إعداد: معن خليل
سيكون منتخب الإمارات الوطني لكرة القدم في يونيو/حزيران المقبل على موعد مع حدث تاريخي، حيث يلتقي أستراليا في الدوحة في ملحق آسيا، والفائز بينهما يلتقي منتخب بيرو في ملحق العالم للتأهل إلى مونديال 2022 في قطر.
البعض يعتبر أن المهمة صعبة، لكن علمتنا التجربة أنه لا يوجد مستحيل عندما تكون الإرادة حاضرة، ولنستلهم ما حدث في تصفيات مونديال 1990 في إيطاليا عندما تأهل «الأبيض» للمرة الأولى في تاريخه إلى كأس العالم، بعد صعاب واجهها ذلك الجيل الذهبي، وتغلب عليها بما يشبه المعجزة، فهل يمكن تكرار ما حدث قبل 32 عاماً؟
عام 2016 تحولت قصة معجزة مونديال 1990 إلى مادة فيلم وثائقي تحت مسمى «أنوار روما»، أضاء على أجمل قصة في تاريخ كرة القدم الإماراتية، بعدما استطاع المنتخب الوطني يوم 28 أكتوبر من عام 1989 التأهل إلى نهائيات كأس العالم 1990 في إيطاليا للمرة الأولى والوحيدة له.
ويبدو الجيل الحالي من اللاعبين في أمس الحاجة إلى استلهام خطى عدنان الطلياني وفهد خميس ومحسن مصبح وزهير بخيت ورفاقهم قبل 32 عاماً، عندما صنعوا معجزة الصعود وتجاوزوا كل الصعاب، ولاسيما في الجولة الأخيرة من التصفيات التي أقيمت عام 1989 في سنغافورة والتي كانت درامية بالفعل، ولاسيما بعد الخروج بالتعادل أمام كوريا الجنوبية 1-1 في اللقاء الأخير، حيث كان هدف الطلياني برأسية خالدة كافياً لتحويل الحلم إلى حقيقة، بعدما ساهم فوز قطر على الصين 2-1 أيضاً في تأكيد الصعود.
وجمع منتخب الإمارات يومها في الدور النهائي 6 نقاط ليحل ثانياً خلف كوريا الجنوبية الأولى برصيد 8 نقاط، ويتأهلا معاً إلى نهائيات إيطاليا، في حين حل منتخب قطر ثالثاً برصيد 5 نقاط والصين رابعاً ( 4 نقاط).
وإذا كانت قصص مماثلة لمنتخبات في المونديال تم تحويلها إلى أفلام، على غرار انتصار الأوروجواي على البرازيل في «الماراكانا» عام 1950، و«معجزة برن» الخاصة بفوز ألمانيا بلقب كأس العالم 1954 على حساب المجر في النهائي، فإن منتخب الإمارات وما فعله استحق فيلم «أنوار روما»، ليحكي أجمل اللحظات التاريخية التي حملت «الأبيض» إلى أكبر محفل كروي عالمي، والطريق الذي سلكه الفريق والتحديات التي واجهته قبل الوصول إلى الإنجاز.
طريق صعب
عندما يوصف إنجاز 1990 بأنه معجزة إماراتية فإن التشبيه لا يبتعد عن الحقيقة، لأن كتابة القصة الفريدة بدأت تحديداً في 12 إبريل عام 1985 حين خاض «الأبيض» تصفيات مونديال 1986، ووقتها كانت المشاركة الأولى له في هذا الحدث الآسيوي المؤهل إلى كأس العالم، وأوقعه حظه العاثر في مواجهة أقوى منتخبين في ذلك الوقت(السعودية والعراق).
كان على الإمارات أن تواجه الأخضر السعودي القوي والذي كان أحرز كأس آسيا 1984، لكن «الأبيض» خالف كل التوقعات وفرض التعادل مع «الأخضر» ذهاباً في ملعبه بالرياض صفر-صفر، ومن ثم عاد وفاز عليه إياباً 1-صفر في ملعب الوصل بدبي، وسجل الهدف فهد خميس الذي كان تاريخياً بعدما كان أول هدف إماراتي في تصفيات المونديال.
تأهل منتخب الإمارات بعد تجاوز نظيره السعودي إلى الدور الثاني وواجه منتخباً قوياً أيضاً هو العراق وقد خسر «الأبيض» ذهاباً في دبي بطريقة درامية 2-3 بعدما كان تقدم بهدفين نظيفين، لكن في لقاء الإياب الذي أقيم في مدينة الطائف السعودية، تقدمت الإمارات مجدداً بهدفين نظيفين لفهد خميس وعدنان الطلياني وهو ما كان يعني صعود منتخبنا للدور الحاسم.
