شهد العام 2024 تحولاً لافتاً في سوق العملات المشفرة؛ ليُعتبر بمثابة نقطة فارقة في تاريخ هذه الصناعة الناشئة، مع تجاوز سعر البيتكوين حاجز الـ 100 ألف دولار مسجلاً مستويات تاريخية غير مسبوقة، مما أضاف مزيداً من الزخم والاهتمام لهذه السوق المثيرة للجدل.
جاء هذا الإنجاز مع تحولات جذرية أخرى؛ منها الموافقة التاريخية للجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية (SEC) على الصناديق المتداولة بالعملات المشفرة، مما يفتح الأفق أمام مزيد من الاستثمارات المؤسسية في هذا المجال، لا سيما وأن تلك الموافقة اعتبرت علامة فارقة في تقنين العملات المشفرة داخل النظام المالي التقليدي.
كان لتجاوز سعر البيتكوين 100 ألف دولار خلال العام 2024 وقعاً خاصاً على محبي العملات المشفرة والمستثمرين على حد سواء، ذلك أن هذه الزيادة الكبيرة في قيمة العملة الرقمية الرائدة، جاءت بعد سلسلة من التقلبات التي شهدتها في السنوات الماضية، مما يعكس مرونة السوق وقدرتها على جذب استثمارات ضخمة.
لكن الأهم من ذلك، أن هذا الارتفاع دفع العديد من المستثمرين التقليديين إلى إعادة النظر في استراتيجياتهم الاستثمارية، وهو ما يعكس تحولاً تدريجياً نحو الاعتراف بالبيتكوين كأداة مالية ذات قيمة مستقرة.
بحسب تقرير لـ visualcapitalist، فإنه بحلول نهاية العام 2024، سيكون هناك حوالي 562 مليون شخص يمتلكون نوعاً ما من العملات المشفرة، وهو ما يعادل 6.8 بالمئة من سكان العالم.
مع ارتفاع سعر البيتكوين بأكثر من الضعف هذا العام، زادت ملكية العملات المشفرة العالمية بنسبة 33 بالمئة منذ العام 2023 وحده. وفي العام الماضي، شهدت كل منطقة من مناطق العالم نمواً في الملكية وسط زيادة ثقة المستثمرين وبيئات تنظيمية أكثر دعماً.
من جهة أخرى، لاقت تصريحات الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، ترحيباً واسعاً في أوساط عشاق العملات المشفرة. حيث وعد ترامب بجعل الولايات المتحدة “القوة العظمى للبيتكوين” على مستوى العالم. وتعهد بتسهيل البيئة التنظيمية للعملات المشفرة، مما قد يعزز من دور الولايات المتحدة كمركز رئيسي في صناعة العملات الرقمية.
وإذا ما تم تنفيذ هذه الوعود خلال الـ 100 يوم الأولى، فقد يكون لذلك تأثير بالغ في تسريع نمو السوق، وجذب المزيد من الشركات العالمية للاستثمار في هذه التكنولوجيا.
وفي ظل هذه التطورات، من المتوقع أن يشهد العام 2025 مزيداً من التشريعات المتعلقة بالعملات المشفرة، حيث تزايدت الضغوط من مختلف الحكومات والمؤسسات المالية لإيجاد توازن بين تشجيع الابتكار وحماية النظام المالي من المخاطر المحتملة. وقد تتجه بعض الدول إلى وضع أطر تنظيمية أكثر وضوحاً للعملات المشفرة، وهو ما سيسهم في تحسين الشفافية ويجذب المزيد من الاستثمارات.
عام محوري
يقول رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- عام 2024 كان عاماً محورياً في مسار العملات المشفرة.
- شهد العام تحولات جذرية أثرت بشكل كبير على مستقبل هذه العملات.. من بينها الحدث الأبرز عندما أعلنت هيئة الأوراق المالية الأميركية موافقتها على إنشاء صناديق تداول للبيتكوين والإيثيريوم. هذا القرار جاء بعد سنوات من المعارضة الشديدة من الهيئة، التي كانت تنظر إلى العملات المشفرة كأداة لغسيل الأموال والاحتيال.
- هذا التحول الكبير في موقف الهيئة أعاد المصداقية إلى العملات المشفرة، لا سيما بعد دخول شركات عملاقة مثل “بلاك روك” في مجال الاستثمار فيها، مما عزز الثقة في هذه الأصول الرقمية.
