إعداد: معن خليلهناك الكثير من الجنود المجهولين في عالم الرياضة ومنهم «جامعو الكرات» الذين لهم أدوار أساسية في الألعاب المختلفة دون أن يلاحظ أحد أهميتهم، طالما أن الأضواء تبقى مسلطة على فئات أخرى من لاعبين ومشجعين وحكام وأندية واتحادات، قبل أن يقفز هؤلاء إلى الواجهة، عندما خرجوا عن حدود الواجبات الممنوحة لهم وتحولوا إلى مهدرين للوقت في ظاهرة تكررت في أكثر من مباراة، وبعضهم أصبح جزءاً من خطة المدربين.في موقعة ذهاب ربع نهائي دوري أبطال أوروبا في إبريل الحالي بين مانشستر سيتي وأتلتيكو مدريد، قام الإسباني بيب جوارديولا مدرب سيتي بإعطاء تعليمات واضحة جداً لجامعي الكرات في الاستاد، بتمرير الكرة بسرعة للاعبين كي لا يضيع الوقت.وقال مدرب مانشستر سيتي لجامعي الكرات القادمين من فرق سيتي دون الـ12 ودون الـ14 عاماً عبر تسجيل فيديو بأنهم سيلعبون دوراً مهماً في خطته التكتيكية للمباراة، وأن عليهم تزويد اللاعبين بالكرة سريعاً بعد خروجها حتى لو كانت للاعب من أتلتيكو مدريد.و«جامعو الكرات» أو«بول بويز» حسب مصطلحه الإنجليزي أصبحت تسمية متداولة خصوصاً في ألعاب كرة القدم والتنس والبيسبول وكرة القدم الأمريكية، وتطلق على الأشخاص الواقفين في أكثر من جهة خارج الملعب ومهمتهم استرجاع الكرة وإعادتها إلى اللاعبين.ولقد تنوعت وظائف «فتيان الكرات» في لعبة كرة القدم خصوصاً خلال السنوات الأخيرة لتشمل أيضاً ما أصبح يعرف بـ«مرافقي اللاعبين» الذين يصطحبون أفراد الفريقين قبل نزولهم إلى الملعب لخوض مباراتهم، أو الذين يرفعون لافتات الاتحادات الوطنية والقارية والدولية الداعية إلى اللعب النظيف وغيرها من الشعارات.البداية من ويمبلدونتاريخياً، فإن مصطلح «جامعي الكرات» ظهر للمرة الأولى في عالم الألعاب الرياضية عام 1920 وتحديداً في بطولة ويمبلدون البريطانية الشهيرة للتنس، حيث كان من الضروري تواجد أشخاص في الملعب تكون وظيفتهم جلب الكرات من أجل عدم إهدار الوقت إضافة إلى تقديم المناشف للاعبين في فترة الاستراحة وتقديم كل متطلبات الراحة لهم، وتم تحديد هوية هؤلاء بأن يكونوا من الفتيان الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين 9 سنوات و15 سنة، وكان يتم جلب الفتيان من «بيوت شافتسبري» الشهيرة وقتها والتي كانت تعنى برعاية الأطفال الفقراء.ومنذ عام 1946 بدأ يتم اختيار «جامعي الكرات» من المدارس والمتطوعين، وقد عرفت هذه المهنة عدة تطورات بعدما سمح للفتيات عام 1977 بالقيام بها، ومن ثم أصبح هناك جامعون للكرات من الجنسين في مباراة واحدة ابتداء من عام 1980.أما في كرة القدم فقد دخل مصطلح «جامعي الكرات» في الخمسينات في تقليد لما هو معمول به في لعبة التنس، ولقد فرض الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» بالتعاون مع المجلس الدولي للعبة «البورد» تواجد هؤلاء للحد من إضاعة الوقت لأنه يفسد متعة اللعبة.ويعرف على نطاق واسع أن الكرة البرازيلية عرفت «جامعي الكرات» قبل انطلاق مونديال 1950 الذي أقيم في البلاد، حيث إنه بعد بناء استاد ماراكانا كانت هناك حاجة ماسة لتواجد أشخاص يعيدون الكرة التي تذهب خارج الملعب نتيجة التسديدات من قبل اللاعبين، ولقد استعان البرازيليون بالناشئين لإحضار الكرات الطائشة وأطلقوا على الولد الذي يركض وراءها اسم «جانديولا».