وبدأت الاحتفالات مع تسجيل نتيجة 2-صفر بالتأهل إلى الدور الحاسم النهائي لمواجهة سوريا ثم الصعود إلى مونديال 1986 في المكسيك، لكن قبل ثوان من إعلان الحكم صافرة النهاية حاول مدافع شباب الأهلي دبي محمد سالم ( رضوان) إبعاد كرة عراقية أرسلها أحمد راضي إلى منطقة الجزاء بطريقة «دبل كيك» ليخطأ ذلك وتصل إلى العراقي كريم صدام الذي أودعها الشباك التي كان يحرسها عبد القادر حسن ليكون التأهل للعراق رغم خسارته 1-2 وذلك لفوزه 3-2 في دبي.
ويقال الكثير عن منتخب تصفيات مونديال 1986، حيث يوصف أفراده بأنهم من أفضل الأجيال الذين أنجبتهم كرة الإمارات، ولكن نكسة الهدف القاتل في الطائف هي من أدت لاحقاً إلى تحقيق معجزة الصعود بعد أربعة أعوام.
أجمل القصص
وتألفت تشكيلة منتخب الإمارات في تصفيات مونديال 1986 يومها من لاعبين شارك معظمهم في حدث 1990 من بينهم فهد خميس وعدنان الطلياني وعبد الرحمن محمد ومبارك غانم وحارس المرمى عبد القادر حسن وفهد عبد الرحمن ومبارك وخليل غانم وعبد الرزاق إبراهيم «تحفة الخليج» وخالد إسماعيل وعبدالله سلطان، كما ضمت التشكيلة رضوان وخالد عبد العزيز وحسن علي.
ومن أجمل القصص التي تروى عن تلك المباريات التاريخية التي كانت أشبه بالملاحم أن خالد إسماعيل الذي عاد وشارك في مونديال 1990 وسجل هدفاً تاريخياً في مرمى ألمانيا أكمل المباراة مع العراق بيد مكسورة تم لفها في رباط.
ويقول خالد إسماعيل عن تلك المباراة التي لا تنسى في ذاكرة جيل الذهب: لم أشعر بأي ألم كنا نريد أن نفوز بأي طريقة وأكملت المباراة حتى النهاية رغم الكسر.
بالتأكيد إن ما حصل في تصفيات 1986 كان له دور كبير في تأهل الأبيض إلى مونديال إيطاليا 1990 بعدما اكتسب اللاعبون الخبرة اللازمة وخاضوا مباريات أكثر، واحتكوا مباشرة مع منافسين أقوياء في حدث لا يشبه ما كانوا اختبروه في كأس آسيا أو بطولة الخليج.
إلى روما
بدأت الرحلة نحو مونديال 1990 في التصفيات الأولية التي بدأت بخسارة «الأبيض» أمام الكويت 2-3 في المجموعة الثالثة في 13 يناير 1989، ثم كان الفوز على باكستان بخمسة أهداف نظيفة في اللقاء الثاني، ثم جاء لقاء الثأر من الأزرق الكويتي بهدف من عدنان الطلياني الذي نزل بديلاً، وبعدها كان الفوز على باكستان 4-1 ليتأهل المنتخب إلى التصفيات النهائية بفارق الأهداف عن الكويت.
وقبل السفر إلى سنغافورة لخوض التصفيات النهائية التي بدأت في أكتوبر عام 1989 استقال الاتحاد الإماراتي لكرة القدم ليتم تعيين لجنة مؤقتة برئاسة سلطان صقر السويدي، لكن هذه الصعاب لم تزد المنتخب الذي كان يقوده البرازيلي الشهير ماريو زاغالو إلا إيماناً بتحقيق الحلم.
وكانت المباراة الأولى في التصفيات النهائية أمام كوريا الشمالية سلبية وانتهت بالتعادل صفر-صفر، ثم عوض «الأبيض» بالفوز على الصين التي تقدمت 1-صفر حتى آخر دقيقتين، ثم عادل خليل غانم النتيجة، وسجل عدنان الطلياني بعد مجهود فني من عبد الرزاق إبراهيم هدف الفوز وسط ذهول الصينيين.
