وفي التحقيقات ضمن قضية “حسم 2 ولواء الثورة”، أدلى “القناص”، واسمه محمود هاني قبلان، أنه تدرب مع تنظيم القاعدة في سوريا، وعاد إلى مصر لينضم إلى حركة لواء الثورة باعتبارها جناحًا مسلحًا لجماعة الإخوان، وأقرّ بأنه تدرب مع خلية إخوانية لتنفيذ المحاولة التي فشلت لاغتيال الرئيس السيسي.
وبطبيعة الحال، لم يكن التحالف بين الخلايا المرتبطة بتنظيم القاعدة ومثيلتها التابعة لجماعة الإخوان استثنائيًا، وإنما أمرًا طبيعيًا بالنظر للجذور المشتركة بينهما، فالتاريخ والشهادات المتواترة لقيادات جماعات العنف الإسلاموية تؤكد أن الإخوان كانت الجماعة الأم لكل الجماعات الإرهابية والمظلة الكبيرة التي تندرج تحتها كل هذه الجماعات.
واستطاعت جماعة الإخوان اللعب على كل الحبال، فتحالفت مع هذه الجماعات في مناسبات مختلفة، وادعت الإخوان علنًا في مناسبات أكثر أنها لا علاقة لها بهم بدافع البراغماتية والمصالح الذاتية لها.
عقيدة الإرهاب واحدة
ويرجع السبب الرئيس لهذه العلاقة المتشابكة إلى أن الإخوان نظّرت للعنف وأطرته بصورة جعلتها المحطة الرئيسية التي تنطلق منها هذه الجماعات، ففي سنواتها الأولى أكد مرشدها ومؤسسها حسن البنا أن جماعته ستستخدم العنف ضد كل من يخالفونها، وأسس التنظيم الخاص أو الجهاز السري المسلح الذي مارس العنف فعليًا ونفذ العشرات من العمليات الإرهابية.
وفي الخمسينيات، دخل التنظير للعنف مرحلة جديدة بعد انضمام سيد قطب لجماعة الإخوان، وقدم “قطب” أفكار جاهلية المجتمع وغياب المجتمع المسلم وضرورة المفاصلة، التي قادت للحكم بتكفير المجتمعات المسلمة، وأدت، بعد انكشاف التنظيم المسلح للإخوان عام 1965 ودخول الجماعة السجن، إلى نشوء جماعات التكفير والغلو المختلفة.
وبعد نكبة الإخوان في عام 1965، تشكّلت أولى خلايا جماعة الجهاد المصرية التي أسسها مجموعة من طلاب الثانوي المتأثرين بالإخوان، على رأسهم أيمن الظواهري ورفاعي سرور، ولم ينفِ أيمن الظواهري بعد انضمامه للقاعدة صلته السابقة بالإخوان، بل تفاخر بها واعتبر أنها الأم التي أنجبت كل التنظيمات الإسلاموية الأخرى، ووصف مؤسسها حسن البنا في كتابه “فرسان تحت راية النبي” بأنه مؤسس أول تنظيم مسلح في تاريخ الحركات الإسلاموية المعاصرة، وأنه باذر بذرة “العنف” التي أثمرت كل تلك الحركات والجماعات.
وعمل الجهاديون على بناء تنظيم سري مسلح والتخطيط للقيام بانقلاب مسلح على نظام الرئيس جمال عبد الناصر، لاعتقادهم أنه خان الإخوان بعدما كان واحدًا منهم، وظل التنظيم نشطًا إلى أن اندمج الجزء الأكبر منه مع تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن عام 1998، ونفذ خلال تلك الفترة عشرات الهجمات الإرهابية، أبرزها اغتيال الرئيس المصري أنور السادات، ومحاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك، ورئيس الوزراء عاطف صدقي، وغيرها.
ومن بين التنظيمات التي نشأت مرتبطة بجماعة الإخوان أيضًا تنظيم الفنية العسكرية، الذي حاول الانقلاب على الرئيس السادات عام 1974، وبايع قادة التنظيم في بداياته مرشد الإخوان حسن الهضيبي، وتبنّى التنظيم أفكار الإسلاموية الجهادية، وفشلت محاولة الانقلاب التي خطط لها فشلًا ذريعًا، ولم تعترف الإخوان بوجود صلة بينهما، غير أن طلال الأنصاري، أحد قادة تنظيم الفنية العسكرية، أقرّ بذلك في مذكراته التي نشرها مطلع القرن الجاري.
