بيروت: «الخليج»، وكالات
خسر حزب الله وحلفاؤه الأكثرية في البرلمان اللبناني الجديد، وفق النتائج النهائية للانتخابات النيابية التي أعلنها وزير الداخلية، أمس الثلاثاء، والتي سجّلت دخول مرشحين مستقلين معارضين منبثقين من الانتفاضة الشعبية التي حصلت في 2019، إلى البرلمان للمرة الأولى، بحجم لم يكن متوقعاً، لكن معارضيه لم يتمكنوا من الحصول على الأكثرية البرلمانية، على أن يتم خلال أيام انتخاب رئيس للمجلس الجديد قبيل 22 الجاري موعد انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي، في وقت سيدعو الرئيس ميشال عون إلى الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف شخصية بتشكيل حكومة ما بعد الانتخابات، في وقت هنأ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس اللبنانيين على الانتخابات النيابية التي أجروها، مؤكداً أنه ينتظر بفارغ الصبر أن تشكل سريعاً حكومة جامعة، واعتبر السفير السعودي في لبنان وليد بخاري أن نتائج الانتخابات تؤكد حتمية تغليب منطق الدولة على عبثية فوائض الدويلة المعطلة للحياة السياسية، في حين أثار إحراق «قبضة الثورة» في ساحة الشهداء ببيروت، ضجة كبيرة، غداة صدور نتائج الانتخابات النيابية وخسارة بعض اللوائح والأحزاب.
وجوه جديدة
وأظهرت النتائج التي أعلن وزير الداخلية بسام المولوي الدفعة الأخيرة منها، أمس الثلاثاء، فوز لوائح المعارضة المنبثقة عن التظاهرات الاحتجاجية ضد السلطة السياسية التي شهدها لبنان قبل أكثر من عامين ب 13 مقعداً على الأقل في البرلمان الجديد. و12 من الفائزين هم من الوجوه الجديدة، ولم يسبق لهم أن تولوا أي مناصب سياسية، نشطوا خلال «الثورة» غير المسبوقة التي انطلقت في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 واستمرت أشهراً، وبينهم أساتذة جامعيون وناشطون بيئيون، وقد تميزوا بأسلوبهم المختلف تماماً عن الأسلوب التقليدي للأحزاب والقوى السياسية التي تهيمن على الساحة السياسية في لبنان منذ عقود.
لا أكثرية برلمانية
وأظهرت النتائج احتفاظ «حزب الله» وحليفته «حركة أمل» التي يتزعّمها رئيس البرلمان المنتهية ولايته نبيه برّي، بكامل المقاعد المخصّصة للطائفة الشيعية (27 مقعداً) في البلاد، لكن حلفاءهما وبينهم التيار الوطني الحر بزعامة الرئيس ميشال عون ونائب رئيس الحزب القومي السوري، خسروا مقاعد في دوائر عدّة. وكان «حزب الله» وحلفاؤه يسيطر على 71 مقعداً من إجمالي 128 في البرلمان المنتهية ولايته.
ولعل الصفعة الأقوى التي تعرض لها تكمن في خرق مرشحين، أحدهما أورثوذكسي والثاني درزي، للوائحه في المنطقة الحدودية الجنوبية التي تعتبر أحد معاقله، وهو أمر لم يحصل منذ عام 1992. ولم يتضح بعد العدد النهائي للمقاعد التي سيجمعها مع حلفائه، لكنه لن يتمكن قطعاً من الوصول إلى 65 مقعداً، فيما ذكرت مصادر مطلعة أن «حزب الله» وحلفاءه حصلوا على 62 مقعداً في البرلمان الجدي. كما لا يُعرف ما سيكون التموضع السياسي للمعارضين الجدد الذين ينتهج العديد منهم خطاباً مطالباً بتوحيد السلاح بين أيدي القوى الشرعية، لكن يركزون كلهم خصوصاً على تطوير النظام اللبناني، وإصلاح القضاء، وتحديث البلاد، وبناء المؤسسات بعيداً عن المحسوبيات ونظام المحاصصة الطائفية. وبالتالي، قد يتحالفون مع نواب آخرين من الأحزاب التقليدية التي دعمت «الثورة» إلى حد ما، وتكون لهم كلمة مرجحة في البرلمان. في المقابل، تمكّن حزب «القوات اللبنانية»، خصم «حزب الله»، من زيادة عدد مقاعده مع حلفائه (من 15 إلى 19). كما وصل إلى البرلمان مرشحون من أبرز خصوم «حزب الله»، مثل مدير عام قوى الأمن الداخلي سابقاً أشرف ريفي، وعدد من قدامى «تيار المستقبل». وبالتالي، تؤشر النتائج المعلنة بوضوح إلى أن البرلمان سيكون في مرحلة أولى على الأقل، مشتتاً، من دون أكثرية واضحة، ما يمكن أن يزيد من شلل البلاد والمؤسسات في ظل أزمة سياسية واقتصادية غير مسبوقة منذ أكثر من سنتين.
