خاصأزمة عقارات – الصينفي خضم التحولات الاقتصادية العميقة التي تواجهها الصين، يبرز قطاع العقارات كأحد أعمدة الاقتصاد المتعثرة التي تعكس تعقيدات المشهد الاقتصادي، فبعد سنوات من الركود وانخفاض المبيعات، يقف السوق الآن أمام مفترق طرق حاسم مع اقتراب عام 2025.وأسهم العقارات التي شهدت انتعاشاً مؤقتاً في العام الحالي تواجه ضغوطاً متزايدة، في وقت تتزايد فيه المخاوف من استمرار الانخفاض في أسعار المنازل والمبيعات، والمؤشرات الحالية تعكس واقعاً غير مشجع، حيث يشير المحللون إلى أن الحلول المجزأة والتحفيزات المحلية لم تكن كافية لتحريك عجلة الانتعاش بشكل مستدام.
في المقابل، تبدو الشركات العقارية ذات العلاقات القوية مع الحكومة في موقف أكثر استقراراً، لكن التحديات الهيكلية والضغوط على المستثمرين تُلقي بظلالها على أي تفاؤل محتمل، فهل يصبح عام 2025 نقطة تحول تنقذ السوق العقاري الصيني من الركود، أم أن الأزمة ستستمر في التفاقم؟ وكيف يمكن لهذه التحولات أن تعيد تشكيل مستقبل أحد أكبر أسواق العقارات في العالم؟
يبدو أن أزمة العقارات في الصين ستزداد سوءاً قبل أن تتحسن، مما يزيد من احتمال حدوث عام بائس لأسهم العقارات على الرغم من الارتداد الأخير، بحسب تقرير نشرته وكالة “بلومبرغ” واطلعت عليه سكاي نيوز عربية.
وأوضح التقرير أن شركات التطوير العقاري في البلاد لا تزال تعاني من الركود الذي استمر لسنوات والذي أضعف ثقة المشترين المحتملين، وتسبب في انخفاض حاد في أسعار المنازل، وترك ملايين المنازل غير مكتملة، منوهاً بأن التحسن الأخير في أسعار أسهم مطوري العقارات الصينيين وفقاً للتوقعات قد يثبت أنه قصير الأجل.
وارتفع مؤشر بلومبرغ للقطاع بنحو 2.5 بالمئة على مدى عام 2024 حتى 23 ديسمبر، بعد أربعة أعوام متتالية من الانخفاضات.
لكن هذا الارتفاع – الذي نتج إلى حد كبير عن انتعاش مدفوع بالحوافز في سبتمبر – بدأ بالفعل في فقدان الزخم.
ووفقاً لتحليلات بنك “مورغان”، فإن “تعافي أسعار الأسهم للمطورين الصينيين يقد ينحصر على تعافي مستمر في المبيعات، ولكن يبدو أن هذا بعيد المنال”، في حين يتوقع بنك “وول ستريت” انخفاض المبيعات بنسبة 12 بالمئة العام المقبل، وانخفاض أسعار المنازل بأرقام عالية من حيث النسبة المئوية من مستوى نوفمبر 2024، بينما تتوقع وكالة فيتش للتصنيف الائتماني انخفاض الأسعار بنسبة 5 بالمئة في عام 2025 وانخفاض مبيعات المنازل الجديدة بنسبة 10 بالمئة حسب المنطقة.
وأشار تقرير الوكالة الأميركية إلى أن الضغط على أسعار الأسهم يعني أنه يجب على المستثمرين التركيز على الشركات ذات الروابط القوية مع الحكومة، إذ تعد China Overseas Land & Investment Ltd، وChina Resources Land Ltd، بين أفضل الاختيارات من الملاحظات البحثية الأخيرة الصادرة عن Morgan Stanley وMorningstar و CGS International Securities HK.
وقال جيف تشانغ، محلل لدى شركة “مورنينغ ستار”: “نرى أن بعض مطوري العقارات الكبار المملوكين للدولة المركزية لديهم مجال لارتفاع القيمة، إن أسعار المنازل قد تستقر في النصف الثاني من العام المقبل”.
ويتوقع “مورغان ستانلي تسارع وتيرة اندماج السوق في عام 2025 مع تركيز المطورين من القطاع الخاص على إنهاء المشاريع وخفض المديونية.
ووفقاً للمحللين في البنك، فإن ذلك سيخلق المزيد من المجال للمطورين الرائدين المملوكين للدولة لزيادة حصتهم في السوق.
ومع ذلك، لا يزال القطاع الأوسع يشكل نقطة ضعف في الاقتصاد الصيني – وهناك علامات على أن المشاكل التي تواجه بعض الشركات آخذة في الازدياد.
في مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي الأخير، قالت بكين إنها ستزيد جهودها لمساعدة السوق، على الرغم من أنها لم تقدم سوى القليل من التفاصيل. كما حاولت الحكومات المحلية تقديم المساعدة، من خلال تحركات المسؤولين في شنغهاي وبكين وشنتشن لتخفيف قيود شراء المنازل.
لكن النهج المجزأ للتحفيز لم يؤد حتى الآن إلا إلى ردود فعل قصيرة الأجل في سوق الأسهم، ويعتقد بعض المحللين أن مشاكل القطاع راسخة للغاية بحيث لا يعني الأداء الإيجابي هذا العام الكثير على المدى الطويل.
وقالت كريستي هونغ، محلل في “بلومبرغ إنتليجنس”، إن مزيداً من الدعم السياسي قد يؤدي إلى “ارتدادات تكتيكية قصيرة الأجل” لأسهم العقارات في العام المقبل، لكن السوق سيظل مثقلاً بالتحديات الهيكلية. وأضافت: “قد تظل الأساسيات الضعيفة تمثل عبئاً على التقييمات”.
التشابه مع الأزمة اليابانية
وفي حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أكد طارق الرفاعي، الرئيس التنفيذي لمركز “كروم للدراسات الاستراتيجية”، أن السوق العقاري الصيني سيواصل تراجعه وانكماشه خلال عام 2025، وقد يستمر هذا الاتجاه لسنوات طويلة.
وأشار الرفاعي إلى تشابه الوضع في الصين مع ما حدث في اليابان في الثمانينيات، عندما شهد السوق العقاري الياباني ارتفاعاً قياسياً تلاه انهيار حاد في عامي 1989 و1990، ولم يتعافَ منذ ذلك الحين، إذ لم تعد أسعار العقارات إلى مستوياتها في الثمانينيات رغم مرور نحو 35 عاماً.
وأوضح أن السيناريو نفسه قد يتكرر في الصين لعدة أسباب، أبرزها السيولة الضخمة التي ضختها الحكومة الصينية في الاقتصاد لدعم القطاع العقاري، حيث يعد هذا القطاع الأكبر في البلاد من حيث الاستثمار.
لكن، بعد بلوغه القمة، دخل الآن مرحلة من الانكماش والانخفاض.
محاولات الحكومة لتهدئة الأسواق لم تحقق النجاح
وأضاف أن محاولات الحكومة الصينية في عام 2024 لتهدئة الأسواق وإنعاش القطاع العقاري لم تحقق النجاح المطلوب، وهو ما يرجح استمرار الأزمة في عام 2025. وأوضح أن السوق نما بشكل سريع جداً خلال السنوات الماضية، مما يجعل الانكماش الحالي أمراً طبيعياً ومتوقعاً أن يستمر.
ورغم الارتفاع الذي شهده مؤشر “شنغهاي”، وهو المؤشر الأساسي للصين، ووصوله إلى أعلى مستوياته هذا العام، مما عكس تفاؤل المستثمرين بقدرة الحكومة الصينية على إدارة الأزمة، يرى الرفاعي أن هذا التفاؤل قد يكون قصير الأجل. وأكد أن الدعم والسيولة التي تقدمها الحكومة لم تكن كافية، وهو ما يتفق عليه خبراء من مؤسسات مالية كبرى مثل “غولدمان ساكس” و”جيه بي مورغان”، الذين يرون أن الحكومة الصينية عاجزة عن السيطرة الكاملة على الأزمة والحفاظ على مستويات الأسعار في السوق العقاري.
كما أشار إلى أن السوق الصيني للأسهم، رغم الارتفاعات التي حققها في السنوات الأخيرة، لا يزال بعيداً عن تسجيل مستويات قياسية جديدة مثل تلك التي حققتها أسواق الأسهم الأميركية والأوروبية بعد أزمة كورونا. واستدل على ذلك بعدم عودة مؤشر “شنغهاي” إلى قممه التي بلغها في عامي 2008 و2009 قبل الأزمة المالية العالمية، مما يظهر التحديات الكبيرة التي تواجهها الأسواق الصينية.
تأثير أزمة إيفرغراند على الثقة
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي محمد جميل الشبشيري في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “يمثل سوق العقارات جزءاً أساسياً من نمو الصين الاقتصادي، وقد شكلت أزمة إيفرغراند نقطة تحول في هذا السوق.
فبينما كانت الشركة في ذروة قوتها رمزاً للنجاح، أصبحت اليوم تمثل الوجه الآخر للمخاطر المرتبطة بالتمويل العقاري”.
