إعداد ـ محمد كمال
في الوقت الذي يتفاخر الرئيس الأوكراني بتوغل قواته داخل مقاطعة كورسك الروسية، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتعامل بهدوء ملحوظ، لدرجة أنه ورغم ضجيج عملية الاقتحام، قام بزيارة إلى العاصمة الشيشانية غروزني هي الأولى له منذ 13 عاماً. كما قام بجولة في مصنع حلويات إقليمي. وهو ما دفع المحللين العسكريين إلى التساؤل عما يدور في ذهن بوتين، وهل يخطط لفخ استراتيجي قاتل يُحوِّل من خلاله التوغل الأوكراني إلى انتصار عسكري روسي ساحق، ربما يطيح بنظيره الأوكراني.
ورغم تعهد بوتين برد حاسم على الاختراق الأول للأراضي الروسية منذ الحرب العالمية الثانية، فإن الرد حتى الآن، وبعد مرور أسبوعين، تمثل في احتواء التوغل بدلاً من عكسه، مما يثير التساؤل حول ما الذي يرغب الجيش الروسي وقيادته في القيام به؟
حرب استنزاف
من الناحية العسكرية، فإن المنظور الروسي، يرى أن مناورة أوكرانيا خلقت أيضاً فرصة لاستنزاف قواتها المحدودة بشكل أكبر، وتحقيق مكاسب روسية في مناطق أخرى من الجبهة. وقال محللون عسكريون روس إن ذلك قد يحول النصر السياسي قصير المدى للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى هزيمة استراتيجية، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز.
وأشار هؤلاء المحللون إلى أنه بعد أن سوَّقت كييف لعملية كورسك على أنها ضربة عسكرية رائعة، فإن الأمر قد ينتهي إلى أن تصبح فخاً للجيش الأوكراني.
وقال فاسيلي كاشين، عالم السياسة بالمدرسة العليا في موسكو، والذي يدرس التأثير السياسي للحرب الروسية: «إن غزو كورسك لم يؤدِّ إلا إلى توسيع وإطالة أمد حرب الاستنزاف، التي تتمتع فيها روسيا بميزة الموارد».
خيارات الهجوم المحتمل
ويقول المحللون إن من بين الخيارات المتاحة للجنرالات الروس، محاولة حشد قوة جديدة ساحقة لرأس الجسر الأوكراني في كورسك، أو استخدام تفوقهم في الطيران والمدفعية لقصف القوات تدريجياً وإجبارها على التراجع. وقد يستغرق تنفيذ هاتين الاستراتيجيتين أسابيع أو عدة أشهر.
وكان هدوء بوتين يتناقض بشكل حاد مع الأيام الأولى لاقتحام كورسك، عندما سخر بوتين من مرؤوسيه ووعد برد حاسم.
ضرب الفراغ
ويعتقد بعض المحللين أن القيادة الروسية لم ترسل قوات كبيرة إلى هذه المنطقة لأنها تفتقر إلى القيمة العسكرية الواضحة. وقال ديمتري كوزنتس، المحلل العسكري في وكالة الأنباء الروسية المستقلة ميدوزا: «لقد ضربت الفراغ».
ويعتقد الخبير العسكري الروسي الآخر، رسلان بوخوف، أن القيادة الروسية ربما تكون قد انزلقت أيضاً إلى الرضا عن النفس بسبب مبادرات التفاوض التي طرحتها كييف هذا الصيف.
لا مكاسب استراتيجية
وبعد الأسبوع الأول من القتال، ادعت أوكرانيا أنها تسيطر على ما يقرب من 400 ميل مربع من الأراضي الروسية وأنها أخذت مئات السجناء. ولكن مع توتر خطوط الإمداد في أوكرانيا ومع قيام روسيا بسحب التعزيزات، انخفضت وتيرة التقدم بشكل ملحوظ في الأسبوع الثاني. ويعتقد معظم المحللين العسكريين أن أوكرانيا لم تعد تهدد أي أهداف استراتيجية، مثل محطة كورسك النووية أو عاصمة المقاطعة.
ويعتقد هؤلاء المحللون أن روسيا ركزت الآن ما يكفي من القوات في كورسك لعرقلة القوات الأوكرانية إلى حد كبير، على شاكلة الحرب الموضعية التي شوهدت في الجبهات الأخرى. وقالت مصادر روسية إنه لمواجهة التوغل اعتمدت القيادة الروسية على مجموعة من المجندين والمتطوعين من الوحدات التي تم تشكيلها في المؤخرة وقت الهجوم ووحدات من ذوي الخبرة منتقاة بعناية من أقسام هادئة نسبياً من الجبهة في أوكرانيا.
