لطالما كانت الوجبات السريعة المعلبة، التي تتميز غالباً بمستويات عالية من السكر والملح والدهون غير الصحية، عنصراً أساسياً في النظام الغذائي للعديد من الأفراد، ولكن في السنوات الأخيرة، برز تحول ملحوظ في سلوك المستهلكين أظهر ابتعاد الناس بشكل متزايد عن هذا النوع من الوجبات.
ويعود هذا التحول إلى مجموعة من العوامل أبرزها ارتفاع نسبة الوعي الصحي لدى المستهلكين، واتجاههم نحو بدائل غذائية أكثر نفعاً للصحة.
وحالياً تشهد قطاعات كبيرة في صناعة الأغذية المعبأة تراجعاً في مبيعاتها حول العالم، فقبل بضع أسابيع، أعلنت شركة بيبسيكو إنك – أكبر شركة لتصنيع أغذية البقالة في الولايات المتحدة – عن أرباحها الفصلية التي لم تكن جيدة، فبعد عدة سنوات من ارتفاع أسعار المنتجات، أصبح المستهلكون يشترون كميات أقل من الأطعمة والمشروبات التي تنتجها بيبسيكو، والتي تشمل رقائق البطاطس من إنتاج ليز ودوريتوس وماونتن ديو وغيرها من المنتجات.
وكان الانخفاض حاداً بشكل خاص في أميركا الشمالية، مع تراجع حجم مبيعات المشروبات والوجبات الخفيفة المالحة، حيث ألقى الرئيس التنفيذي لبيبسيكو رامون لاغوارتا باللوم على المتسوقين الأميركيين المتعثرين، الذين سيحاول استمالتهم من جديد من خلال الخصومات والإعلانات.
تحديات لا تتعلق بالتكلفة
ولكن لاغوارتا كشف أيضاً أن المستهلكين يواجهون في هذه الأيام تحديات لا تتعلق فقط بالتكلفة، بل بالجودة أيضاً، فهؤلاء باتوا يبحثون عن المزيد من القيمة من الناحية الغذائية، في وقت تنخفض فيه مشتريات الناس من الوجبات السريعة.
وبحسب تقرير أعدته “بلومبرغ” واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، فإن التراجع الحاصل لا ينبغي أن يكون بمثابة صدمة لشركات الأغذية المعلبة، حيث توقع جيسون إنجليش من غولدمان ساكس قبل أكثر من عام بقليل، بحدوث تباطؤ في استهلاك الأفراد للأطعمة المصنعة المستقرة على رفوف المتاجر، وذلك في استمرار لاتجاه، بدأ قبل وباء كوفيد-19، مع تفضيل الأفراد تناول المزيد من الأطعمة الطازجة، وهذا الأمر أدركه تجار التجزئة الذين خصصوا أماكن أكبر في متاجرهم للأطعمة الطازجة، بينما قلصوا الأماكن المخصصة للمعلبات. وقد أظهر تقرير حديث صادر عن رابطة صناعة الأغذية في أميركا، أن 44 في المئة من محلات البقالة في البلاد تزيد من المساحة المخصصة للمنتجات الطازجة.
وينقل تقرير بلومبرغ عن شركة أبحاث السوق “سيركانا”، قولها إن أقسام الفواكه والخضروات الطازجة في المتاجر، تشهد ارتفاعاً في أحجام المبيعات، رغم أن هذه الأطعمة غالباً ما تكون أكثر تكلفة، ما يدل على أن تراجع مبيعات المأكولات المعلبة لا يتعلق بالأسعار، مشيرة إلى أن بعض هذا الاتجاه في سلوك المستهلكين، ناتج عن قيام الناس بالطهي في المنزل بدلاً من تناول الطعام في الخارج، كما أنه إشارة إلى أن الناس يريدون تناول طعام أكثر صحة، وهم يعرفون أن الطعام الطازج جزء أساسي من ذلك.
