أثارت الهجمات التي تم شنها على حزب الله في لبنان باستخدام أجهزة “البيجر” المفخخة، تساؤلات حول ما إذا كانت الأجهزة الإلكترونية التي يتم استخدامها بشكل يومي، قد تشكل مخاطر جديدة وعقبات أمنية للمسافرين جواً.
وقد حظرت سلطات الطيران في لبنان على المسافرين، نقل أو اصطحاب أجهزة النداء “البيجر” وأجهزة الاتصال اللاسلكي على متن الطائرات، وذلك سواء داخل الحقائب التي يتم اصطحابها إلى مقصورة الركاب، أو تلك المخصصة للشحن. وحتى الآن لم تحذو أي دولة أخرى في العالم حذو لبنان، حيث يمكن للمسافرين حول العالم أن يتوقعوا سير الأمور كالمعتاد عندما يمرون عبر أمن المطارات.
وبحسب تقرير أعدته “وول ستريت جورنال” واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، يقول جيفري برايس، أستاذ أمن الطيران في جامعة Metropolitan State في دنفر والذي يقدم أيضاً الاستشارات للمطارات ويدرب موظفي الأمن هناك، إن أجهزة المسح الضوئي “السكانر” المخصصة للتفتيش في المطارات الأميركية، تم تصميمها للكشف عن أجهزة مثل تلك التي انفجرت في لبنان، كما يتم فحص الأمتعة المخصصة للشحن بأجهزة تستخدم نفس التكنولوجيا.
من جهته، كشف المتحدث باسم إدارة أمن النقل في أميركا، أن الوكالة ليست لديها حالياً خططاً لاتباع نهج لبنان في حظر أجهزة النداء “البيجر”، والأجهزة الأخرى على الرحلات الجوية التي تنطلق من المطارات الأميركية، مشيراً إلى أن الوكالة تستخدم مجموعة متنوعة من التقنيات والعمليات والأساليب لفحص واكتشاف المتفجرات، وحتى الكميات الضئيلة منها، فضلاً عن التهديدات الخطيرة الأخرى.
هل تستطيع إدارة أمن النقل حظر “البيجر” على الطائرات؟
هناك سابقة لمثل هذه القرارات، حيث فرضت إدارة أمن النقل الأميركية قيوداً، على الأجهزة الإلكترونية على متن الطائرات، وبموجب هذه القيود تم منع المسافرين من نقل بطاريات الليثيوم، في الأمتعة التي يتم شحنها.
وبحسب أستاذ أمن الطيران جيفري برايس، فإن السلطات الأمنية الأميركية لن تحظر أجهزة “البيجر” على متن الطائرات تماماً، ما لم تكن هناك معلومات استخباراتية محددة، تشير إلى وجود تهديد، وهو الرأي الذي ردده خبراء آخرون في أمن الطيران.
وقال برايس، إنه إذا تم العثور على جهاز واحد يحتوي على تهديد، فسوف تشهد أميركا حملة صارمة ضد هذه الأجهزة الإلكترونية، في حين قال خبراء آخرون في أمن الطيران، إن المدة التي قد تحدث فيها تغييرات محتملة في الإجراءات سوف تعتمد على المعلومات الاستخباراتية، وحول ما إذا كانت أي من الجهات السيئة تخطط لهجمات مستقبلية على طائرات الركاب باستخدام أجهزة مثل أجهزة النداء “البيجر”.
بدوره يرى كيث جيفريز، نائب رئيس مجموعة الفحص الأمني في K2 Consulting، وهي شركة استشارية تركز على الأمن في السفر الجوي والصناعات الأخرى، إن إدارة أمن النقل الأميركية، تتمتع بالمرونة اللازمة لتعديل إجراءات الأمن والبروتوكولات والتكنولوجيات في أي وقت، لمواجهة التهديدات المتطورة.
وشهد عالم السفر جواً على مر التاريخ، الكثير من التعديلات المتعلقة بالإجراءات الأمنية، والتي ظلت قائمة لعقود من الزمن، مثل القيود المفروضة على السوائل في الأمتعة المحمولة، إضافة إلى تنفيذ إجراءات أمنية أكثر شمولاً في المطارات، بما في ذلك التفتيش الجسدي الكامل للمسافرين الذين يحملون جوازات سفر من بلدان معينة، وذلك بعد أن حاول أحد الإرهابيين تفجير قنبلة مخبأة في ملابسه الداخلية، على متن رحلة عبر المحيط الأطلسي في عام 2009.
ما مخاطر الأجهزة الإلكترونية على الرحلات الجوية؟
بحسب تقرير “وول ستريت جورنال” الذي اطلع عليه “اقتصاد سكاي نيوزعربية”، فقد تم ربط الأجهزة الإلكترونية بالعديد من الكوارث الجوية التي حصلت سابقاً، إذ يُعتقد أن مُسجل كاسيت قد استُخدم في تفجير طائرة “بان آم” فوق لوكربي، اسكتلندا، في الثمانينيات، ما أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص، بناءً على نتائج المحققين في أعقاب الحادث.
