«الخليج» – وكالات
على الرغم من رفض الناتو في السابق للدعوات المتزايدة في الولايات المتحدة لقبول الأوكرانيون بمبدأ التنازل عن الأرض مقابل السلام مع روسيا لوقف نزيف الدماء المتواصل والذي سببته الحرب المستعرة بينهما منذ فبراير 2022، فإنه مع الحديث عن مفاوضات للسلام بين الجارتين يعود السيناريو ذاته إلى طاولة النقاشات الرسمية والودية مرة أخري ليسبب انقساماً كبيراً في صفوف الأوكرانيين بين مؤيد ومعارض.
إلى من تميل كفة تسيير الأمور؟
ومع تقدّم القوات الروسية ببطء من خلال قصف مكثّف نحو مدينتها بوكروفسك، تقف أولغا بوروديتش أمام مبنى جامعي مدمّر كانت تعمل فيه قبل الحرب، وتقول بحسرة إنها تؤيد، بشروط، التخلي عن أراضٍ أوكرانية مقابل السلام مع روسيا.
ليس مهما كان الثمن
تشعر المرأة الستينية بالتعب وتنشد السلام وإن كلّف ذلك التخلي عن أراضٍ، حالها كحال الكثير من جيرانها وأقاربها، وتقول: «أعتقد أن هذا هو القرار الصحيح»، لكن ليس مهما كان الثمن، وتضيف في حديث لها مع الوكالة الفرنسية للأنباء: «لا، بوكروفسك لا يمكن أن تكون إلا أوكرانية، ماذا سيحدث إذا جاء الروس إلى هنا؟ لا شيء جيد. علم روسي هنا؟ أبداً».
ويؤشر موقفها إلى الانقسام المتزايد بين الأوكرانيين الذين أنهكتهم الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين ونصف عام، وأوقعت عشرات آلاف القتلى، وقال 32 في المئة ممن شملهم استطلاع للرأي أجراه المعهد الدولي لعلم الاجتماع في كييف في أيار/مايو، إنهم يؤيدون التخلي عن أراضٍ إذا كان ذلك يساعد على إنهاء الحرب، وفي شباط/فبراير كانت نسبة هؤلاء 26 في المئة.
على خط الجبهة المتغيّر في منطقة دونيتسك، يؤكد سكان استعدادهم للعيش في ظل الحكم الروسي إذا كان ذلك ثمناً للسلام، وتقول سفيتلانا (71 عاماً) للوكالة الفرنسية في مدينة نوفوغروديفكا: «سيكون الأمر مؤلماً جداً بالطبع»، لكنها أكدت أن جل ما تصبو إليه هو «الخلود للنوم بسلام».
وبينما يظهر خلفها تصاعد دخان أسود جراء وقوع ضربة روسية، تضيف سفيتلانا التي ارتدت قميصاً للنوم وردي اللون وهي تقبل صليباً متدلياً من رقبتها: «حتى لو جاء الروس، سأعرف أنني على أرضي الأوكرانية، في سريري».
الكثير من القتلى
يتم التداول بفكرة تبادل الأراضي مذ بدأ الجيش الأوكراني هجوماً في منطقة كورسك الحدودية الروسية، حيث تقول كييف حالياً إنها تسيطر على حوالي 1300 كيلومتر مربع.
وتبدو استعادة الأراضي الأوكرانية التي خضعت لسيطرة روسيا تحدياً كبيراً؛ إذ تتجاوز مساحتها 100 ألف كيلومتر مربع، أي 18 في المئة من مساحة البلاد.
ويقول المحلل العسكري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن فرانز ستيفان غادي: «علينا أن نكون واقعيين بشأن ما يمكن أن تحققه أوكرانيا عسكرياً بسبب محدودية المعدات والرجال والمواد».
التخلي عن أراض ليس خياراً مطروحاً
واستبعد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من جهته باستمرار وبشكل قاطع أي تنازل عن مناطق، على غرار غالبية المواطنين الأوكرانيين.
وترفض ايرينا تشيريدنيتشنكو (62 عاماً) التي تسكن في نوفوغروديفكا أيضاً، العيش في ظل الحكم الروسي، وتؤكد بحزم: «الكثير من القتلى. الكثير من الدماء، من أجل ماذا؟ التنازل عن أراضٍ والجلوس إلى طاولة المفاوضات الآن؟».
ويسود شعور مماثل في مستشفى ميداني قريب للجنود الجرحى، حيث تسمع أصوات نيران مدفعية من محيطه، ويفيد طبيب يعمل في المستشفى بأن العديد من الجنود يأتون إليه من مناطق باتت خاضعة للسيطرة الروسية، ويسأل: «كيف نشرح لهؤلاء الناس أنه يتعين عليهم التخلي عن رفاهيتهم وحياتهم، وأن عليهم أن يقولوا وداعاً لمنازلهم وشققهم ومدنهم؟».
ويؤكد طالباً عدم الكشف عن اسمه: «التخلي عن أراضٍ ليس خياراً مطروحاً».
فكرة «مبسطة»
ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية في عام 2014 على الرغم من التنديد الدولي ثم أعلنت الحرب في شباط/فبراير 2022، وضم أربع مناطق أخرى في الشرق والجنوب تسيطر عليها جزئياً وهي دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون.
ويشترط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإجراء أي محادثات سلام تنازل كييف عن هذه المناطق الأربع.
وخلف الكواليس، يرجح مسؤولون غربيون أن ينص أي حل تفاوضي على تنازل أوكرانيا عن أراضٍ، على الرغم من استمرارهم في التصريح رسمياً بأنها هي من تحدّد شروط أي محادثات محتملة.
ويحذر محللون من أن التنازل عن مناطق لن ينهي بالضرورة الحرب، أو يضع حداً لها على الفور.
وترى ماري دومولان الدبلوماسية الفرنسية السابقة والمسؤولة حالياً عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إنها فكرة «مبسطة».
وتضيف: «هذا ليس مفتاح إنهاء الحرب»، وتابعت: «ما سيمكّن من التوصل إلى تسوية دائمة ليس تنازل أوكرانيا عن أراضٍ من عدمه، لكن أن تكون هناك إجراءات رادعة لضمان عدم شنّ روسيا هجوماً من جديد».
وفي نوفوغروديفكا، توافق إيرينا تشيريدنيتشنكو على ذلك، وتقول: «روسيا لن تتوقف، بوتين لن يتوقف، غداً سيستعيدون قوتهم ويواصلون الهجوم مرة أخرى».
وتضيف: «نعم، نريد أن تنتهي الحرب، لكن الدولة الأوكرانية يجب أن تكون قادرة على البقاء».