«أوكرانيا دولة في أوروبا. وهي موجودة بجوار دولة أخرى تسمى روسيا. روسيا دولة أكبر. روسيا دولة قوية. قررت روسيا غزو دولة أصغر تسمى أوكرانيا. لذلك هذا خطأ في الأساس»، لم تكن العبارات السابقة محاولة شرح لأطفال في مدرسة أمريكية، ولكنه التحليل الشهير لنائبة الرئيس والمرشحة الديمقراطية للرئاسة كامالا هاريس لطبيعة الصراع الروسي الأوكراني خلال مقابلة إذاعية. وهو ما أُعيد تسليط الضوء عليه بسخرية لاذعة، في ظل الكشف عن مدى توتر العلاقات بين هاريس والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وتشير تقارير إعلامية غربية إلى أن توصيف هاريس المخل للأزمة الأوكرانية يكشف عن عيوبها الاستيعابية بشأن الحرب الدائرة، في الوقت الذي يفاقم ذلك ما يعتبره البعض علاقة غير مستقرة مع زيلينسكي، والذي لن تكون أفضل حالاً من علاقاته المتقلبة مع منافسها الجمهوري دونالد ترامب.
وفقًا لتقرير نشرته مجلة تايم، قبل أيام من اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، كان هناك خلاف استراتيجي متوتر بين هاريس وزيلينسكي في مؤتمر ميونيخ الأمني حول كيفية الرد على روسيا في حال وقوع الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين.
وأشار أوليكسي ريزنيكوف، وزير الدفاع الأوكراني آنذاك، إلى أن هاريس دحضت طلب زيلينسكي بفرض عقوبات وقائية ضد روسيا على أمل أن يمنع ذلك الحرب، وبدلاً من ذلك، سجل ريزنيكوف أن الولايات المتحدة فضلت أن يعلن زيلينسكي أن الهجوم الروسي بات وشيكاً، لكنه رد عليها قائلا: «تريدين مني أن أعترف بهذا، ولكن ماذا سيعطيك ذلك.. إذا اعترفت بذلك هنا في هذه المحادثة، هل ستفرضون عقوبات؟»، لكنه لم يحصل على إجابة وقتها.
ـ لا زيارات لأوكرانيا ـ
ورغم أن هاريس لم تزر أوكرانيا قط، فقد التقت بزيلينسكي ست مرات، مندوبة عن الرئيس جو بايدن لتمثيل الولايات المتحدة في أكبر صراع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وحاولت هاريس تعزيز أوكرانيا في يونيو/حزيران الماضي، عندما تعهدت بأن الولايات المتحدة ستقدم 1.5 مليار دولار لدعم البنية التحتية للطاقة وتقديم المساعدة الإنسانية.
ويقول أحد مساعدي بايدن السابقين: «من الناحية الجوهرية، كامالا هاريس تشبه جو بايدن – فهي دولية ليبرالية تدعم التحالفات العالمية، وحلف شمال الأطلسي القوي وأوروبا القوية». لكن في أسلوبهما الدبلوماسي، فهما مختلفان، والغريب أنه في ضوء كل الاهتمام بالتحديات العمرية التي يواجهها بايدن، كان أكثر نشاطاً وثقة من هاريس فيما يتعلق بأوكرانيا..
ويشدد في تصريحات لصحيفة «التليغراف» على أن هاريس أهدرت العديد من الفرص لإقامة علاقة لائقة مع زيلينسكي، كما أن تعاملها غير المؤكد مع الأزمة لا يبشر بالخير إذا فازت بالرئاسة.
ـ زلات هاريس وأوكرانيا ـ
ووقعت هاريس في كثير من الأحيان في العديد من الأخطاء عندما حاولت التحدث عن الأزمة الأوكرانية، واضطرت إلى حذف وإعادة كتابة تغريدات وفي مارس 2022 كتبت:«الولايات المتحدة تقف بحزم إلى جانب الشعب الأوكراني دفاعاً عن حلف الناتو»، ولكن تم تحريرها لتوضيح أن أوكرانيا ليست عضواً في الحلف».