ويشير يرق إلى أن الدعم الإضافي للعملات المشفرة خلال الأشهر الأخيرة جاء مع فوز الرئيس المنتخب دونالد ترامب، بارئاسة، وقد أبدى اهتماماً كبيراً بالعملات المشفرة، بعدما كان يعتبرها في العام 2018 أداة احتيال، مشيراً إلى أن ترامب أطلق عملته المشفرة الخاصة كجزء من حملته الانتخابية، معتمداً على دعم إيلون ماسك وتعزيز التكنولوجيا في هذا المجال.
ويرى أن:
- العملات المشفرة قد تشهد تطورات دراماتيكية في المستقبل القريب، خاصة مع توقعات المحللين بأن تصل قيمة البيتكوين إلى مستويات قياسية جديدة قد تتجاوز 200 ألف دولار.
- التدفقات المالية على العملات المشفرة مع تولي ترامب ستلعب دوراً محورياً.. لا سيما مع اختراق عملة البيتكوينحاجز الـ 100 ألف في وقت سابق.
أما على الصعيد الدولي، يقول يرق إن دولًا مثل بريطانيا تخطط لتشريع العملات المشفرة بحلول العام 2026، فيما تعمل الدول الأوروبية على صياغة قوانين جديدة لتنظيم هذا المجال.
ما هي أهم التطورات المُنتظرة لسوق الكريبتو في 2025؟
في السياق، يشير تقرير لـ “فوربس” إلى عددٍ من التطورات المنتظرة بسوق الكريبتو في العام 2025، بما في ذلك تبني المزيد من الدول البيتكوين كأصل احتياطي، وأن تدمج الشركات العملات المشفرة في استراتيجيات الخزانة والأطر التشغيلية، وأن يعمل الوضوح التنظيمي على إطلاق العنان لإمكانات نمو جديدة في الولايات المتحدة.
وفيما يلي 10 تنبؤات جريئة للعام المقبل، مدعومة بالاتجاهات وبيانات السوق:
- ستعلن الولايات المتحدة عن عملة البيتكوين كأصل احتياطي استراتيجي، ففي غضون أول 100 يوم من إدارته، سيصدر الرئيس المنتخب دونالد ترامب أمراً تنفيذياً يصنف البيتكوين كأصل احتياطي استراتيجي.
- البنوك المركزية العالمية ستسعى جاهدة للحصول على البيتكوين، مع تبني الولايات المتحدة للبيتكوين.
- شركة FAANG ستضيف عملة البيتكوين إلى ميزانيتها العمومية، على غرار شركة MicroStrategy
- سيتجاوز إقراض العملات المشفرة 100 مليار دولار
- ارتفاع حاد في صناديق الاستثمار المتداولة للعملات المشفرة، بعد نجاح صناديق الاستثمار المتداولة في البيتكوين، مع تدفقات تتجاوز 10 مليارات دولار في عام 2024.
- التنظيم المؤيد للعملات المشفرة سيفتح الباب أمام النمو في الولايات المتحدة، كما أن التغييرات القيادية في هيئة الأوراق المالية والبورصات وهيئة تداول العقود الآجلة للسلع سوف تمهد الطريق لمعاملة أكثر إنصافًا لشركات العملات المشفرة، بحسب التقرير.
- ستطلق البنوك الكبرى عملات مستقرة خاصة بها.
- الكونغرس سوف يعدل قواعد الأوراق المالية والمستثمرين المعتمدين لمواكبة المشهد المالي المتطور.
- موجة من عمليات الاستحواذ ستعيد تشكيل مشهد العملات المشفرة.
ويشير التقرير إلى أنه سوف تعكس صناعة العملات المشفرة في العام 2025 عصراً جديداً من التبني السائد، والوضوح التنظيمي، والتكامل المالي.
ويؤكد كل من هذه التوقعات على فئة أصول ناضجة مستعدة لإعادة تعريف الاقتصاد العالمي. وسوف تحدد الفرص – والتحديات – نغمة العقد المقبل.
أداء استثنائي
خبير أسواق المال، محمد سعيد، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن:
- العام 2024 شهد أداءً استثنائياً لسوق العملات المشفرة، حيث تميز بعدة أحداث هامة ومؤثرة في هذا القطاع.
- البداية كانت مع الموافقة على أول صندوق متداول في البيتكوين، مما شكل مفاجأة كبيرة في السوق. وتبع ذلك في منتصف العام الموافقة على صندوق للإيثيريوم، مما أضاف بُعداً جديداً للتقنين والتنظيم في عالم العملات المشفرة.
