- مباراة تاريخية لألمانيا وفرنسا ومؤامرة على الجزائر
استعرضت البرازيل، وأمتعت إلى ما لا نهاية، لكن واقعية إيطاليا وباولو روسّي العائد من الإيقاف بتهمة تعليب نتائج المباريات، منحتها لقب مونديال إسبانيا 1982 مرة ثالثة في تاريخها، على حساب ألمانيا الغربية الناجية من تحطيم أسنان الفرنسي باتيستون بعد إقصائها الجزائر بمؤامرة «العار» مع النمسا.
سحر الأداء الرائع للبرازيل القلوب، وبرر مدربها آنذاك تيلي سانتانا «أفضل الخسارة مستعرضاً، على الفوز بأداء مملّ».
صحيح أن البرازيل عرفت في 1970 جيلاً ذهبياً بقيادة الملك بيليه، لكن لم تكن تملك طوال تاريخها فريقاً من 21 نجماً، كما كان حالها في 1982، لكن مشكلتها أن الحراس الثلاثة الذين تواجدوا في التشكيلة كانوا نقطة ضعفها.
يقول المدرب الإسباني بيب غوارديولا في مدح ذلك الفريق الأسطوري «البرازيل 1982 هي أروع منتخب في التاريخ: جونيور، فالكاو، سقراطيس، إيدر، زيكو… مواهب رائعة لعبت سوياً».
بعد قدوم سانتانا «تغيرت الأمور جذرياً. أصبح اللعب مع سيليساو أكثر متعة. أردنا اللعب بشكل حدسي وليس منهجياً»، وفق الظهير الأيسر الرائع جونيور.
وبأسلوب فلسفي، يشرح صانع اللعب سقراطيس «من يركض لا يفكّر، ومن يفكّر لا يركض». خضع اللاعب المدخّن المحب للكحول والمكنى «ماغراو» (النحيل الطويل) لحمية مدة خمسة أشهر، فقاد عاشق الثورة المقتدي بتشي غيفارا وفيدل كاسترو وجون لينون فريقاً وصفه بالـ«فوضى المنظّمة».
لم تخسر البرازيل في 19 مباراة قبل المونديال، ففازت على إنجلترا في لندن، وفرنسا في باريس وألمانيا في شتوتغارت في غضون أسبوع.
وللمرة الأولى استدعت البرازيل محترفين من الخارج، فبرز فالكاو من روما الإيطالي، لكن قبل ثلاثة أيام مُنيت بنكسة هجومية إثر إصابة الصاعد كاريكا.
تلاعبت البرازيل بخصومها وصولاً إلى مباراة الحسم في الدور الثاني المؤهلة إلى نصف النهائي، المعتمد مرة أولى منذ 1970.
كان التعادل يكفيها أمام إيطاليا، لكن مواجهة تاريخية في برشلونة انتهت بفوز الطليان 3-2، بثلاثية من باولو روسّي، فوصف البعض خسارة البرازيل بـ«اليوم الذي أسلمت كرة القدم روحها».
وقال زيكو نجم الفريق آنذاك وأبرز سحرته: كانت البرازيل تملك وقتها فريقاً رائعاً ذائع الصيت حول العالم. في كل مرة نسافر فيها إلى الخارج يذكرنا الناس بتشكيلة 1982.
وأضاف: لو كنا قد فزنا بهذه المباراة لكانت كرة القدم قد اختلفت عن يومنا هذا. فبدلاً من اعتماد الأسلوب الهجومي بدأ التفكير في الخروج بنتائج بأي ثمن. وأصبحت كرة القدم تتمحور حول كيفية إيقاف تحركات الفرق المنافسة وعرقلة المنافسين.
وتابع: هزيمة البرازيل لم تكن مفيدة لكرة القدم العالمية.
وكان لهذه الهزيمة تأثيرها الكبير في طريقة لعب البرازيل بعد ذلك؛ حيث حققت لقبيها في كأس العالم بعد هذا التاريخ بشكل عملي خلا من الطريقة الهجومية الشاملة التي كانت تنتهجها في الماضي.
