كتب – بنيمين زرزور:عاد الحديث عن حل دبلوماسي للأزمة الأوكرانية إلى الواجهة مجدداً بعد التحركات التي شهدتها الساحة خلال الأسبوع الفائت، ما أنعش الآمال بالتقاط الأنفاس، والكف عن التصعيد، والسعي لإخراج العالم من دوامة الإرباك والترقب، وتبديد مخاوف كثيرة ليس أقلها سفك الدماء ونذر المجاعة، فيما تتجاهل واشنطن كل مساعي التهدئة، وترسل المزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا.
في الوقت الذي تراوح محادثات إسطنبول بين الوفدين الروسي والأوكراني مكانها، ويتهم الروس الغرب بالاستمرار في إرسال كافة أصناف الأسلحة إلى أوكرانيا، وتعطيل الحل السلمي، تسعى جهات عالمية حثيثاً لإنعاش الجهود الدبلوماسية على أمل الوصول إلى وقف إطلاق النار كمرحلة أولى.
وأحدث التطورات على هذا الصعيد، تشكيل الاتحاد البرلماني الدولي فريق عمل للوساطة برئاسة الدكتور علي النعيمي رئيس لجنة شؤون الدفاع والداخلية والخارجية بالمجلس الوطني الاتحادي الإماراتي، لمباشرة جهود الحل السلمي للأزمة الأوكرانية. ويسعى فريق العمل المشكل من خلال الدبلوماسية البرلمانية إلى تشجيع الحوار بين البرلمانين (الأوكراني والروسي)، ودعم الجهود الدبلوماسية الرسمية في إطار القواعد الدولية، واحترام مبادئ السيادة الوطنية والقانون الدولي الإنساني.
كما سيساعد الفريق الاتحاد البرلماني الدولي على الإسهام في حل النزاع، وتحقيق وقف كامل لإطلاق النار، وبناء الثقة، وتعزيز الحوار البرلماني، ومعالجة أسباب النزاع، وضمان إقامة علاقات سلمية ومستدامة بين البلدين.
على صعيد مماثل، قام أنطونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، بزيارة إلى كل من موسكو وكييف في إطار المساعي الأممية لحل الأزمة الإنسانية التي نتجت عن الحرب في بعض المدن الأوكرانية، خاصة ماريوبول، والتقى الرئيس فلاديمير بوتين. وقال الرئيس الروسي: إنّه ما زال لديه «أمل» في المحادثات مع أوكرانيا لإنهاء الحرب الدائرة بين البلدين على الرغم من حقيقة أنّ العملية العسكرية مستمرة، وما زلنا نأمل في أن نتمكّن من التوصّل إلى «نتيجة إيجابية» من المفاوضات.
وأوضح بوتين أنّ الجهود المبذولة في المحادثات مع أوكرانيا تعثّرت بسبب الاتهامات التي وجّهتها كييف إلى القوات الروسية بارتكاب فظائع في بلدة بوتشا قرب كييف.
ويبدو أن بوتين حاول التركيز على الأسباب الجذرية للصراع؛ حيث أكد لضيفه الذي يمثل المجتمع الدولي، بأنّه يدرك مخاوف العالم بشأن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وبأنّه مستعدّ لمناقشتها، لكنّه أكد أن المشكلة مردها أساساً إلى انقلاب عام 2014 في أوكرانيا والذي جاء برئيس «غير شرعي»، حسب الرؤية الروسية.
من ناحيته، دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى وقف إطلاق النار في أوكرانيا، وجدّد دعوته لكل من موسكو وكييف للعمل سوياً مع الأمم المتحدة، لإنشاء ممرّات إنسانية في أوكرانيا، لإيصال المساعدات، وإجلاء المدنيين.
وقال غوتيريس قبل محادثات مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: «ما يهمنا خصوصاً هو إيجاد السبل لتوفير الظروف المناسبة لحوار فاعل لوقف إطلاق النار».
لافروف وغوتيريس
وأضاف أنه على الرغم من تعقيدات الوضع في أوكرانيا «مع تفسيرات مختلفة لما يحصل» فيها، فإنه من الممكن إقامة «حوار جدي حول سبل العمل، لتخفيف معاناة السكان».