هذا التحول يوضح كيف يمكن أن يؤدي التوسع المفرط في القطاع العقاري، مدعوماً بالديون، إلى انهيار ليس فقط لشركة واحدة، بل للسوق بأسره.
ومما يزيد الأمور تعقيداً هو تأثير هذا الانهيار على ثقة المستثمرين في سوق العقارات ككل، وهو ما يعزز التحديات التي تواجه الحكومة الصينية في سعيها لاستعادة الاستقرار في هذا القطاع الحيوي، بحسب نعبيره.
وأضاف الدكتور الشبشيري: “في عامي 2023 و2024، استمرت إيفرغراند في محاولات إعادة هيكلة ديونها الضخمة التي تجاوزت 300 مليار دولار، مع تقديم مقترحات لتعديل شروط الدفع والتأجيل. رغم ذلك، واجهت صعوبة في إقناع الدائنين والمستثمرين بالتعاون، مما أعاق تقدمها. كما بدأت في بيع بعض الأصول العقارية لتقليص ديونها، ولكن تراجع الطلب على العقارات في السوق زاد من تعقيد الوضع.
جهود الحكومة: حلول مؤقتة أم بداية تعافٍ؟
وفي عام 2024، حاولت الشركة تحسين استراتيجياتها التسويقية والتركيز على أسواق محلية أقل تأثراً بالأزمة، لكنها واجهت صعوبات في استعادة الثقة. ورغم بعض التحسينات الطفيفة، ظلت إيفرغراند تكافح لتجاوز أزماتها المالية، مع استمرار تأثيرات أزمة سوق العقارات على مستقبلها.
وأوضح الخبير الاقتصادي الشبشيري، أن الحكومة الصينية تبذل جهوداً كبيرة للحد من آثار الأزمة العقارية من خلال تحفيز الاقتصاد وفرض تدابير مالية لتنظيم القطاع. لكن، عملية التعافي قد تستغرق وقتاً طويلاً.
ويظل مستقبل السوق العقاري في الصين في يد التوازن بين تشديد الرقابة المالية على القطاع وبين ضمان عدم تعطيل النمو الاقتصادي بشكل كامل.
تحديات متزايدة
وأضاف: “في ظل التوقعات المستقبلية، يُتوقع أن يظل قطاع العقارات في الصين في وضع غير مستقر خلال 2025. ومن أبرز هذه التحديات تراجع الاستثمارات في العقارات، حيث انخفضت الاستثمارات العقارية في الأشهر العشرة الأولى من عام 2024 بنسبة 10.3بالمئة بحسب بيانات وزارة الأراضي والموارد الصينية.
كما تراجع حجم مبيعات العقارات بنسبة 20.9 بالمئة في نفس الفترة، مما يعكس فقدان الثقة من قبل المستثمرين والمشترين. إضافة إلى ذلك، ارتفع المخزون العقاري غير المباع بنسبة 12.7بالمئة، وهو ما يفاقم من أزمة المعروض بحسب تقرير لبنك الصين الشعبي”.
وفي المقابل، فإن الحكومة الصينية تعمل على دعم السوق من خلال إجراءات تحفيزية مثل تخفيض متطلبات الدفعة الأولى للمشترين، وتوفير قروض للمشروعات العقارية المؤهلة.
ومع ذلك، يتوقع الشبشيري أن يستمر التراجع في سوق العقارات الصينية في عام 2025، مستنداً إلى مؤشرات لتقارير شركات استشارات عقارية دولية، ومن بين هذه المؤشرات توقعات بتراجع أسعار العقارات بنسبة 5 بالمئة في عام 2025، مما يضع الحكومة الصينية أمام تحديات كبيرة في استعادة استقرار القطاع وتعزيز ثقة المستثمرين والمشترين.
أخبار شائعة
- رعب وذعر احتفالات رأس السنة.. تفاصيل ما حدث في نيو أورليانز
- تباطؤ معدل التضخم في باكستان إلى 4.1% خلال ديسمبر
- الجزائر.. مشروع طموح لإنتاج غيغاواط من طاقة الرياح
- الجيش الأردني يعلن مقتل مهربين على حدود سوريا
- بعد عام صعب.. ما الذي يخبئه عام 2025 لصناعة السلع الفاخرة؟
- مصر تعلن تفاصيل منظومة تسجيل "الهواتف المحمولة" المستوردة
- بين التهديد والاستراتيجية.. إيران والمقاومة الجديدة في سوريا
- سلوفاكيا: وقف نقل الغاز الروسي سيؤثر بشكل "بالغ" على أوروبا