ولاسم «جانديولا» حادثة طريفة، ذلك أن التسمية جاءت من اسم اللاعب الأرجنتيني الراحل برناردو جانديولا الذي انتقل للعب في نادي فاسكو دي جاما البرازيلي عام 1939، وترك اللاعب مفارقة يتندر بها البرازيليون بعدما عجز عن فرض نفسه لاعباً أساسياً في صفوف الفريق وبقي في دكة الاحتياط حتى جاءته فرصة اللعب في آخر 5 دقائق من إحدى المباريات، لكنه لم يلمس الكرة في الدقائق القليلة التي شارك فيها، غير أنه طارد إحدى الكرات التي خرجت من الملعب وانزلق في الطريق من فرط إصراره لإثبات نفسه وقد أكمل طريقه وجلب الكرة وأسرع في وضعها في منطقة حارس مرماه حرصاً منه على عودة اللعب بسرعة، لكن أماله تبخرت بعدما انتهت المباراة دون أن يلمس الكرة، وترك بعد نهاية الموسم البرازيل وعاد إلى بلاده تاركاً وراءه المصطلح الذي بقي حتى الآن.شروط وواجباتوهناك عدة شروط يجب أن تكون متوفرة في «جامعي الكرات» وهي تختلف من لعبة إلى أخرى، حيث يحددها مثلاً منظمو دورة ويمبلدون للتنس التي تنطلق في منتصف يونيو من كل عام بأن يتم المتقدمون من ذكور وإناث 8 وحدات من برنامج التدريب على الإنترنت، وأن لا يخضعوا لامتحانات دراسية خلال فترة البطولة ولديهم معرفة جيدة بقوانين لعبة التنس، إضافة إلى اجتياز اختبار كتابي وأن يكون المتقدم قادراً على تنفيذ التعليمات والتدريبات التي تنطلق منذ شهر فبراير، والأهم أن يمتلك اللياقة البدنية والقدرة على التحمل والتركيز واليقظة.وعادة يختار منظمو بطولة ويمبلدون حوالي 250 طفلاً من بين حوالي 700 من مقدمي الطلبات يتم توزيعهم على 127 مباراة.ويختلف الوضع في بطولات كبرى أخرى حيث يطلب منظمو دورة رولان جاروس الفرنسية فتياناً وفتيات من عمر 12 إلى 16 سنة ويشترط أن يكون المتقدم فرنسياً ولا يرتدي نظارات أو عدسات لاصقة، ويتم اختيار 250 شخصاً يعيش نصفهم في العاصمة باريس وضواحيها.والاختبارات التي يمر بها «جامعو الكرات» ليست سهلة حيث يشتمل برنامجهم على التدريبات العامة للحركة واللياقة والدوائر والمهارات مثل الدحرجة والتقديم والاستقبال والعمل المعرفي المتعلق باللعبة، إضافة إلى التصويب على خط مستقيم لإيصال الكرة إلى الجهة الصحيحة، كما يتم العمل على مجموعة أخرى من المهارات والتركيز تحت الضغط والمشاركة في مباراة تجريبية.وبالنسبة لكرة القدم، فإن عملية الاختيار تكون من قبل الأندية نفسها التي تستقبل المباريات وعادة ما يكون «جامعو الكرات» من لاعبي الأكاديمية في النادي وهو لا يحتاج إلى مهارات خاصة، على اعتبار أن المهمة في ملاعب الكرة تكون أسهل عن مثيلاتها في التنس التي تتطلب بعض الأعمال التي يجب التدرب عليها، وخصوصاً أن لاعبي التنس يغيرون كرات اللعب دائماً.مرافقو اللاعبينوتتميز لعبة كرة القدم عن غيرها بأنها طورت مهام «بول بويز» إلى مفهوم آخر هو «الأطفال المرافقون للاعبين» حيث يقوم 22 طفلاً بالتواجد مع عناصر الفريقين في الممر الذي يؤدي إلى غرف الملابس حتى لحظة دخولهم إلى الملعب، وهو عمل إنساني بحت بدأ الاتحاد الدولي لكرة القدم بتطبيقه منذ عام 2002، قبل أن يلقى رواجاً كبيراً وطبق أولاً في نهائي دوري أبطال أوروبا وكأس الاتحاد الإنجليزي، أما اليوم فأصبح يعتمد كتقليد في معظم البطولات الوطنية والقارية والعالمية.