إلا أن قراءة الخبير والمحلل الخاص لسكاي نيوز عربية، محمد صالح صدقيان، خلال حديثه إلى غرفة الأخبار، أعادت ترتيب الصورة على ضوء تفاصيل ميدانية وسياسية، مشيراً إلى فجوة بين الخطاب الإسرائيلي والوقائع الفعلية، وإلى أن إيران أعادت تقييم منظوماتها العسكرية بعد حرب يونيو، فيما تستثمر تل أبيب اللحظة لمحاولة الضغط على الولايات المتحدة وإقحامها في مواجهة جديدة مع طهران.
تحريض إسرائيلي وتصعيد خطاب دون مؤشرات أميركية
يرى صدقيان أن ما يصدر من تل أبيب حول تسريع إيران تطوير برنامجها الصاروخي لا يخلو من التحريض السياسي، لافتاً إلى أن إسرائيل تسعى لتصوير طهران كجهة تستعد لردع تهديدات إسرائيلية محتملة، رغم عدم وجود معطيات تؤكد نية واشنطن منح إسرائيل تفويضاً لشن هجوم جديد.
ويشير إلى أن تقرير”الأمن القومي الأميركي 20–25″ لم يشر إلى إيران أو مخاطرها، بما يفند السردية الإسرائيلية التي تحاول تضخيم التهديد، مؤكداً أن واشنطن لا تبدي حتى اللحظة إشارات توحي باستعدادها لمنح إسرائيل “الضوء الأخضر”، على عكس ما حدث في 12 يونيو الماضي.
ويضيف أن إسرائيل تحاول استغلال الموقف الأميركي أو ابتزازه لدفعه نحو مواجهة جديدة، بعد أن أخفقت في تحقيق أهدافها خلال العدوان السابق، الأمر الذي اضطر الولايات المتحدة إلى الانضمام لضربات استهدفت منشآت نووية إيرانية لاستكمال ما سعت إليه إسرائيل دون أن تنجح وحدها.
واشنطن شريك إلزامي لأي مواجهة قادمة
وفق التحليل ذاته، يتعامل المراقبون في المنطقة والغرب – ولا سيما في الولايات المتحدة – مع حقيقة أن إسرائيل غير قادرة على شن هجوم كبير ضد إيران منفردة.
ويؤكد صدقيان أن أي خطوة عسكرية إسرائيلية تحتاج إلى موافقة أميركية مسبقة، لأن منح الضوء الأخضر يعني عملياً استعداد واشنطن لخوض مواجهة مفتوحة إلى جانب إسرائيل.
ويضيف أن تل أبيب تدرك حدود قوتها الذاتية في مواجهة دولة بحجم إيران، ما يجعل الموافقة الأميركية شرطاً أساسياً قبل الدخول في أي مرحلة تصعيد عسكري واسع.
تقييم شامل للثغرات بعد حرب يونيو
يتوقف صدقيان مطولاً عند التحولات التي أعقبت العدوان الإسرائيلي على إيران في 12 يونيو، موضحاً أن هذه الحرب كشفت ثغرات أمنية وعسكرية داخلية، دفعت طهران إلى إعادة تقييم كامل لبنيتها الدفاعية والهجومية.
هذا التقييم شمل وفق حديثه:
• المسيرات.
• الصواريخ.
• المبادرات والعمليات الأرضية.
• منظومات الدفاع الجوي.
• إضافة إلى التعامل مع هجمات سيبرانية واسعة نفذها الجانب الإسرائيلي.
ويشير إلى أن المواطنين في طهران شعروا بوضوح بوجود هذه الثغرات بعد انتهاء الحرب، ما جعل المؤسسة العسكرية الإيرانية تعمل على إعادة بناء منظوماتها وتطويرها على أسس جديدة.
تطوير صواريخ جديدة وتعزيز دور المؤسسة العسكرية
يوضح صدقيان أن الجيش الإيراني والحرس الثوري باتا يتحدثان اليوم عن منظومات صاروخية لم تُستخدم في حرب يونيو، في مقدمتها:
- صاروخ خرمشهر الانشطاري.
- نماذج متقدمة من صاروخ فتّاح المستخدم لضرب العمق الإسرائيلي.
وتعتقد المؤسسة العسكرية الإيرانية، وفق تحليل صدقيان، أن هذه المنظومات قادرة على ردع أي عدوان محتمل، وتشكل نقلة نوعية في قدرة الرد الإيراني وإغلاق الفجوات التي ظهرت سابقاً.
سياسة الرد من الداخل.. استقلالية القرار العسكري
يتوقف صدقيان عند مبدأ أساسي في العقيدة العسكرية الإيرانية: عدم تفويض الرد لأي فصيل أو جهة خارجية مهما كانت علاقتها بطهران. ويسوق أمثلة تؤكد هذا النهج:
• بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران، أعلنت إيران أنها صاحبة الحق الحصري في الرد، ونفذت بالفعل عملية من داخل أراضيها.
• بعد استهداف السفارة الإيرانية في دمشق، كررت الموقف نفسه.
• خلال حرب الاثني عشر يوماً، ورغم وجود فصائل قادرة على التدخل إلى جانب إيران، أصرت طهران على تولي الرد بنفسها.
ويؤكد صدقيان أن أي تهديد جديد سيقابل بالمنهج ذاته، إذ تعتبر إيران أن الرد من داخلها يعكس سيادة القرار العسكري ويمنع تشتيت الاستراتيجية الوطنية، بينما تملك الفصائل الحليفة في المنطقة أهدافاً واستراتيجيات مستقلة لا تتطابق دائماً مع الحسابات الإيرانية المباشرة.
استعداد إيراني مختلف.. ودروس حربية قيد التطبيق
يشدد صدقيان على أن إيران استثمرت نتائج المواجهة السابقة لتطوير قدراتها، وأن المؤسسة العسكرية باتت أكثر استعداداً، سواء في الجاهزية اللوجستية أو الصاروخية أو الدفاعية.
ووفق تقييمه، تشكل التجارب السابقة، بالإضافة إلى المناورات الأخيرة، قاعدة معرفية لإغلاق الثغرات التي ظهرت في “حرب الاثني عشر يوماً”، بما يمكن إيران من التعامل مع أي مواجهة مستقبلية بفعالية أكبر.





