تشير التوقعات الواردة في تقرير الثروة الأخير الصادر عن شركة نايت فرانك، إلى أنه “من المتوقع أن يزيد عدد سكان الصين من ذوي الثروات الفائقة (أي أولئك الأشخاص الذين تبلغ ثرواتهم الصافية 30 مليون دولار على الأقل) بنسبة 50 بالمئة تقريبًا في غضون بضع سنوات”.
وفي الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد الصيني رياحا معاكسة، ويتباطأ النمو، أين يقف أثرياء الصين، الذين من المتوقع أن يتضخم عددهم من 98.551 إلى 144.897 بحلول العام 2028؟
بحسب تقرير لشبكة “سي إن بي سي” الأميركية اطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” فإن الاتجاه الاستثماري الحالي للأثرياء الصينيين هو “مُحافِظ”، حيث تتدفق أموالهم إلى الأصول الدولية على خلفية الاقتصاد الصيني المتوقف بسبب قطاع العقارات المحاصر. ومع ذلك، لا تزال سوق العقارات الراقية في البلاد تشكل أحد الأصول المفضلة.
العقارات الفاخرة
نقل التقرير عن رئيس أبحاث الصين في شركة العقارات العالمية سافيلز، جيمس ماكدونالد، قوله: “لقد شهدنا زيادة ملحوظة في المعاملات داخل قطاع العقارات الفاخرة في شنغهاي”، عازيا ذلك إلى تخفيف السياسة الأخيرة من قبل الحكومة.
وأضاف أن الصين خففت عديداً من القيود على شراء العقارات، مما أدى إلى زيادة إطلاق العقارات الجديدة الراقية في مواقع وسط المدينة، وهو ما يعالج الطلب المكبوت.
في مايو الماضي، خفضت الحكومة عدد السنوات التي يتعين على الناس دفع الضرائب فيها في شنغهاي قبل أن يتمكنوا من شراء العقارات إلى ثلاث سنوات بدلاً من خمس سنوات. كما تم خفض نسب الدفعة الأولى للمشترين لأول مرة إلى 20 بالمئة بدلاً من 30 بالمئة.
ووفق رئيس أبحاث شركة سي بي ار اي في الصين، سام شيه، فإن المساكن الفاخرة، وخاصة في شنغهاي، كانت استثمارا جيدا للأفراد المحليين ذوي الثروات العالية والعائلات الغنية في السنوات الأخيرة بسبب ندرتها.
وبحسب البيانات التي قدمها شي، فإن حجم المعاملات للمساكن المبنية حديثًا بسعر لا يقل عن 2.75 مليون دولار لكل وحدة نما بنسبة 38 بالمئة على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2024. وأشار شي إلى أن 40 بالمئة من هؤلاء المشترين هم من السكان المحليين في شنغهاي.
وقالت لي رئيسة قسم أبحاث منطقة آسيا والمحيط الهادئ في شركة نايت فرانك، كريستين، إن مشاريع فاخرة مثل أربور في منطقة التسوق الراقية في شنغهاي وذا بوند جاردن في جرينتاون وشنغهاي آرك في المنطقة المالية لوجيازوي بيعت على الفور عند إطلاقها. وأضافت لي أن سوق العقارات الفاخرة في الصين لا يزال يتركز في المقام الأول في المناطق الأساسية للمدن من الدرجة الأولى.
ووفق كبير مسؤولي الاستثمار في مكتب عائلة هيفينج، ستيفن باو، فإنه “في المشهد الحالي، تمثل المنازل الفاخرة في شنغهاي أصولاً قيمة للحفاظ على الثروة والسيولة، وخاصة بالنسبة للأفراد ذوي القيمة الصافية العالية للغاية”.
ونقلت الشبكة عن خبراء قولهم إن فئات الاستثمار المحلية الأخرى، مثل سوق العقارات الأوسع والأسهم المدرجة في الصين، لا تحظى بشعبية كبيرة بين الأثرياء.
الأصول الخارجية
الرئيس التنفيذي لمكتب هايوين إنترناشيونال متعدد العائلات ومقره هونغ كونغ، نيك شياو، قال: “كان العملاء الصينيون تقليديًا يميلون إلى الاستثمار في العقارات وأسهم السوق المحلية”.
لكن هؤلاء المستثمرين الصينيين الأثرياء أصبحوا يحتضنون مجموعة متنامية ومتنوعة من فئات الأصول، بما في ذلك العملات، والائتمان الخاص، والأسهم الخاصة، وسندات الخزانة الأميركية، وأسهم الأسواق المتقدمة.
وأضاف: “بالنسبة لعديد من العملاء الصينيين، توفر الأسهم الأميركية واليابانية المشاركة في القطاعات ذات النمو المرتفع والاتجاهات العلمانية التي لن تنعكس في الأمد القريب”، مضيفاً: سندات الخزانة الأميركية تساعدهم في تأمين عائدات مرتفعة تاريخياً، وتوفر الأسهم الخاصة العالمية طبقة من التنوع فوق التعرض للسوق العامة.
وعلى نحو مماثل، أشار باو إلى أن تدفق الأموال إلى الأصول الدولية من جانب الصينيين الأثرياء ينعكس في زيادة المخصصات عبر المستثمرين المؤسسيين المحليين المؤهلين والشراكة المحدودة المحلية المؤهلة. ويمثل المستثمرون المؤسسيون المحليون المؤهلون نظاماً يسمح للمؤسسات المالية بالاستثمار في الأوراق المالية خارج الصين. أما الشراكة المحدودة المحلية المؤهلة فهي برنامج يسمح بتحويل اليوان المحلي إلى عملات أجنبية للاستثمار في الخارج.