القاعدة: أسامة بن لادن وإخوانه
وعلى نفس المنوال، كانت الإخوان الأصل الذي انبثق منه تنظيم القاعدة الذي تشكّل في ثمانينيات القرن الماضي، فأسامة بن لادن نفسه انتمى للجماعة، وتوجه إلى أفغانستان للمرة الأولى بتكليف منها، وهو ما أقر به زعيم تنظيم القاعدة السابق أيمن الظواهري في سلسلة دعائية نشرتها مؤسسة السحاب التابعة للتنظيم عن أسامة بن لادن بعنوان “أيام مع الإمام”.
وأصل القصة أن جماعة الإخوان انخرطت في الحرب الأفغانية السوفيتية، ولعبت أدوارًا عدة، منها دور لوجيستي لإيصال الدعم للفصائل الأفغانية، وتحديدًا للقادة المنتمين لفرع الإخوان في أفغانستان، وهذه العملية نسّقتها الجماعة مع دول وقوى إقليمية ودولية، وأشرف على الدور الإخواني مجموعة من قادة الإخوان، في مقدمتهم كمال السنانيري، زوج شقيقة سيد قطب، ومصطفى مشهور الذي سيصير المرشد الخامس للجماعة فيما بعد، وآخرون منهم أسامة بن لادن الذي كلفته الجماعة بجمع التبرعات وإيصالها إلى مدينة بيشاور الأفغانية ليَتسلَّمها منه مندوب عن إخوان أفغانستان ويدخلها إلى البلاد، وتقوم الجماعة بتوزيعها هناك وفق الاتفاق، حسبما يروي رفيق أسامة بن لادن والقيادي الحالي بالقاعدة في اليمن، خبيب السوداني.
وفي الوقت نفسه، كان عبد الله عزام، الذي انتمى للإخوان هو الآخر والشهير بـ”أبي الجهاد العالمي”، يلعب دورًا في جمع التبرعات والدعاية التي تروج لدعم الأفغان في حربهم ضد الاتحاد السوفيتي، وأسس مع أسامة بن لادن ما يُعرف بـ”مكتب خدمات المجاهدين”، الذي تولى توفير الدعم والرعاية للجهاديين العرب الذين سافروا للمشاركة في القتال في أفغانستان.
وقرر أسامة بن لادن عام 1986 أن يدخل إلى أفغانستان ليرى بنفسه وضع الجبهة الأفغانية، فاكتشف أن التبرعات تُسرق من قبل “إخوان أفغانستان”، فقرر المكوث وإنشاء معسكر خاص به يجمع فيه المقاتلين الذين يستقطبهم، فأنشأ معسكر “مأسدة الأنصار” في جاجي الأفغانية، وفق ما روى “بن لادن” في حوار له منشور في كتاب “مأسدة الأنصار العرب بأفغانستان”.
ومن بين الذين شاركوا مع أسامة بن لادن في تأسيس معسكر “المأسدة”، نواة القاعدة الأولى، أبو أسامة المصري، أحد كوادر التنظيم الخاص لجماعة الإخوان، وكان ممن بايع حسن البنا، مؤسس الجماعة، بشكل مباشر في أربعينيات القرن العشرين، وهذا يكشف حجم الوجود الإخواني داخل “تنظيم أسامة بن لادن” منذ اللحظة الأولى لوجوده.
وحينما مضى أسامة بن لادن في تأسيس تنظيم القاعدة، سافر إليه مصطفى مشهور مكلّفًا من جماعة الإخوان بأن يحاول إعادة مؤسس القاعدة إلى الجماعة، وطلب منه أن يعود إليه قائلًا: “أما آن أن تعود إلى إخوانك؟”، بيد أن بن لادن قرر المضي في طريقه الخاص الذي لم يبتعد عن الإخوان كثيرًا، فسافر إلى السودان وحلّ ضيفًا على “إخوان السودان” إبان حكم الرئيس السابق عمر البشير.
وعاد أسامة بن لادن إلى أفغانستان عام 1996، وأسس في غضون عامين ما سماه “الجبهة الإسلامية العالمية” التي تحالف فيها مع جماعة الجهاد المصرية وزعيمها أيمن الظواهري، لتنضوي الجماعة تحت مظلة القاعدة التي نشأت بالأساس على أيدي مجموعة سبق أن كانت في صفوف الإخوان.
أبو بكر البغدادي على درب بن لادن مع الإخوان
وبعد سنوات معدودة، تأسس تنظيم داعش في العراق، الذي بدأ العمل باسم جماعة التوحيد والجهاد، ثم القاعدة في بلاد الرافدين، ثم تنظيم الدولة الشهير بـ”داعش”، وكان زعيم التنظيم الكاريزمي، الذي أطلق عليه لقب “الخليفة”، من جماعة الإخوان أيضًا.