غوتيريس لحكومة جامعة
وفي هذا الإطار، قال غوتيريس في بيان إنّه «ينتظر بفارغ الصير أن تُشكّل سريعاً حكومة جامعة يمكنها إنجاز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وتسريع تنفيذ الإصلاحات اللازمة لوضع لبنان على طريق النهوض الاقتصادي». وأضاف البيان أنّ «الأمين العام يعوّل بنفس القدر على البرلمان الجديد لكي يقرّ على وجه السرعة كلّ التشريعات اللازمة لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد وتحسين الحوكمة». كما ناشد غوتيريس «القادة السياسيين اللبنانيين العمل معاً بما فيه المصلحة العليا للبنان وللشعب اللبناني».
وفي السياق، ذكر السفير السعودي في لبنان وليد بخاري، عبر حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، أمس الثلاثاء، أن «نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية تؤكد حتمية تغليب منطق الدولة على عبثية فوائض الدويلة، المعطلة للحياة السياسية والاستقرار في لبنان».
إحراق «قبضة الثورة»
في غضون ذلك، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات الإخبارية في لبنان، مقاطع فيديو وصوراً لإحراق «قبضة الثورة»، التي سبق أن أحرقت ودمرت في أكثر من مرة منذ احتجاحات 2019 التي سميت «ثورة 17 تشرين». وعلق أحد الحسابات قائلاً: «أحرق الحاقد قبضة الثورة في الساحة الخارجية.. لكن نواب الثورة أصبحوا في الداخل.. صورة معبرة جداً عنوانها: لا صوت يعلو فوق صوت الديمقراطية».
بري لدولة مدنية
إلى ذلك، دعا رئيس مجلس النواب المنتهية ولايته نبيه بري، إلى قيام الدولة المدنية، وإلى إقرار قانون انتخابي خارج القيد الطائفي.
ودعا بري إلى أن «تكون نتائج الانتخابات محطة تلقي فيها كافة القوى التي تنافست في هذا الاستحقاق الخطاب السياسي الانتخابي المتوتر والتحريضي جانباً، ولتهدأ كل الرؤوس الحامية، وليقتنع الجميع بمعادلة لا مناص منه، بأننا كلبنانيين أبناء وطن واحد، قدرنا أن نعيش سوياً»، موضحاً أن «الأزمات التي تعصف بنا هي عابرة للطوائف، فما من أحد أو من طائفة تريد أن تلغي طائفة أخرى»، مبيّناً أن «مقدمة الدستور في لبنان واضحة، وهي في صلب ميثاق حركتنا، وطن نهائي لجميع أبنائه.
نعم، فلتكن نتائج يوم الخامس عشر من أيار يوماً لبنانياً آخر، يؤكد فيها الجميع صدق نواياهم واستعدادهم وانفتاحهم للحوار»، وقال «آن الأوان لقانون خارج القيد الطائفي وخفض سن الاقتراع ل18 سنة وكوتا نسائية وإنشاء مجلس للشيوخ تمثل فيه الطوائف بعدالة».