ووسط تنامي هذا الاتجاه في سلوك المستهلكين، تُطرح في أوساط صناعة الأغذية المعلّبة في العالم تساؤلات، حول مدى قدرة هذه الصناعة على تبني مفهوم الأطعمة الطازجة في منتجاتها، وهو الأمر الذي يستبعده مستشار صناعة الأغذية في بنك الاستثمار لينكولن إنترناشيونال، جيف كليفلاند، الذي أشار إلى أن تجارة الأغذية الطازجة المقصود تناولها خلال أسبوع أو أسبوعين على أبعد تقدير، تختلف بشكل كبير عن تجارة الأغذية المصنعة التي تحتوي على مواد حافظة اصطناعية، والتي تعتبر مثالية للتخزين لوقت طويل.
وبحسب كليفلاند فإن الموردين والمصنعين للأغذية المصنعة، لا يتمتعون بقدرات لوجتسية تمكنهم من توزيع أطعمة قابلة للتلف سريعاً، ولذلك لم نر أياً منهم يحقق نجاحاً كبيراً في صناعة الأطعمة الطازجة.
محاولة واحدة انتهت بالفشل
ويكشف تقرير “بلومبرغ” أن صناعة الأغذية شهدت قبل أكثر من عقد من الزمن، محاولة واحدة لدخول شركة مصنعة للأغذية المعلبة إلى ساحة الأطعمة الطازجة ولكن هذه المحاولة انتهت بشكل سيئ، ففي عام 2012، استحوذت شركة كامبل سوب على شركة بولتهاوس فارمز للأغذية الطازجة مقابل 1.55 مليار دولار.
وكان الهدف من هذه الخطوة منح صانع الحساء المعلب كامبل سوب، موطئ قدم في سوق الأغذية الطازجة، ولكن وبعد سبع سنوات وخسائر بالملايين، باعت كامبلز شركة بولتهاوس فارمز مقابل جزء بسيط مما دفعته في الأصل، ليتحول هذا الزواج الفاشل إلى قصة تحذيرية، في صناعة الأغذية التي أدركت بسرعة، مخاطر العلامة التجارية التي تعتمد على المنتجات الطازجة، والمرتبطة بعدم القدرة على تصريف المعروض بالسرعة المطلوبة، إضافة إلى التعقيدات المرتبطة بعملية سحب الأغذية الطازجة منتهية الصلاحية من الأسواق والتي تتطلب تحضيرات لوجيستية كبيرة.
ويقول المحلل المختص بالتسويق وتجارة الأغذية وليد جبارة، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الانتقال من صناعة الأغذية المعلبة إلى مجال الأطعمة الطازجة، يُشكل تحدٍ كبيراً للكثير من الشركات في هذا القطاع، فالسبب الرئيسي الذي ساهم في تميّز صناعة الأغذية المعلبة على مدى عقود، يعود إلى أنها تتمتع بعمر افتراضي طويل وأنها سهلة التخزين، في حين أن الأطعمة الطازجة ذات عمر افتراضي قصير، وهذا يتطلب تغييرات في استراتيجيات الإنتاج والتوزيع، لناحية تأمين بنية تحتية متطورة تضمن حفظ الطعام وتوزيعه بطرق سريعة.
وبحسب جبارة فإن الأغذية المعلبة تعتمد على جودة التعليب، والمواد الحافظة لتأمين مدة صلاحية طويلة، في المقابل فإن الأطعمة الطازجة تتطلب تقنيات مختلفة مثل التبريد والتهوئة، كما أن تغيير خطوط الإنتاج في المعامل من الأغذية المعلبة إلى الأطعمة الطازجة، يتطلب استثمارات مالية ضخمة وتجهيزات جديدة وتدريب للعمال، كما أن الأطعمة الطازجة قد تتطلب موارد إضافية مثل مصاريف الطاقة والتخزين، مما يزيد من التكاليف التشغيلية.