فوفقًا لما كشفه الشيخ يوسف القرضاوي، المحسوب على جماعة الإخوان والرئيس السابق لما يُسمى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فإن أبا بكر البغدادي انتمى لجماعة الإخوان وظل معها سنوات طويلة، ثم أغراه الجهاديون بأن ينضم إليهم، فقبل لأنه كانت لديه ميول للقيادة، بتعبير القرضاوي.
ولا يُعد أبو بكر البغدادي القيادي الوحيد الذي انضم لتنظيم داعش من صفوف الإخوان؛ فكثير من قادة التنظيم إما كانوا في صفوف الإخوان من قبل أو تأثروا بها على الأقل، وكان الأب الروحي لتنظيم داعش، أبو مصعب الزرقاوي، كثيرًا ما يستشهد بسيد قطب في كلماته الصوتية المنشورة عبر القسم الإعلامي لجماعة التوحيد والجهاد ثم القاعدة في بلاد الرافدين، وهو ما يكشف حجم التأثير الإخواني على قادة التنظيمات الإرهابية الأخرى، وأن الجماعة هي القنطرة التي خرجت منها هذه التنظيمات والجماعات.
ولعل السنوات الأخيرة كشفت إلى حد كبير تحول كوادر الإخوان إلى التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم داعش والقاعدة، خاصةً بعد الإطاحة بالجماعة من الحكم في مصر عام 2013، وقصص الملتحقين بهذه التنظيمات من صفوف الإخوان أكثر من أن تُحصى، ومن بين هؤلاء عمر الديب، نجل القيادي بجماعة الإخوان إبراهيم الديب، الذي انضم لتنظيم داعش في سيناء وقُتل في اشتباك مع قوات الأمن المصرية عام 2017.
ورغم أن تنظيم داعش يتبنى ظاهريًا موقفًا متشددًا من جماعة الإخوان ويعتبرها جماعة كافرة وخارجة عن الإسلام، فإن القيادي بجماعة الإخوان إبراهيم الديب يستشهد بمواقف نجله ويعتبره “مجاهدًا” حارب ضد النظام في مصر، وأنه ورفاقه (الدواعش) كانت لهم رؤية ثورية في التعامل مع هذه السلطات المصرية، وهي إشارة إلى العنف الذي مارسوه.
وهذا الأسلوب ليس جديدًا على جماعة الإخوان؛ فالجماعة لا ترفض العنف وتُقرّه وتعتبره ثابتًا من ثوابتها، حتى لو صرحت إعلاميًا بعكس ذلك، فتبني العنف رسميًا مرتبط بوضع الإخوان؛ فإن كانت في موضع قوة صرحت بأنها مارست العنف، وإن كانت في موقف ضعف نفت أن لها صلة به. لذا كان عزلها من السلطة في مصر ومحاولتها الانتقام من الحكومة والشعب المصري كاشفًا لحجم العلاقات بينها وبين الإرهابيين، التي انكشفت كثير من أسرارها في السنوات الأخيرة.
جماعة أنصار الإسلام المصرية
ومن بين الجماعات التي ارتبطت بالإخوان في تلك الفترة ما يُسمى بجماعة أنصار الإسلام المصرية، التي قادها الضابط السابق عماد عبد الحميد، ونفذت عمليات إرهابية أبرزها الهجوم على مأمورية لقوات الشرطة المصرية في صحراء الواحات في أكتوبر/تشرين الأول 2017. فقد تكوّنت الجماعة بالأساس من شباب جماعة الإخوان وتدربت في معسكرات تنظيم القاعدة بليبيا، وعادت إلى مصر بداية عام 2017، وكان عمر رفاعي سرور، نجل المنظر الجهادي رفاعي سرور، الذي كان في الإخوان هو الآخر من قبل، هو الذي ينسق لها مع جماعة الإخوان لكي يعمل الطرفان بشكل متناغم في تنفيذ عمليات إرهابية تهدف لإسقاط النظام في مصر.
وبعد انكشاف جماعة “أنصار الإسلام” والقبض على كوادرها، اعترف قيادي بها يُدعى رامز عبد الفتاح أنها كانت على صلة بجماعة الإخوان وجناحها المسلح المتمثل في حركتي “حسم” و”لواء الثورة”، وأن الجماعة قدمت له تمويلًا مقابل تنفيذ هجمات إرهابية تبناها الجناح المسلح للإخوان، وكل هذه الوقائع تؤكد على أن الإخوان والجماعات المسماة بالجهادية ليست إلا صورًا متعددة لوجه وعنوان واحد هو “الإخوان” التي خرجت منها كل جماعات العنف والتطرف في التاريخ المعاصر.





