»، بما في ذلك إخراج 10 أمريكيين وهارب من فنزويلا العام الماضي، وصفقة كبيرة مع إيران أفرجت فيها الولايات المتحدة عن مليارات الدولارات من الإيرادات الإيرانية المجمدة. فيما تساءل معلقون حول ما إذا كانت مثل هذه الصفقات تشجع على اعتقال المزيد من الأمريكيين.
وقال مستشار الأمن القومي لبايدن، جيك سوليفان، في مقابلة: إن الرئيس «مستعد لاتخاذ القرار الصعب للتأكد من إعادة السجناء إلى وطنهم، وسوف يبذلون قصارى جهدهم للقيام بذلك، حتى لو اضطروا إلى دفع الثمن».
وتصنف وزارة الخارجية الأمريكية، عدداً من الدول، بما في ذلك روسيا وكوريا الشمالية، على أنها تشكل خطراً جسيماً للاعتقال، ما لا يشجع الأمريكيين على زيارتها. ويطلق عليهم المسؤولون الأمريكيون في أحاديثهم الخاصة اسم «الدول الخاطفة». وصنفت الولايات المتحدة غيرشكوفيتش وويلان على أنهما «محتجزان ظلماً»، الأمر الذي يلزم الحكومة بالعمل على إطلاق سراحهما.
تمت عملية التبادل المفصلة، يوم الخميس، بعد خمسة أشهر من الوفاة غير المتوقعة لزعيم المعارضة الروسية أليكسي نافالني في معسكر اعتقال في القطب الشمالي في فبراير. وكانت الولايات المتحدة وألمانيا تأملان في البداية أن يتم إطلاق سراح نافالني في اتفاق واسع النطاق بدأ بالتبلور في وقت سابق من هذا العام، بعد أن دعا بايدن المستشار الألماني أولاف شولتز إلى البيت الأبيض.
وأعاد البلدان تجميع صفوفهما بعد وفاة نافالني، وقاما بصياغة مسودة مقترحات ورقية فقط، تم تسليمها يدوياً من مكتب سوليفان إلى نظيره في ألمانيا. وحاول المسؤولون الممثلون لبايدن وشولتز على مدى أسابيع التغلب على العقبات اللوجستية لمثل هذه الصفقة الكبيرة.
وكان بوتين ومسؤولون آخرون يتحدثون بصوت عالٍ بشكل متزايد بشأن إجراء تبادل للسجناء مقابل غيرشكوفيتش وآخرين منذ أواخر العام الماضي. وفي مقابلة أجريت في فبراير مع تاكر كارلسون، أشار بوتين إلى أنه يريد بشكل خاص كراسيكوف، الذي أطلق النار على زعيم المتمردين في وضح النهار بحديقة عامة في قلب العاصمة الألمانية في عام 2019.
وتم اعتقال غيرشكوفيتش، وهو أول مراسل أجنبي متهم بالتجسس في روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، من قبل جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB) في مارس 2023، أثناء قيامه برحلة لتغطية التقارير في يكاترينبيرغ، على بعد نحو 900 ميل شرق موسكو، وفق صحيفة وول ستريت جورنال.
وقال ممثلو الادعاء إن غيرشكوفيتش كان يجمع معلومات عن مقاول دفاع لوكالة المخابرات المركزية. وقد نفى غيرشكوفيتش والحكومة الأمريكية بشدة الاتهامات الموجهة إليه.
وأصبح ويلان، وهو الأمريكي الذي قضى أطول فترة في السجن والذي اعتُبر محتجزاً بشكل غير قانوني في روسيا، مصدر قلق كبير لواشنطن. وشملت صفقة التبادل يوم الخميس أيضاً كورماشيفا، وهي صحفية في إذاعة أوروبا الحرة/راديو ليبرتي. حيث تم اعتقالها العام الماضي لعدم تسجيل جواز سفرها الأمريكي عندما دخلت روسيا في زيارة لوالدتها المسنة.
وفتحت السلطات الروسية قضية جنائية جديدة ضد كورماشيفا، التي تحمل الجنسيتين الأمريكية والروسية في ديسمبر/كانون الأول، بسبب كتاب ساعدت على تحريره ينتقد الحرب الروسية الأوكرانية، ووجهت إليها في نهاية المطاف تهمة نشر معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، قبل إدانتها بعد محاكمة سرية والحكم عليها في 19 يوليو/تموز. ونفت كورماشيفا التهم الموجهة إليها من خلال محاميها وعائلتها.
- الروس المفرج عنهم
ومن بين الروس المفرج عنهم، ضابط مخابرات مشتبه فيه كان يعيش متخفياً في شمال القطب الشمالي بالنرويج. كما أفرجت بولندا عن صحفي إسباني روسي المولد متهم بالتجسس. وأطلقت الولايات المتحدة سراح رجل أعمال روسي دِين بسرقة الملايين من الشركات الأمريكية. ومن بين السجناء السياسيين الروس الذين تم إطلاق سراحهم، ليليا تشانيشيفا التي كانت قريبة من نافالني.
ومن بين الأمريكيين الذين تركوا في السجون الروسية مارك فوغل، مدرس التاريخ في المدرسة الثانوية التي أرسل موظفو السفارة الأمريكية في موسكو أطفالهم إليها، ويقضي 14 عاماً في السجن. وتم القبض عليه في عام 2021 لحمله أقل من أونصة من الماريجوانا الطبية. وقال إنه كان ينوي استخدام الدواء لأغراض طبية لعلاج الألم المزمن.
وسعت الولايات المتحدة إلى إطلاق سراحه «لأسباب إنسانية». وقالت عائلته إنه يعاني اعتلالاً عصبياً، ويجري استبدال مفصل الورك، ما يجعله عرضة للسقوط.