قد تبدو فكرة الحرية المالية وكأنها حلم بعيد المنال، أو شيء لا يحظى به سوى عدد قليل من الناس بعد ضربة حظ، أو أثناء التقاعد بعد العمل لعقود من الزمن، لكن المستثمر شاو تشون يقول خلاف ذلك.
على مدار ثماني سنوات من العمل في غوغل، عاش تشون بأقل من دخله وكان يخصص باستمرار ما يصل إلى 50 بالمئة من راتبه للاستثمارات. وقد سمح له ذلك ببناء محفظة كبيرة بقيمة 2 مليون دولار، وفقاً لتقرير لشبكة “سي إن بي سي” الأميركية اطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”.
وقال تشون:”يمكنك في الواقع تحقيق الحرية المالية أثناء العمل من التاسعة صباحًا إلى الخامسة مساءً”. ولكن عندما تم تسريحه من عمله في فبراير، أدرك تشون أنه لم يعد مضطرا إلى الاعتماد على الراتب لإعالة نفسه.
رأى تشون أنه يستطيع أن يعيش براحة وأمان من استثماراته من خلال سحب 4 بالمئة من محفظته في العام الأول ونفس المبلغ، بعد تعديله وفقاً للتضخم، في كل عام لاحق. ومن الناحية النظرية، من المرجح أن يكون هذا المبلغ صغيراً بما يكفي لدعم محفظته لمدة 30 عاماً على الأقل.
وقال: “عندما تكون حرًا ماليًا يمكنك بعد ذلك الحصول على تلك المرونة أو تلك المساحة الكافية للقيام بما تريد بالفعل”.
بالإضافة إلى المبلغ المسحوب من محفظته الاستثمارية، يكسب تشون المال أيضًا من خلال التدريس كأستاذ بدوام جزئي في الجامعة الوطنية في سنغافورة، وإنشاء محتوى تعليمي لقناته على اليوتيوب ومن خلال أعماله في مجال التدريب المهني.
وفيما يلي المبادئ الأربعة الأساسية التي يعيش بها والتي سمحت له بتحقيق الحرية المالية، بحسب تقرير الشبكة الأميركية:
أولاً- اعترف بأن هدفك النهائي هو أن تكون حراً
الخطوة الأولى لتحقيق الحرية المالية هي أن تكون عازمًا على السعي لتحقيق هذه الحرية. ويقول في هذا السياق: لقد اعتدنا أن نقدر الاستقرار، ولكن بالنظر إلى الوضع الاقتصادي الحالي، فإن الاستقرار لم يعد ميزة يمكن للشركات أن توفرها لنا.. يشعر الجيل الحالي بأنه عالق، كما لو يحتاج إلى تكريس نفسه لمسار معين، ولكن… هدفك هو أن تكون حراً. هدفك ليس أن تكون مخلصاً”.
ويضيف: “الشيء الجميل في حياتنا الآن هو أنه في حين أن الوظائف لم تعد توفر الأمان لدينا الكثير من الموارد المتاحة عبر الإنترنت أيضًا.. من تعلم كيفية الاستثمار إلى فتح حساب وساطة خاص بك، يقدم الإنترنت معلومات مجانية حول كيفية بناء ثروتك”.
ثانياً- العمل بنشاط لزيادة دخلك
يقول تشون: “يجب عليك أن تجد طرقًا لزيادة دخلك النشط”. إحدى الطرق هي معرفة متى يمكنك الانتقال من وظيفة إلى أخرى عندما لا تتعلم أو تكسب المال.
الطريقة الأخرى هي الإفراط في العمل، وفق تشون الذي أضاف: لذا، لديك أشخاص يعملون في وظائف متعددة، أو لديهم أعمال جانبية أو حتى يعملون في وظيفتين عن بعد. هذه طريقة واحدة، لكن معدل الإرهاق مرتفع.
عندما يتعلق الأمر بالمشاريع الجانبية، يقترح تشون اختيار شيء “منخفض التكلفة” أو شيء يكمل مجموعات مهاراتك. من الناحية المثالية، سيجلب لك المشروع الجانبي دخلاً سلبيًا حتى لا تضطر إلى مقايضة وقتك بالمال، كما يقترح.
ثالثاً- قلل من مقدار ما تنفقه
قال تشون إن إدارة “معدل الحرق” أو مقدار ما تنفقه أمر مهم بقدر أهمية زيادة دخلك.. وإذا كنت تريد الحرية، فأنت في الواقع بحاجة إلى الانضباط. وأضاف: إنه في الواقع مفهوم شائع للغاية يدافع عنه جنود البحرية الأميركية: “الانضباط يساوي الحرية”.
وعلى الرغم من أن العديد من الناس يريدون الحرية المالية ، إلا أن أفعالنا في كثير من الأحيان لا تتوافق مع هذا الهدف. فالسلوكيات مثل السعي إلى الإشباع الفوري، والعيش بما يتجاوز إمكانياتنا، و”مجاراة الآخرين” يمكن أن تعيق هدفنا المتمثل في الحرية.