وكانت الفكرة موجودة في بعض البطولات الوطنية وخصوصاً في إسبانيا، لكن شركة ماكدونالدز جعلتها عالمية وأكثر إنتاجاً عندما اتفقت مع «فيفا» منذ مونديال عام 2002 الذي أقيم في اليابان وكوريا الجنوبية على استقدام نحو 1400 طفل من معظم دول العالم وتتراوح أعمارهم من 6 إلى 10 سنوات لمرافقة اللاعبين لحظة دخولهم أرض الملعب مما يكسبهم فرصة تاريخية للالتقاء بلاعبيهم المفضلين وتبادل الحديث معهم.ويتضمن البرنامج أنشطة اجتماعية وترفيهية في البلد المنظم للمونديال، هذا عدا أن عملية اختيار الأطفال المرافقين تكون عبر مجموعة متنوعة من الاختبارات تشمل أنشطة ثقافية ومسابقات وكتابة مقالات وغيرها.وشمل برنامج مرافقة اللاعبين في السنوات الأخيرة عوامل إنسانية، حيث ارتدى المرافقون للاعبين في كوبا أمريكا عام 2007 في فنزويلا شعار اليونيسيف، في حين تم اختيار أطفال من فلسطين وأفغانستان لمرافقة اللاعبين في كأس آسيا 2011 في قطر، هذا عدا عن أن بعض المباريات المحلية تشهد مشاركة لأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة.إلى النجوميةوالواضح أن فكرتي جامعي الكرات ومرافقي اللاعبين أثمرت في صعود أطفال مغمورين إلى عالم النجومية إن كان في لعبتي التنس أو كرة القدم، حيث إن اللاعب السويسري الشهير روجيه فيدرر كان في بدايته من أطفال جامعي الكرات خلال بطولة بازل التي تقام سنوياً في بلاده.وعند فوزه بلقب بطولة بازل عام 2006 احتفل فيدرر مع جامعي الكرات الذين كان واحداً منهم قبل أكثر من عقد من الزمن حيث اقتسم معهم شطائر البيتزا وقال مبتسماً: الفوز في وطني لحظة لا أنساها، إنه شعور رائع لا يمكن تصديقه، عندما نظرت إلى جامعي الكرات تذكرت نفسي وأنني كنت واحداً منهم قبل 12 عاماً أو أكثر..وفجأة وجدت نفسي أحمل لقب البطولة في الملعب نفسه الذي كنت فيه طفلاً للكرات.أما في كرة القدم، فهناك الكثير من المشاهير الذين كانوا في بدايتهم من جامعي الكرات مثل الهولندي يوهان كرويف عندما كان طفلاً في نادي أياكس أمستردام، وجوسيب جوارديولا المدرب الحالي لنادي برشلونة، وحارس منتخب ألمانيا ونادي شالكه مانويل نوير المولود عام 1986 والذي كان أحد فتيان الكرات في نهائي دوري أبطال أوروبا عام 2004 الذي أقيم في ملعب شالكه وجمع موناكو الفرنسي وبورتو البرتغالي.والأمر نفسه تكرر مع المغربي حسين خرجة لاعب إنتر ميلان السابق والذي كشف أنه في بداية مشواره في أكاديمية نادي باريس سان جيرمان الفرنسي كان من جامعي الكرات وقدم إحداها عام 1996 إلى البرازيلي ليوناردو الذي كان يلعب حينها لسان جيرمان ودرب لاحقاً خرجة في الإنتر.أما الإسباني راؤول جونزاليس النجم السابق لريال مدريد فلقد كان أحد الأطفال الذين رافقوا لاعب أتلتيكو مدريد ماركوس ألونسو، عندما كان لاعباً في أكاديمية أتلتيكو وهو في السادسة من عمره.نقطة نظاملكن ليس كل شيء مضيئاً في مسيرة جامعي الكرات بعدما تحولت هذه المهنة الجميلة إلى مكان لارتكاب الأخطاء بفعل توجيهات الأندية الطامحة إلى الفوز ولو كان على حساب المبادئ.