هذه التساؤلات كانت محور الجلسة الخاصة التي عقدها البرلمان الأوروبي في بروكسل بعنوان “السودان في أزمة: من الاستجابة الإنسانية إلى سلام مستدام”، وتحدث خلالها نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني والقيادي في تحالف “صمود”، خالد عمر يوسف، مؤكدًا أن “الأزمة أعمق بكثير من الرؤى التبسيطية التي تطرحها بعض الجهات حولها مما يتطلب منظوراً شاملاً يخاطب كافة جوانبها ويعالجها بصورة منصفة ومستدامة”.
4 مطالب من أوروبا
وخلال الجلسة، حدد القيادي في تحالف “صمود” أربع مطالب سودانية موجهة للاتحاد الأوروبي، من بينها دعم جهود الرباعية الدولية لإنهاء الأزمة، مشيرا إلى أن “الحكم العسكري لن يعود أبدًا”.
وأكد يوسف أن على الاتحاد الأوروبي أن يساهم بنشاط في تصنيف تنظيم الإخوان كمنظمة إرهابية، مؤكدًا أن ذلك يمثل خطوة أساسية لاستهداف مواردها المالية ودعاياتها الإعلامية التي تسعى لتشويه حقيقة الأحداث في السودان ونشر خطاب الكراهية الأيديولوجي، خصوصًا بعد الخطوة الأميركية المتقدمة في هذا السياق.
ولفت إلى ضرورة دعم بعثة تقصي الحقائق في السودان، مشددًا على أن السلام المستدام لا يمكن أن يتحقق دون مساءلة مرتكبي الفظائع والجرائم خلال الحرب.
كما دعا إلى تعزيز جهود الإغاثة في البلاد، في ظل تردي الأوضاع الإنسانية، وتوفير التمويل اللازم لدعم الشعب السوداني.
ومنذ اندلاع القتال منتصف 2023، يعيش السودان واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم، مع ملايين النازحين داخليًا وخارجيًا، وانهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة، وتدهور حاد في الخدمات الأساسية، في الوقت الذي باتت بروكسل تدرك أن الحرب في السودان باتت عنصرًا مؤثرًا في حسابات الأمن القومي الأوروبي.
ملف السودان.. مصدر قلق بالغ
ويرى المحلل السياسي والباحث بمركز الشؤون الخارجية والسياسية الفرنسي ألكسندر ديل فال، أن “الصراع الدائر في السودان بات يُشكل مصدر قلق بالغ للأمن الأوروبي، لا سيما بسبب قدرته على تفاقم تدفقات الهجرة، وزعزعة الاستقرار الإقليمي، وتهيئة بيئة خصبة لانتشار الأيديولوجيات المتطرفة، مثل تنظيم الإخوان والتنظيمات الجهادية”.
وأوضح ديل فال في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن “حرب السودان أدت إلى أزمة نزوح هائلة، إذ أجبر أكثر من 12 مليون شخص على الفرار، من بينهم نحو 3.5 مليون لجؤوا إلى دول الجوار، ومن شأن هذه التدفقات البشرية أن تُثقل كاهل الموارد والبنية التحتية الأوروبية”.
وبشأن تدخل الاتحاد الأوروبي لتصنيف الإخوان كإرهابية، قال ديل فال إنه “بوجه عام، يظل دور تنظيم الإخوان في السودان معقدًا ومثيرًا للجدل خاصة، وله تداعيات بعيدة المدى على مستقبل البلاد، واستقرار الإقليم، والأمن العالمي خاصة بعد انخراطها في النزاع بشكل مباشر”.
وشدد على أن “هذه الحرب توفر فرصة مواتية لازدهار الجماعات المتطرفة، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الأوروبي، وعلى الرغم من أن أوروبا تقدم مساعدات إنسانية كبيرة للسودان، فإن أثر هذه المساعدات غالبًا ما يطغى عليه حجم الأزمة وتعقيداتها”.
الاستراتيجيات الأوروبية المحتملة
وبشأن الاستراتيجيات الأوروبية المحتملة للتعامل مع الحرب في السودان، قال الباحث بمركز الشؤون الخارجية الفرنسي، إنها تشمل “دعم الفاعلين المعتدلين والمدنيين الشرعيين، إلى جانب الاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية ودعم اللاجئين والنازحين داخليًا للتخفيف من الآثار الإنسانية للأزمة”.
وأكد أن “الانخراط الدبلوماسي يُعد عنصرًا أساسيًا، عبر الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة مع جميع الأطراف، والعمل في الوقت ذاته على محاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان”.
وشدد ديل فال على “ضرورة ألا تقدم أوروبا أي دعم لتنظيم الإخوان، باعتباره واحدا من أبرز مصادر التهديد للدول الأوروبية”.
قدرات أوروبية “محدودة”
بدوره، أوضح رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، جاسم محمد، في تصريحات لـ”سكاي نيوز عربية”، أن “دول أوروبا أثبتت عدم قدرتها على التدخل الفعال في النزاعات الدولية، وقدراتها تظل محدودة وضعيفة”.
وقال محمد: “شهدنا ذلك في صراعات عدة، أبرزها في غزة وأوكرانيا وليبيا، ومناطق أخرى، حيث لم تمتلك أوروبا القدرة الواسعة للتأثير المباشر على مجريات الأحداث، وما ينطبق على تلك النزاعات ينطبق على السودان، حيث ستبقى قدرتها على التدخل محدودة للغاية”.
ورغم ذلك، أوضح أن انعكاسات حرب السودان على أوروبا كبيرة، وتثير قلقًا متزايدًا داخل الدول الأوروبية، خصوصًا مع احتمال ظهور موجات جديدة من المهاجرين واللاجئين.
وأكد أن “استمرار عدم استقرار السودان ينعكس سلبًا على أمن المنطقة بأسرها، ويؤثر على الأمن الإقليمي والدولي، خاصة في ملفات انتشار التطرف والإرهاب والأسلحة والهجرة، وهي جميعها قضايا تمثل مصدر هاجس مستمر لأوروبا”.