- النجاح الذي حققه دونالد ترامب في الانتخابات لعب دوراً محورياً في هذه الارتفاعات.. ترامب، الذي كان سابقاً ضد العملات المشفرة، أعلن عن رغبته في تحويل الولايات المتحدة إلى مركز عالمي للعملات الرقمية. كما كشف عن نيته إنشاء احتياطي من البيتكوين كبديل للذهب وإلغاء الضرائب على الأرباح المحققة من العملات المشفرة.
ومن ناحية أخرى، يشير إلى الدعم الكبير الذي قدمه الملياردير إيلون ماسك، المعروف بتأييده للعملات المشفرة، حيث عُين ماسك في منصب وزاري في إدارة ترامب، وأطلق اسم “دوجي” – نسبة إلى عملة الدوجكوين الرقمية – على الإدارة التي يرأسها في الإدارة الأميريكة الجديدة. وهذه التطورات أسهمت في ارتفاع قياسي لسوق الكريبتو.
وبحسب سعيد، فإن كل هذه العوامل ساعدت في دفع سعر البيتكوين إلى مستويات غير مسبوقة بلغت 107 آلاف دولار، مع توقعات بمواصلة الصعود إلى 125 ألف دولار على المدى القصير، وربما إلى 150 ألف دولار على المدى المتوسط، بعد عمليات التصحيح.
ويرى خبير أسواق المال أن هذه الأرقام القياسية والصعود الاستثنائي يعكسان ثقة السوق في الوعود التي قدمها ترامب أثناء حملته الانتخابية. ومع استمرار العمل على تحقيق هذه الوعود، قد نرى مزيداً من الارتفاعات في المستقبل القريب.
عوامل دافعة للنمو
خبير تقنية البلوك تشين والأمن السيبراني، الدكتور أحمد بانافع، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: شهدت سوق العملات المشفرة عاماً حافلاً بالتقلبات والفرص في 2024، مدفوعاً بعوامل اقتصادية وتقنية وجيوسياسية.. وفيما يلي أبرز التطورات التي أثرت على السوق والتوقعات للعام المقبل:
- زيادة اهتمام المؤسسات الكبرى: دخول شركات مثل “بلاك روك” إلى سوق البيتكوين عزز الثقة في العملات المشفرة كوسيلة استثمارية. كما أن المؤسسات المالية تبحث عن أصول رقمية للتحوط من التضخم وتعزيز التنويع.
- التطورات التقنية: شبكات مثل “إيثيريوم” شهدت ترقيات كبيرة (مثل تحديث شنغهاي)، مما عزز الأداء والكفاءة. كما أن استخدام التطبيقات القائمة على تقنية التمويل اللامركزي (DeFi) سجل نموًا ملحوظًا.
- البيتكوين هالفينغ (التنصيف): تقليص مكافآت التعدين للبيتكوين رفع من مستويات التوقعات المستقبلية للأسعار، معززًا الطلب طويل الأمد.
- الأحداث الجيوسياسية: التوترات الدولية دفعت العديد إلى اللجوء للعملات المشفرة كملاذ آمن. كما أن العقوبات الاقتصادية على بعض الدول أدت إلى زيادة استخدام العملات الرقمية في الأسواق الرمادية.
- اعتماد مؤسسي متزايد: دول مثل السلفادور واصلت اعتماد البيتكوين كعملة قانونية.. كذلك فإن الشركات التقنية الكبرى أظهرت اهتمامًا متزايدًا بتقنية البلوكتشين.
وفي تقديراته للعام 2025، يتحدث بانافع عن تأثيرات تعزيز التنظيم المحتملة، حيث من المتوقع صدور قوانين واضحة لحماية المستثمرين، مما سيؤدي إلى استقرار السوق على المدى الطويل.
كما يتحدث عن “ابتكارات تقنية جديدة” بما في ذلك تعزيز شبكات البلوكتشين والتوسع في التطبيقات اللامركزية، وذلك جنباً إلى جنب وزيادة الاعتماد المؤسسي من قبل شركات كبرى ومؤسسات مالية ستواصل دخول السوق، مما سيدفع بأسعار العملات نحو الصعود.
لكنه يشدد على أنه رغم التقدم، ستظل العملات المشفرة عرضة لتأثير العوامل الخارجية مثل السياسات الاقتصادية العالمية والتوترات الجيوسياسية.
وبينما يتوقع أن تستمر سوق العملات المشفرة في النمو خلال 2025، سيظل التركيز على الابتكارات التقنية والتنظيمات الواضحة لتحقيق التوازن بين استقرار السوق وجذب الاستثمارات. اضافة الي عامل جديد ساعد في ارتفاع القيمه السوقيه للعملات المشفره وهو تأييد الرئيس المنتخب ترامب لها.