وكان الدوري الإسباني عاش منذ سنوات ظاهرة إهدار الوقت والتي كان أبطالها جامعي الكرات والذين تعرضوا عام 2006 لموقف هو الأول من نوعه في تاريخ كرة القدم عندما أقدم حكم مباراة ريال بيتيس وضيفه أتلتيكو مدريد على طرد 14 صبياً تبلغ أعمارهم بين 10 سنوات و12 عاماً، وذلك بسبب إهدارهم للوقت وعدم أداء مهامهم بالسرعة الكافية، حيث كشف جامعو الكرات أنهم تلقوا تعليمات من إدارة نادي بيتيس ليتعاملوا بهدوء ويأخذوا وقتهم في رمي الكرة إذا كان فريقهم متقدماً.وفي عام 2012 اضطر مونيز فرنانديز حكم مباراة ريال مدريد وأوساسونا إلى الطلب من المذيع الداخلي في ملعب أوساسونا تحذير جامعي الكرات لكي لا يكرروا فعلتهم بتأخير الكرة بعدما كان فريقهم متقدماً 1-صفر.وكان الأطفال المكلفون بجمع الكرات شتتوا تفكير لاعبي ريال مدريد في الدقائق الأخيرة من المباراة وقاموا أكثر من مرة برمي كرة ثانية في الملعب عند الهجمات الخطرة للفريق الملكي.ولاء مطلقويرى النقاد أن الأطفال من جامعي الكرات يملكون انتماء لأنديتهم ومنتخباتهم لا يقل عن اللاعبين الذي يلعبون في الملعب بل إنهم يسبقونهم أحياناً في إظهار الحماس والفرحة والعصبية والحزن أيضاً.وهناك الكثير من القصص والمفارقات حول جامعي الكرات الذين خطفوا الأضواء، ففي عام 2008 احتج نادي باليرمو على فوز منافسه روما في الدوري الإيطالي بعدما سجل اللاعب مانسيني هدفاً بمساعدة أحد الأطفال الذي نزل بسرعة إلى أرض الملعب بعكس اختصاصه ووضع الكرة في المكان المخصص للركلة الركنية لتنفذ ويأتي منها الهدف.وقد احتج باليرمو على اعتبار أن الهدف جاء مخالفاً للقانون الذي ينص على أن يقف جامعو الكرات خلف اللوحات الإعلانية وأن يكتفوا برمي الكرة لأقرب لاعب في الملعب، بينما تجاوز الطفل المعني جميع القوانين بإعداده الكرة لفريقه روما.وفي قصة مثيرة أخرى قرر الاتحاد البرازيلي لكرة القدم عام 2001 منع الفتى لوكاس سانتانا من دخول الملاعب لمدة 60 يوماً نتيجة تسببه في إضاعة الوقت في مباراة سانتوس وضيفه ساوباولو.وفي بيرو اشتكى نادي سان مارتن أن أطفال الكرات في ملعب نادي يونيفرستاريو تعمدوا إخراج الهواء من الكرات الاحتياطية الموجودة في الملعب بغرض تعطيل اللعب، بيد أن الإثارة الأكبر حدثت في الدوري البرازيلي في مباراة سبورت بويز مع ضيفه أتلتيكو منييرو الذي سجل هدفاً في اللحظات الأخيرة مما تسبب في غضب جامعي الكرات الذين اعتدوا على حارس مرمى الفريق المنافس وأسقطوه أرضاً.ويبقى ذلك كله عادياً أمام جامع الكرات الذي سجل هدفاً في مرمى سانتا كروز خلال مباراة جمعته مع أتلتيكو سوروكابا في الدرجة الثانية في البرازيل، حيث اتجهت الكرة إلى الخارج لكن الطفل الجالس خلف المرمى سددها مباشرة في الشباك ليحتسبها الحكم هدفاً ظناً منه أنه جاء بقدم أحد اللاعبين.
أخبار شائعة
- كيف غيّر الذكاء الاصطناعي عالم الموضة والجمال في 2024؟
- سلوك نادر لرئيس أميركي.. ترامب قد يطلب تسليم قناة بنما
- بعد هجوم قازان.. زاخاروفا تتحدث عن "أسامة بن زيلينسكي"
- أفراد الجيش السوري السابق يسلمون أسلحتهم لهيئة تحرير الشام
- أوكرانيا تواصل هجمات المسيرات على مقاطعات روسية
- الجيش الأميركي يعلن عن سقوط طيارين فوق البحر الأحمر
- السجن المشدد لروسي "نقل" معلومات إلى "إف بي آي"
- ترامب يعين المنتج "المبتدئ" مبعوثا خاصا إلى بريطانيا