وقال زيكو الذي يعد واحداً من أفضل اللاعبين الذين أنجبتهم الملاعب البرازيلية على الرغم من إخفاقه في رفع كأس العالم في ثلاث محاولات: إن الفرق البرازيلية بعد هزيمة 1982 أصبحت أكثر تركيزاً على تقوية النواحي البدنية.
- تعادلات ثم انتفاضة
خلافاً للبرازيل، كانت إيطاليا تتخطى الدور الأول بشق النفس، بعد ثلاثة تعادلات مع بولندا 0-0، البيرو والكاميرون بنتيجة واحدة 1-1.
واجه اللاعبون انتقادات إعلامية لاذعة بسبب أسلوبهم، حياتهم الخاصة وتركيزهم على المكافآت المالية، فصوّتوا (18-4) لعدم الإدلاء بتصريحات فانقلبت الصورة.
على الرغم من الانتقادات، تشبّث المدرّب انتسو بيرزوت بتشكيلته المفضّلة ضمّت 6 لاعبين من يوفنتوس، مجدّداً الثقة في باولو روسّي الغائب عامين، بعد إيقافه لتورطه بفضيحة المراهنات والتلاعب بالنتائج «توتونيرو».
دافع باولو روسي الذي سجن بسبب القضية عن نفسه «كان يجب أن يدفع الثمن شخص مهم، فهمت بسرعة أنني الضحية… كنت كبش فداء لمنع أزمة أخطر وأعمق».
أحدثت مشاركته تشاؤماً، خصوصاً لعودته إلى الملاعب قبل شهر من المونديال، فصام عن التهديف في أوّل أربع مباريات، لكنه ضرب بثلاثية أمام البرازيل وضعت فريقه في نصف النهائي؛ حيث أضاف ثنائية أمام بولندا، ثم افتتح التسجيل في النهائي ضد ألمانيا الغربية (3-1)، ليتوج الجناح المتحوّل إلى رأس حربة هدافاً للبطولة وأحرزت بلاده لقباً ثالثاً بعد 1934 و1938.
قلبت إيطاليا الطاولة وردت على المشككين، فقال لاعب وسطها برونو كونتي «أخطأ زيكو عندما قال إن أسلوبنا يعتمد على هدم وتكسير خطط المنتخبات المنافسة».
لكن الرقابة العنيفة لكلاوديو جنتيلي على الموهوب الأرجنتيني الصاعد بقوّة آنذاك دييغو مارادونا وتمزيق قميص البرازيلي زيكو، تركتا بصمة دفاعية لا تنسى.
خط دفاع إيطالي حمى عرينه الحارس الأربعيني دينو زوف، أكبر لاعب يحرز كأس العالم. على الرغم من تلقيه أهدافاً بعيدة المدى من هولندا والبرازيل في 1978، بقي بيرزوت واثقاً به.
عندما رفضه إنتر ويوفنتوس بعمر الـ14 لقصر قامته، حاول والده إقناعه بأن يعمل ميكانيكياً. كان لدى جدته حلّ مختلف: أطعمته ثماني بيضات نيئة يومياً من مزرعتها في محاولة لزيادة طوله (1.82 م).
أصبح زوف رمزاً لـ«سكوادرا أتزورا»، فقال عنه روسي «دينو كان أهم لاعب في تشكيلة إيطاليا 1982. كان قدوة والوحيد الذي يجسّد صورة الفريق».
في نهائي مدريد، سيطرت إيطاليا على ألمانيا الغربية، وأضاع لها أنتونيو كابريني ركلة جزاء مطلع المباراة، لكنها خرجت فائزة 3-1، مع احتفالية تاريخية لماركو تارديلي.
في طريق العودة من إسبانيا، لعب زوف الورق مع رئيس البلاد ساندرو برتيني في طائرته. دعا الأبطال إلى مائدته وقال: «أجلسُ وإلى جانبي بيرزوت وزوف مع رفاقه. إذا بقي مكان للوزراء والنواب فهذا جيّد، وإذا لا فليذهبوا إلى المطعم».