وفي المباراة الثالثة تعادلت الإمارات مع السعودية صفر-صفر، ثم كررت نفس الأمر أمام قطر 1-1، وقبل لقاء كوريا الجنوبية الحاسم تم إيقاف أحد أفضل لاعبي «الأبيض» عبد الرزاق إبراهيم من قبل الاتحاد الدولي «فيفا» بسبب خطأ سابق كان وقع به في كأس العالم العسكرية، ومع ذلك استطاع المنتخب تحقيق التعادل بهدف من الطلياني الذي صعد بالإمارات إلى كأس العالم في إيطاليا، بعد فوز واحد و4 تعادلات.
كان كل شيء في الطريق إلى إيطاليا صعباً ومع ذلك تحقق التأهل الذي جاء بفضل لاعبين مميزين تقدمهم الطلياني الذي سجل في التصفيات الأولية والنهائية 4 أهداف، وعبد الرزاق إبراهيم 3 أهداف، وكذلك زهير بخيت وخالد إسماعيل وخليل غانم وعبد العزيز بواقع هدفين لكل منهم، وهدف لعبدالرحمن محمد.
وضمت بعثة المجد عبدالرحمن الحساوي وسلطان صقر السويدي ( رئيسا البعثة على فترتين) وعبدالله إبراهيم مديراً للفريق، وماريو زاغالو مدرباً، واوميلدو شيرول مساعداً، وباولو سيزار مساعداً، والدكتور محمد سالم طبيباً، وحسن الهلالي أخصائياً للعلاج، وجوتيليودا سيلفا مدلكاً، وميجويل بنانا مدرباً للحراس، وفهد خميس ناشد محاسباً، وكيلاني عبدالمنعم مسؤولاً للمهمات.
أما تشكيلة اللاعبين فضمت محسن مصبح، عبدالعزيز محمد، يوسف حسين، عبدالرحمن الحداد، عيسى مير، إبراهيم مير، حسين غلوم فهد خميس، ناصر خميس، سالم ربيع، فهد عبدالرحمن، حسن محمد، زهير بخيت، خالد إسماعيل، عادل أنس، عبدالرحمن محمد، عبدالله سلطان، خليل غانم، مبارك غانم، عبدالرزاق إبراهيم، عبدالقادرحسن، محمد عبيد، عدنان الطلياني، فهد النويس.
وبغض النظر عن أن المنتخب لم يحقق نتائج لافتة في مونديال 1990 بعد خسارته أمام كولومبيا صفر-2 وألمانيا 1-5 ويوغسلافيا 1-4، إلا أن الصعود بقي إنجازاً يتم ذكره دائماً بالنظر إلى الظروف الصعبة والتحديات الكثيرة التي أحاطت به.
ولقد حاول الفيلم الوثائقي «أنوار روما» قبل أعوام الإضاءة على كل المحطات، كما كانت هناك لقاءات جديدة بينها زيارة اللاعبين علي ثاني وعبد الرحمن الحداد إلى البرازيل لحضور مونديال 2014 ولقاء مدرب الإمارات في كأس العالم 1990 كارلوس ألبرتو بيريرا.
وكان علي ثاني الذي سجل هدفاً في مونديال 1990 خلال لقاء يوغسلافيا سعيداً بلقاء كارلوس ألبرتو، وفخوراً بأن المدرب البرازيلي الذي كان مساعداً لسكولاي في تدريب البرازيل خلال كأس العالم 2014 أوقف المؤتمر الصحفي ليعرف المتواجدين إلى اللاعبين الإماراتيين.
ومازال علي ثاني يحتفظ بقميص منتخب الإمارات الذي ارتداه في المونديال، وهو مثل له الفخر دائماً ويقول في الفيلم الوثائقي: «كنا آنذاك مجموعة من اللاعبين الهواة، وقد بذلنا الكثير من التضحيات في سبيل المشاركة وتمثيل منتخب الإمارات ورفع علم بلادنا عالياً، فمن اللاعبين من ترك عائلته ومنهم من ترك عمله في سبيل السفر والمشاركة في تصفيات كأس العالم، لم يكن أحد يتوقع منا أن نحقق هذا الإنجاز».
وتابع: «ما زلت أتذكر المباراة الأخيرة التي لعبها المنتخب في مرحلة التصفيات أمام كوريا الجنوبية، لقد كانت المعنويات مرتفعة لدى أعضاء الفريق الذين تمتعوا بروح القتال والمغامرة والتحدي، لقد بذل اللاعبون وأعضاء الفريق كل جهدهم لتحقيق هذا الإنجاز الذي يعد الأهم في تاريخ كرة القدم الإماراتية».
فهل يتحقق الحلم الثاني وننتج بعد سنوات فيلماً عن «أنوار الدوحة»؟