وعلى سبيل المثال، فإن قوات مشاة البحرية الروسية في البحر الأسود، تم نقلها إلى كورسك من منطقة خيرسون في أوكرانيا، حيث اتبعت الجبهة لفترة طويلة نهر دنيبرو الذي يصعب اختراقه. وقال المحلل العسكري الروسي، فاليري شيرييف إن أجزاء أخرى من قوة الرد الأولية في كورسك جاءت من منطقتي زابوريزهيا وخاركيف في أوكرانيا، حيث لم تتحرك الجبهة إلا بالكاد منذ أسابيع.
ويرى المراقبون أنه في حين أن بوتين لديه الوقت للتخطيط للرد على توغل كورسك، فإنه لا يستطيع السماح للأراضي الروسية بالبقاء في أيدي القوات الأوكرانية إلى أجل غير مسمى، من دون المخاطرة برد فعل عنيف.
وقد اعترفت السلطات بشكل غير مباشر بأن المعركة لطرد الأوكرانيين قد تستغرق أسابيع أو حتى أشهراً من خلال طرح فكرة منح اللاجئين من كورسك مساعدات مالية لإعادة توطينهم في أجزاء أخرى من روسيا.
وقال المحلل كاشين: «إذا كانت أوكرانيا تأمل في أن تؤدي صدمة الهجوم إلى فقدان الروس الثقة في مستقبل الحرب، فإن هذا لا يحدث.. وعلى الأرجح سيؤدي إلى الغضب والقبول بأن الحرب كانت حتمية».
التقدم الاستراتيجي
ومن خلال تجميع قوة رد فعل، تركت القيادة العسكرية الروسية حتى الآن جزءاً واحداً من الجبهة من دون مساس. ولم تأت أي من الوحدات التي تقاتل حالياً في كورسك من منطقة دونيتسك في شرق أوكرانيا، وفقاً للمحللين، حيث تشن روسيا حالياً هجوماً.
ومنذ اقتحام كورسك، قامت القوات الروسية فقط بتسريع تقدمها نحو معقل دونيتسك الاستراتيجي في بوكروفسك. وفي الأيام الأخيرة، حققت أيضاً مكاسب في مناطق أخرى شرق أوكرانيا، التي شهدت أكثر المعارك وحشية في الحرب. وقالت الحكومة الأوكرانية إنها نقلت بعض الوحدات من الخطوط الأمامية لدعم توغل كورسك، مما قد يساعد التقدم الروسي.
وعلى الرغم من أن التأثير طويل المدى لاقتحام كورسك لا يزال غير واضح، فإن المؤكد هو توسيعه لجبهات المواجهة بمقدار 60 ميلاً إضافياً أو نحو ذلك في المستقبل المنظور، مما أجبر كلا الجانبين على مد انتشار قواتهما.
وقال المحللون الروس إنه في نهاية المطاف، فإن توسيع الحرب إلى مناطق جديدة سيصب مع مرور الوقت في صالح الجانب الذي يتمتع بموارد أكبر. ومع وجود ثلاثة أضعاف عدد السكان وقاعدة صناعية أكبر، يبقى هذا الجانب هو روسيا.
وبعد أسبوعين من التوغل المفاجئ لأوكرانيا في كورسك، نجحت القوات الروسية في إبطاء تقدمها، حيث أدى الحشد النوعي على خط الجبهة إلى الإعداد للمرحلة التالية من معركة تنطوي على مخاطر سياسية كبيرة.
ويشير محللون عسكريون إلى أن المعركة في المناطق الحدودية الروسية لا تزال في مراحلها الأولية، والوتيرة الحالية للتوغل في كورسك تمنح بوتين الوقت لدراسة رده. وقالوا إن هذا الاختراق الحدودي زاد من جرعة الوطنية لدى المواطنين الروس وأدى إلى مضاعفة التفافهم حول قادتهم.
أخبار شائعة
- الجيش الإسرائيلي يعلن فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن
- أوكرانيا وروسيا تتبادلان طرود عيد الميلاد لأسرى الحرب
- "مراسم تأبين" في ماغدبورغ بعد الهجوم على سوق عيد الميلاد
- مجلس النواب الأميركي يقر مشروع قانون لتجنب "الإغلاق"
- خليجي 26: تصريحات المدربين واللاعبين قبل انطلاق البطولة
- صالح الصقري ومحمد الخراشي ينضمان لتحليل مباريات خليجي 26
- لبنان يسارع للكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسرا في سوريا
- خالد الطريس يقود افتتاح “خليجي 26” بين الكويت وعمان