رابعاً: توقف عن مقايضة الوقت بالمال
نظرًا لأن التضخم يؤدي إلى تآكل قيمة المال بمرور الوقت، فمن الأهمية بمكان أن نتعلم كيفية الاستثمار بشكل صحيح حتى يتمكن مدخراتك من مواكبة السوق، أو في الوضع المثالي، التغلب عليها.
وقال تشون: “إن الركيزة الأخيرة لتحقيق الحرية المالية هي… عدم مقايضة الوقت بالمال، وهذا هو الوقت المناسب للبدء في الاستثمار”.
وتابع: يجب احترام “القيمة الزمنية للمال”، مشيرا إلى قاعدة أساسية في الاقتصاد تنص على أن قيمة الدولار اليوم تساوي أكثر من قيمة الدولار في المستقبل بسبب الفائدة والتضخم وإمكانات أرباحه.
مبادئ مالية أساسية أخرى
من جانبه، قال مدير مركز رؤية للدراسات، بلال شعيب، إن “الثقافة المالية تعدّ ركيزة أساسية في حياة الأفراد والمجتمعات، إلا أنها لا تزال غائبة تمامًا عن المناهج التعليمية في عديد من البلدان. وأوضح أن هذا القصور يترك الأجيال الشابة غير ملمة بمفاهيم “الثقافة المالية” بالشكل المطلوب، مشيرًا إلى أنه إذا كنا نسعى لتطوير المعرفة في هذا المجال، يجب أن يبدأ التركيز على تعزيز ثقافة الادخار والاستثمار.
وأضاف شعيب: “بعض الدول النامية تميل بشكل ملحوظ إلى تشجيع الاستهلاك على حساب الإنتاج، وهو ما يتسبب في تأثيرات سلبية على الاقتصاد ككل، من ضعف في معدلات النمو الاقتصادي وانخفاض في معدلات الادخار، إلى تراجع جذب الاستثمارات الأجنبية”. وشدد على أنه من الضروري أن يبدأ الشباب في تحسين إدارتهم المالية الشخصية عبر تعلم أسس التخطيط المالي، واستغلال الفرص المتاحة بشكل متوازن بين الإنفاق والادخار والاستثمار.
ولفت شعيب إلى أهمية تنمية روح ريادة الأعمال لدى الشباب، قائلاً: “من الضروري أن يتعرف الشباب على المبادئ الأساسية لريادة الأعمال، وكيفية تحويل أفكارهم إلى مشاريع ناجحة، مما يمكّنهم من التحول من مستهلكين إلى منتجين، ويخفف من معدلات البطالة”. وشدد على أن الشباب بحاجة إلى تعلم كيفية إدارة المشاريع الصغيرة بفعالية، والاستفادة من التكنولوجيا المالية الحديثة لتطوير مهاراتهم وخلق فرص عمل جديدة.
واختتم شعيب حديثه بتأكيده على أهمية فهم الشباب للمعادلات الاقتصادية الأساسية التي تقوم على ثلاثة عوامل: الإنفاق، الادخار، والاستثمار. وقال: “ينبغي توزيع الدخل بشكل متوازن بين هذه العوامل، لتجنب الاعتماد المفرط على الاستهلاك، وبالتالي تعزيز الاستقلال المالي للدول العربية”.
الاستهلاك والاستثمار
وإلى ذلك، أفادت خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس بأن “من أهم المبادئ المالية التي ينبغي أن يدركها الشباب هو عدم إنفاق كامل الراتب، بل تخصيص جزء منه للادخار واستثمار الباقي في النفقات المدروسة”.
وأشارت إلى أن اختيار فرص استثمارية تتناسب مع شخصية الفرد وأهدافه أمر حيوي لتحقيق الاستقرار المالي، مضيفة: “يجب على الأفراد الموازنة بين احتياجاتهم، نفقاتهم، وإيراداتهم، وتقسيم خططهم المالية إلى أهداف قصيرة الأجل لتجنب الضغوط النفسية الناتجة عن الطموحات طويلة الأجل”.
كما شددت رمسيس على أهمية التدوين والمتابعة المستمرة للإنجازات المالية، قائلة: “كتابة الأهداف والإنجازات على الورق تساعد في متابعة التقدم وتحقيق الاستقرار المالي على المدى الطويل”. وأوضحت أنه في حال الحصول على مكافأة أو زيادة مالية، يجب ألا ينعكس ذلك في زيادة الإنفاق غير المبرر، بل توجيه هذه الزيادة نحو الادخار والاستثمار لضمان تحقيق مكانة مالية قوية.
وأكدت رمسيس أن “المظهر الخارجي يلعب دورًا مهمًا في دعم الوضع الاجتماعي، ولكنه يجب أن يكون متماشياً مع القدرة المالية”، مشيرة إلى أن التأقلم مع المحيط الاجتماعي وتحقيق استقرار مهني ووظيفي مرتبط بإدارة الموارد المالية بشكل متوازن ومدروس.