وبحسب باو، فإن الأثرياء الصينيين يتحولون نحو الحفاظ على رأس المال والمنتجات ذات العوائد الأعلى والمنخفضة المخاطر مثل سندات الخزانة الأميركية، وخاصة بعد تعرضهم للخسائر في العقارات والأسهم المحلية، موضحاً أن “هذا يتناقض مع نهج الاستثمار الأكثر تنوعاً الذي يتبناه الأفراد الأثرياء في أجزاء أخرى من العالم، والذين غالباً ما يكونون على استعداد لتخصيص الأموال لصناديق الاستثمار المشتركة ومحافظ الأصول المتعددة”.
تحديات تواجه الاقتصاد الصيني
علَّقَ الباحث في الشؤون الاقتصادية، مازن أرشيد، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، قائلاً: الاقتصاد الصيني يواجه في المرحلة الراهنة مجموعة من التحديات التي تؤثر على نموه واستقراره، واحدة من أبرز هذه التحديات هي التباطؤ الاقتصادي.
وأضاف أرشيد: “على الرغم من أن الصين حققت نمواً اقتصادياً مثيراً للإعجاب خلال العقود الماضية، فإن معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي انخفض إلى حوالي 5.2 بالمئة في العام 2023 مقارنةً بمتوسط بلغ حوالي 10 بالمئة في العقدين الماضيين”.
وذكر الباحث الاقتصادي أن هذا التباطؤ يعود جزئياً إلى عدة عوامل، منها:
- التحولات الهيكلية في الاقتصاد الصيني.
- التحول من نموذج النمو الذي يعتمد على الاستثمار والتصدير إلى نموذج أكثر اعتمادًا على الاستهلاك المحلي.
وأفاد أرشيد بأن التحدي الثاني يتمثل في التوترات التجارية مع الولايات المتحدة وغيرها من الشركاء التجاريين الرئيسيين. فقد فرضت الولايات المتحدة رسوما جمركية على بضائع صينية بمئات المليارات من الدولارات، مما أثر سلبًا على الصادرات الصينية.
وشدد الباحث الاقتصادي على أن التحدي الثالث هو ديون الشركات والحكومة المحلية (..) فالنسبة المرتفعة للديون تعني أن هناك مخاطر كبيرة تتعلق بالتعثر المالي، خاصة في القطاعات التي تعاني من ضعف الأداء مثل العقارات. على سبيل المثال، تعرضت شركة “إيفرغراند”، واحدة من أكبر شركات التطوير العقاري في الصين، لأزمة سيولة كبيرة في السنوات الأخيرة، مما أثار مخاوف بشأن الاستقرار المالي الأوسع.
الاقتصاد الصيني
وإلى ذلك، أوضح الخبير الاقتصادي، جعفر الحسيناوي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن هناك مجموعة تحديات الصينيين، منها سياسية وأخرى ذات طابع اقتصادي وتشمل:
- اعتماد الصين في عديد من الصناعات على المواد الخام المستوردة من خارج الصين من خامات ومعادن والنفط والغاز وأغلب هذه الدول تعاني من حالة عدم استقرار أمني ما يجعل الاقتصاد الصيني رهن الأوضاع الداخلية لتلك الدول.
- المنافذ التسويقية للبضائع الصينية أغلبها تذهب إلى تلك الدول المذكورة سابقاً وهذاما يجعل هذه البضائع أيضاً رهن التحديات السابقة.
- التهديدات الاقليمية المتمثلة بالطموح الهندي للتسلق إلى قمة الاقتصاد الدولي كمنافس قوي في المنطقة، فضلا عن ذلك حالة تأزم العلاقات السياسية، وذلك لوجود عداء تاريخي بين البلدين.
- علاوة على التحديات والمشاكل الداخلية.
وتعد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة من أبرز سمات السياسة الاقتصادية العالمية في العصر الحديث، حيث تمثل هذه المنافسة تحديات وفرصاً في آن واحد.
- تسعى كل من الصين وأميركا إلى تعزيز مواقعها في السوق العالمية، وهو ما يؤدي إلى تصاعد التوترات التجارية والتقنية بين البلدين.
- في هذا السياق، تلعب السياسات التجارية والتقنيات الحديثة دوراً محورياً في تحديد ملامح هذه المنافسة. حيث يُمكن أن تؤدي هذه التوترات إلى تقليص حجم الصادرات الصينية إلى السوق الأميركية، مما يضغط على الاقتصاد الصيني ويزيد من تكاليف الإنتاج والتشغيل.
- تُجبر المنافسة مع الولايات المتحدة الصين على تسريع وتيرة الابتكار وتعزيز الاستثمارات في التكنولوجيا والبنية التحتية.
- هذا التحول يقدم دفعة قوية للاقتصاد الصيني على المدى الطويل، حيث يساعد على تنويع مصادر النمو وتحسين جودة الإنتاج وزيادة القدرة التنافسية العالمية. رغم أن التوترات الحالية قد تخلق تحديات فورية، إلا أن الصين تسعى إلى استغلال هذه الضغوط لدفع عملية التحديث والتطوير، مما يسهم في تعزيز قدراتها الاقتصادية والسياسية في الساحة الدولية.
#الصين
#اقتصاد عالمي