بعد ست سنوات من وفاة فرانكو وصحوة الديمقراطية في إسبانيا، حصل تخوّف لعدم الاستعداد الكافي، فوصفت صحيفة «إل باييس» البطولة قبل أسبوع من افتتاحها بأنها «أعظم كارثة وطنية»، بموازاة تهديدات الانفصاليين الباسك.
رفع الاتحاد الدولي (فيفا) عدد المشاركين من 16 إلى 24 منتخباً، فسجّلت المجر أكبر عدد من الأهداف في تاريخ المسابقة بمرمى السلفادور (10-1).
بلغت الجزائر النهائيات للمرة الأولى وكانت الكويت أول سفيرة للكرة الخليجية وعرب آسيا، وشهدت مباراتها مع فرنسا حادثة فريدة تمثلت بنزول الشيخ فهد الأحمد الصباح أرض الملعب لإلغاء هدف ضد فرنسا.
فجّرت الجزائر مفاجأة من العيار الثقيل ملحقة بألمانيا الغربية خسارة تردّد صداها في أنحاء العالم أجمع، بهدفي رابح ماجر ولخضر بلّومي مقابل هدف لكارل-هاينتس رومينيغه، لكنها لم تتأهل إلى دور المجموعات الثاني بعد مؤامرة ألمانية – نمساوية.
كان فوز ألمانيا على النمسا 1-0 يؤهلهما سوياً بفارق الأهداف عن الجزائر. بعد تقدّم مبكّر بهدف هورست هروبيش، اكتفى المنتخبان بتبادل فاضح ومخجل للكرات في منتصف الملعب، من دون أي مخاطرة بالهجوم.
غضبت جماهير خيخون وهتفت ساخرة «كي سي بيسين» (فليقبّلوا بعضهم)، فيما طالب معلّق المباراة في النمسا المشاهدين بإغلاق التلفاز.
اعترضت الجزائر لكن فيفا رفض، وكانت «مباراة العار» شرارة تغيير النظام، بإقامة آخر مباراتين في دور المجموعات في توقيت واحد.
بعد سنوات، اعتذر المدافع الألماني هانس-بيتر بريغل عن المؤامرة، وقال: «كانت النمسا تعرف جيداً أننا نمتلك القدرة على الفوز، وبعد تسجيلنا الهدف المبكّر كانوا أمام خيارين: إما الاكتفاء بالنتيجة والتأهل سوياً أو المخاطرة بإكمال اللعب وتلقي هدفين آخرين، فاختاروا الأوّل».
- شوماخر يحطّم وجه باتيستون
في نصف نهائي تاريخي في إشبيلية، كان البديل الفرنسي باتريك باتيستون يهمّ لتسجيل هدف التقدّم على ألمانيا الغربية، لكن الحارس توني شوماخر ركله بعنف لا مثيل له على رأسه.
وقع أرضاً مغمياً عليه فظنّ زملاؤه بأنه توفي وصرخ زميله ميشال بلاتيني طالباً النجدة، فيما نهض شوماخر ولم يكترث بما فعل وراح يلاعب الكرة.
تعرّض لكسر في فقرته العنقية وتحطّم اثنتان من أسنانه، من دون أن يُطرد شوماخر أو تُحتسب ركلة جزاء من الحكم الهولندي تشارلز كورفر الذي قال لاحقاً إنه لم ير الحادثة.
مدد الوقت فتقدمت فرنسا 3-1، لكن الألمان عادلوا 3-3، قبل أن يحسموا أول ركلات ترجيحية في تاريخ المونديال 5-4، بصدتين من شوماخر.
على الرغم من الخسارة و«الإحساس العميق بالظلم»، يروي بلاتيني أفضل لاعب في أوروبا ثلاث مرات «لا يمكن لأي كتاب أو فيلم استعادة ما خالجنا من مشاعر. خضنا واحدة من أروع المباريات على امتداد مسيرتنا».