سلطت الصحافة البريطانية الضوء على قصة دخول العداء الأولمبي البريطاني محمد فرح بجواز مزور لإنجلترا هرباً من جحيم الحرب الأهلية في الصومال.
يتذكر العداء صاحب الـ4 ميداليات القصة من مطار هيثرو عام 1993 عندما كان مختار فرح ينتظر بفارغ الصبر رؤية عائلته الفارة من الحرب وابنه محمد صاحب الـ9 سنوات.
صدم مختار مع تركيز أنظاره على الصبي، فهو ليس ابنه محمد فقال لزوجته بنبرة باكية: «أين محمد؟ ماذا حل به؟»، وكاد يغمى عليه من الصدمة.
يصف مو فرح وصوله لإنجلترا بـ«التهريب والاتجار بالبشر»، فالجواز كان يحمل صورته لكن اسمه محمد فرح بدلاً من اسمه الحقيقي «حسين عبدي».
سنوات من العبودية
أمضى العداء الذي حصل على لقب «سير» سنوات أشبه بالعبودية في منزل العائلة التي جلبته وفق روايته، لكن البرنامج الوثائقي لـBBC «ذا ريل مو» رغم إثارته للمشاعر ترك عدداً من الأسئلة المعلقة أبرزها: «لماذا ترك محمد، الابن الحقيقي لمختار فرح، في الصومال؟ ولماذا ركب عداء المستقبل الطائرة مكانه؟
يقول العداء البريطاني إنه لا يعرف حتى الآن السبب وراء انتحاله هوية صبي آخر، لكن الصحافة البريطانية تتبعت القصة في جيبوتي وتركيا وتعرفت عن كثب على أصل الحكاية.
بدأت قصة العداء في قرية ايرانكا ديريانكا في صحراء الصومال ويقع الإقليم شبه المستقل بين العاصمة والحدود الإثيوبية. لا توجد في القرية لا مدارس ولا شوارع وعلى النساء يومياً قطع أميال لجلب الماء، فيما يبيع الرجال المنتجات اليدوية في سوق مدينة قريبة. في تلك القرية ولد سير محمد فرح عام 1983 باسم حسين عبدي كاهين للفلاح عبدي كاهين وزوجته عائشة وهو واحد من 9 أبناء.
عاشت العائلة في سقيفة من السعف مغطاة بأكياس من النايلون لمنع تسرب مياه الأمطار. يقول ابن عم مو، سودة علي فاهيي: كنت أعلم أن حسين سيكون عداء مثل والده، عبدي كان يتمتع بقوة قلب ولم يكن يستطيع أحد مجاراته في الجري.
عبدي قتل في الحرب الأهلية وعمر ابنه العداء لم يتجاوز الـ4 سنوات ويتذكر صديق للعائلة الحادثة ويقول: كان يمشي مع الجمال وأصابه مقذوف من الخلف، مات في مكانه مع شخص آخر من القرية.
وقررت عائشة خوفاً من عدم قدرتها على تأمين لقمة العيش لأولادها، التخلي عن توأمها حسن وحسين اللذين سافرا ليقيما مع عمهما في جيبوتي.
لم يعرف التوأم شيئاً عن أمهما وأشقائهما لسنوات ودخلت المشهد السيدة نيمكو أكار جيران بنت عم التوأم الصغير. نيمكو تزوجت بمختار فرح الذي حصل على حق لجوء في إنجلترا وطلب من نيمكو اللحاق به مع طفليها من زواج سابق وابنه محمد من زوجته الثالثة. المشكلة أن محمد فرح كان يقيم مع والدته في بيربيرا وعندما ذهبت نيمكو لطلب لحاقه بوالده قالت لها: أخذت أباه والآن تريدين ابني؟ لن أقبل.
وقررت نيمكو مساعدته بأخذ واحد من توأم الجيران مكان محمد ووقع اختيارها على حسين ليصبح محمد فرح.
فرحت عمة حسين بالمقترح وأعطت بعض المال لنيمكو التي لم تستطع إخبار زوجها مختار بالتغيير في الخطة ففي ذلك الوقت لم تكن هناك هواتف محمولة أو اتصالات سريعة.
يقول سير مو فرح إنه عمل خادماً لولدي نيمكو في شقة البلدية في غرب لندن وكان يطبخ وينظف، لكن نيمكو تنكر سوء معاملته وقال أحد أقاربها: كانت تريد منحه حياة أفضل وكان من المتعارف عليه في الصومال في ذلك الحين مساعدة الأطفال للهجرة من الحرب، لم يكن تهريب بشر.
ركب الصغير حسين القطار مع نيمكو وولديها من جيبوتي لأديس أبابا عاصمة إثيوبيا ومن هناك استقل طائرة الخطوط السودانية لتصل إلى مطار هيثرو في منتصف الليل حيث كان مختار ينتظر. ويعلق أحد أقارب مختار فرح: قال لي مختار إنه يفكر في تبليغ الداخلية في الصباح التالي عما فعلته نيمكو لكنه فكر في مصير حسين الذي كان بلا أم ولا أب وقرر أنه من الأفضل الصمت.
معاملة مختلفة
يقول العداء في الوثائقي إن نيمكو كانت تعامله بشكل مختلف عند تواجد مختار لكنه كان يغيب طويلاً عن المنزل بسبب العمل وبعد فترة قصيرة وقع الطلاق بين مختار ونيمكو. هرب مو من الجحيم عندما أبلغ مدرس الرياضة في المدرسة بحاله وحوله موظفو الخدمة الاجتماعية لمنزل والدة زميل في المدرسة اسمها كينزي التي اعتنت به وبقي معها 7 سنوات.
وتبين لاحقاً أن كينزي هي شقيقة مختار فرح وأنه هو الذي ساعده في الانتقال للعيش معها بدلاً من قسوة نيمكو.
عمل مختار فرح لسنوات في إنجلترا كسائق حافلة ومساعد إداري في مطار هيثرو، أما ابنه محمد فقد انتقل مع والدته إلى نيروبي في كينيا وهناك درس في جامعة كينياتا. التم شمل مختار وابنه محمد في الصومال عام 2019 وهو بنفس عمر العداء الآن (39 عاماً) ويدرس في جامعة آيدن في تركيا. التقى العداء بمحمد فرح الحقيقي عبر الإنترنت واكتشف أنهما يشتركان في صفة واحدة: كلاهما يشجع فريق أرسنال لكرة القدم.