أما ضحكتها الشهيرة التي أطلقتها خلال مؤتمر صحفي في بولندا، تعليقاً على أوضاع اللاجئين الذين فروا من أوكرانيا، فكادت تسبب أزمة دبلوماسية، لدرجة أن السكرتيرة الصحفية السابقة لزيلينسكي، يوليا مندل، كتبت على منصة إكس: «ستكون مأساة إذا فازت هذه المرأة بالرئاسة». وسرعان ما حذفت مندل تغريدتها، لكن التصور السائد بين المراقبين السياسيين هو أوكرانيا خارج نطاق اهتمام هاريس إلى حد ما.
وأمام سيل الانتقادات الجارف، حاولت هاريس إثبات مدى جديتها في التعامل مع الأوضاع في أوكرانيا، ومن بين ذلك انتقادها للجمهوريين الذين ترددوا علناً بشأن توفير المزيد من الموارد لأوكرانيا، قائلة في فبراير الماضي: «ليس للمهارة السياسية أي دور تلعبه فيما يتعلق بشكل أساسي بأهمية الوقوف مع حليف بينما يتحمل عدواناً غير مبرر».
لكن عضوة الكونجرس الجمهورية فيكتوريا سبارتز، وهي الوحيدة في المجلس الأوكرانية المولد، وجهت الازدراء إلى هاريس، قائلة لقناة فوكس بيزنس: «في 2022، عندما ذهبت كامالا لتمثيل الرئيس بايدن في بولندا، كان الجميع يضحكون عليها وهي تصف جغرافية أوكرانيا. وكذلك وهي تضحك أثناء حديثها عن اللاجئين.. لا يمكنها حتى أن تتحدث بشكل جيد!»
ويقول دوج باندو، المساعد الخاص السابق للرئيس رونالد ريجان، والزميل البارز في معهد كاتو الأمريكي:»لم تشارك كامالا هاريس بعمق في تطوير السياسة الخارجية بشكل عام، أو أوكرانيا وروسيا بشكل خاص«. وأضاف:»من المرجح أن يقتصر فهمها على النقاط السطحية.. هناك القليل من الأدلة على أن لديها الكثير من الاهتمام أو المعرفة بهذه القضايا«. لكنه يضيف: «ليس الأمر أنها غير قادرة على اكتساب فهم أعمق. لكن يبدو أنه لم يكن لديها سبب أو فرصة للقيام بذلك».
يقول إلبريدج كولبي، الخبير الاستراتيجي البارز في السياسة الخارجية: «التفسير الأكثر دعماً لهاريس هو أنها ستواصل السياسات الخارجية للرئيس بايدن، رغم الانتقادات التي طالته».
ـ التعلم من الممارسة ـ
ويعتقد كثيرون أن هاريس إذا فازت بالانتخابات الرئاسية فلن يكون أمامها سوى خيار التعلم أثناء الوظيفة، متخذة من سياسة بايدن نقطة انطلاق لها». لكن في البداية، ستكون مهتمة أكثر بالتركيز على السياسة الداخلية، إذ أنها لا تشارك بايدن التزامه طوال حياته المهنية بالشؤون الدولية.
ويقول الدكتور جيمس كارافانو، زميل مركز الأبحاث البارز «مؤسسة التراث»: «لم تطور كامالا هاريس أي علاقات دولية وثيقة أعرفها، وسيكون هذا صعباً عليها إذا تم انتخابها رئيسة.. لكن زيلينسكي أظهر باستمرار قدرته على العمل مع مجموعة واسعة من القادة، ومن المؤكد أنه سيجد طريقة للعمل بشكل بناء مع فريقها».
ويبدو أن أوضاع زيلينسكي لن تكون أحسن حالاً إذا فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالرئاسة، فمن المتوقع أن تكون علاقتهما أكثر تقلباً، وقد حاول خلال توليه الرئاسة حجب الدعم العسكري. وفي يونيو/حزيران، أشار ساخراً إلى زيلينسكي باعتباره «ربما أعظم بائع سياسي على الإطلاق». وذلك رغم قوله خلال محادثته الأخيرة مع إيلون ماسك إن زيلينسكي «مشرف للغاية».