ويكشف جبارة أنه إضافة إلى ما تم ذكره، فإن الانتقال إلى تصنيع الأطعمة الطازجة، يتطلب تأمين سلسلة إمداد موثوقة تشمل توريد المواد الخام، من مصادر ذات صيت جيد والتعامل مع موردين جدد، فضلاً عن إقرار استراتيجيات تسويقية جديدة، فجمهور الأطعمة الطازجة، مختلف تماماً عن جمهور الأطعمة المعلبة، ما يعني أن تحول المصنعين من الأطعمة المعلبة إلى الأطعمة الطازجة، لا يتعلق فقط في تعديل خطوط الانتاج، بل يتطلب إعادة تقييم كاملة لعملية التصنيع والتوزيع والتسويق، وهذا ما يجعل الأمر معقداً على الشركات التي ترغب في تحقيق النجاح في هذا المجال.
هل تنتهي موضة الأطعمة المعلبة؟
وشدد جبارة على أن مستقبل الوجبات السريعة المتمثلة بالأغذية المعلبة، قد يشهد تحولاً نحو خيارات أكثر صحة، ولكن من غير المحتمل أن تنتهي موضة الأطعمة المعلبة بالكامل، كونها تمتلك عناصر قوة تجعلها خياراً مستداماً للكثيرين، مثل تكلفتها المنخفضة وسرعة تحضيرها وعمرها الطويل، فمعظم هذه العناصر لا تتوافر في الأطعمة الطازجة.
من جهته يقول عادل الأحمد المختص بالجودة وسلامة الغذاء، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الأجيال الشابة قد تكون أكثر اهتماماً بالمنتجات الطبيعية والعضوية، مما يمكن أن يؤثر على الطلب على الأطعمة المعلبة، ويشجع الشركات على الابتكار في منتجاتها لتلبية هذه التفضيلات، ولكن الحقيقة تتمثل بعدم قدرة مصنعي الأطعمة المعلبة، على التحول إلى عالم الأطعمة الطازجة، بسبب الكثير من العوائق الإنتاجية، مشيراً إلى أن الحلّ الأفضل لهؤلاء، يكون باتجاههم لتقديم أطعمة مصنعة أقل معالجة من السابق، فتقدم الأبحاث في مجال التغذية يمكن أن يؤدي إلى تغيير في المكونات المستخدمة في الأطعمة المعلبة، مما يعزز من جودتها ويجعلها أكثر توافقاً مع المعايير الصحية الحديثة.
ويعتقد الأحمد أن العالم قد يشهد تحولاً نحو أطعمة معلبة أكثر صحة، فالشركات التي تسعى للتفوق في السوق، قد تعيد تعريف مفهوم الوجبات السريعة التقليدية، من خلال الاستثمار في تطوير منتجات تحتوي على مستويات منخفضة من الصوديوم والسكر والمواد الحافظة، كما يمكن أن تعمد تلك الشركات إلى طرح خيارات مثل العصائر الطبيعية والوجبات السريعة، باستخدام مكونات طازجة وصحية، لافتاً إلى أنه يمكن العمل أيضاً على تطوير تقنيات الحفظ والتعبئة، ما قد يؤدي إلى تقديم أطعمة شبه طازجة بنفس ميزات التخزين طويل الأمد، الذي تتمتع به الأطعمة المعلبة التقليدية.
ويؤكد الأحمد أن الطريق لا يزال طويلاً لتحقيق التحول الكامل نحو الوجبات المعلبة الصحية، ولكن ومع ذلك فإن الاتجاهات الحالية توحي بأن هناك تقدماً مستمراً نحو هذا الخيار، ولذلك فإن الخطوة الأكثر جرأة التي يمكن لشركات الأغذية المعلبة أن تتخذها الآن، هي التفكير في المستقبل والقفز بخطى ثابتة في عالم المواد الغذائية، التي تحتوي على مواد طبيعية بدلاً من مواد اصطناعية غير صحية.
#الأطعمة المعلبة
#اقتصاد