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: إن «أوكرانيا تُستخدم منذ سنوات كساحة وجبهة لمحاربة روسيا»، وكان الوزير حريصاً على إطلاع الأمين العام للأمم المتحدة على أهداف العملية العسكرية الروسية الخاصة، بالتعاون مع الدفاع الشعبي في دونيتسك ولوغانسك.
وأشار إلى أن موسكو مهتمة بالتعاون مع الزملاء في الأمم المتحدة، وهيئة الصليب الأحمر الدولية، لتأمين إيصال المساعدات إلى المدنيين. مؤكداً أن المساعدات الإنسانية تقدم بشكل يومي ودائم للمواطنين الأوكرانيين.
وقال وزير الخارجية الروسي: «هناك محاولات لإلغاء المبدأ الأساسي للأمم المتحدة، وأن المنظمة أُسست على أساس المساواة بين جميع الدول، ونحن نذكر بهذا المبدأ دائماً ونتمسك به».
الدور التركي
ومنذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا في 24 شباط/ فبراير، بدت الأمم المتحدة مهمشة في هذا النزاع لأسباب عدة، منها القطيعة بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وهي: روسيا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والصين.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة قد زار تركيا قبل توجهه إلى موسكو وكييف. ولا تزال جهود الوساطة التركية مستمرة على الرغم من جمود المحادثات بين الوفدين الروسي والأوكراني في إسطنبول. وفي هذا الإطار أعلن الكرملين أن الرئيس فلاديمير بوتين بحث هاتفياً مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان التطورات وملف المساعدات في أوكرانيا. وقد أبلغ بوتين أردوغان أن العمليات العسكرية في ماريوبول توقفت، وأن على كييف إصدار أمر للمقاتلين في أزوفستال بإلقاء أسلحتهم.
وفي وقت سابق، قالت الرئاسة التركية: إن الرئيس رجب طيب أردوغان أبلغ نظيره الروسي في اتصال هاتفي بأن المحافظة على «الزخم الإيجابي» الذي تحقق في المحادثات بين أوكرانيا وروسيا أوائل هذا الشهر في إسطنبول سيكون في مصلحة جميع الأطراف. ومعلوم أن تركيا، استضافت جولتي محادثات منفصلتين بين أوكرانيا وروسيا، وتدفع لاستضافة اجتماع قمة بين رئيسي البلدين.
وقالت الرئاسة التركية: إن الرئيس أردوغان تطرق في حديثه الهاتفي مع بوتين إلى أهمية التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وتنشيط عمل الممرات الإنسانية بشكل فعّال، والقيام بعمليات الإجلاء بطريقة آمنة، وأشار إلى أن تركيا ستواصل بذل قصارى جهدها، لوقف مسار الأحداث الذي يلحق الضرر بالجميع، ولضمان تحقيق سلام دائم.
ومما يعرقل جهود الحل؛ اتساع الهوة الفاصلة بين الأطراف من جرّاء التصعيد المستمر لدول الغرب، ودعمها العسكري المتواصل لأوكرانيا. بينما يتهم بوتين الغرب بالسعي لتفكيك بلاده وتفتيتها؛ حيث قال في كلمة خلال اجتماعه بمجلس النيابة العامة: إن محاولات تفتيت روسيا لن تنجح، مشدداً على إفشال مَهمة الغرب الرئيسية الساعية إلى تقسيم المجتمع الروسي، وتدمير البلاد من الداخل.
وعلى الرغم من تحذير موسكو وتجديد رفضها للدعم الأمريكي بالأسلحة لأوكرانيا على لسان سفيرها في واشنطن أناتولي أنطونوف، أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين خلال زيارته برفقة وزير الدفاع لويد أوستن إلى كييف، وضع استراتيجية لدعم أوكرانيا، مؤكداً مضي واشنطن في تعزيز قدرات الأوكرانيين في مواجهة روسيا، وبدوره أعرب وزير الدفاع عن تصميم واشنطن على مواصلة تقديم الدعم العسكري إلى أوكرانيا حتى تحقيق النصر.
فهل تكفي الكوارث التي تسبب بها النزاع حتى الآن لدفع الأطراف للقبول بالحل الدبلوماسي أم أن هناك ما يهدد العالم بما يحمله المجهول من أحداث؟