هل تتغير عمليات الفحص الأمني؟
تطلب نقاط التفتيش الأمنية في المطارات بالفعل من المسافرين، إزالة الأجهزة الإلكترونية الكبيرة من حقائبهم، ليتم فحصها بشكل منفصل، وذلك رغم أن أجهزة المسح الضوئي الجديدة أو “السكانر” في المطارات، تسمح للركاب بإبقاء أجهزتهم داخل حقائب اليد الخاصة بهم.
وبمجرد إزالة الأجهزة الإلكترونية من الحقائب، يكون جهاز “السكانر” قادر على اكتشاف ما إذا كانت هذه الأجهزة تحتوي على أي مادة متفجرة.
ولكن أستاذ أمن الطيران جيفري برايس، وشيلدون إتش جاكوبسون، وهو أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة إلينوي في أوربانا – شامبين الذي درس أمن الطيران، يقولا إنه إذا نجح الجهاز في المرور عبر الأمن، فليس من الواضح ما إذا كان أحد أجهزة “البيجر” قد ينفجر إذا تم إحضاره على متن الطائرة، مشيراً إلى أن العامل الحاسم هو التأكد من عدم صعود هذه الأجهزة إلى الطائرة.
السفر مع البيجر أمر غير منطقي
ويقول المستشار في مجال أمن المعلومات والاتصالات عامر الطبش، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن ما يجب لفت النظر إليه أولاً هو أن خطوة اصطحاب الركاب لأجهزة النداء “البيجر” خلال سفرهم جواً، هو أمر غير منطقي ولا داع له، فهذه الأجهزة تعمل من خلال الموجات الهوائية المحلية الـ VHF والـUHF ، حيث أن معدات الإرسال المركزية للبيجر، قد تغطي كامل أراضي دولة ما أو مناطق جغرافية محددة ضمن الدولة الواحدة، ولكنها لا تغطي أراضي بلدان متعددة، وبالتالي فإن نقل الأفراد لهذه الأجهزة من بلد إلى بلد، أمر غير مبرر ولا داعي له.
مخاطر البيجر في الطائرة
ويضيف الطبش إنه في حال قام أحد الأفراد ولسبب ما، باصطحاب جهاز البيجر الخاص به إلى مقصورة الركاب في الطائرة، أو قام بوضعه في الحقائب المخصصة للشحن، فإن هذه الخطوة قد لا تنتج عنها مخاطر حقيقية، فأولاً أجهزة البيجر التي انفجرت في لبنان، كانت تحتوي على مواد متفجرة مدمجة، وموجّهة للوصول فقط إلى أيدي عناصر حزب الله، وهي لم تكن معروضة للبيع للمؤسسات التجارية والمستشفيات، وثانياً وفي حال افترضنا انفجار أحد أجهزة البيجر التي انفجرت في لبنان على متن طائرة، فإن الأضرار أو الثقوب التي ستحدثها، يمكن السيطرة عليها على الأرجح، بسبب كمية المتفجرات القليلة التي تحتويها، أما في حال كانت الأجهزة تحتوي على كمية أكبر من المتفجرات، فإن الأضرار والمخاطر ستكون أكبر.
ويشرح الطبش أن أجهزة البيجر التي لا تحتوي على متفجرات، تقتصر أضرار انفجار بطارياتها على حريق سريع يمكن السيطرة عليه، مشيراً إلى وجود شروط وتعليمات لنقل الأجهزة الإلكترونية جواً، حيث أن هناك طائرات شحن مجهزة ومخصصة لنقل هذه الأجهزة، في حين أن الطائرات المخصصة لنقل الركاب تخضع لاجراءات وشروط، تتبعها المطارات عند نقل الإلكترونيات، فهناك أنواع وأحجام بطاريات لا يمكنها إدخالها بتاتاً إلى طائرة الركاب، في حين تخضع الأجهزة الإلكترونية التي يصطحبها الركاب، إلى عملية تفتيش دقيقة، عبر أجهزة التفتيش “السكانر” الموجودة في المطارات.
هل تتغير ملامح أمن السفر الجوي؟
واعتبر الطبش أن المتفجرات المدمجة في الأجهزة الإلكترونية، عادة ما تظهر على أجهزة التفتيش “السكانر”، لكن أجهزة البيجر في لبنان يبدو أنها احتوت على كمية ضئيلة من المتفجرات لم تكتشفها هذه الآلات، ليبقى الخوف الأكبر هو إمكانية مرور أدوات إلكترونية، تحتوي على كمية كبيرة من المتفجرات عبر أجهزة “السكانر”، مما قد يغير بشكل كبير منطق الأمان في السفر.