يحتفي العالم سنوياً في 9 أغسطس/آب باليوم الدولي للسكان الأصليين، ولاشك أن الرياضة معنية به، كون هذه الفئة من المجتمع قدمت الكثير من الأبطال.
في الأمريكتين، تقام بطولة رياضية باسم دورة الألعاب للسكان الأصليين لأمريكا اللاتينية، ضمن خطة للإبقاء على التراث الرياضي لهؤلاء الذين يعانون من تهميش كبير في مجتمعاتهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم في لغتهم وثقافتهم الخاصة وأرضهم التي سلبت منهم.
في التعريف فان السكان الأصليين هم الذين سكنوا منطقة معينة قبل أن يستعمرها ويستوطنها سكان من منطقة أخرى، ويتواجد أكثر من 370 مليون نسمة يعتبرون سكاناً أصليين في العالم يعيش 70 % منهم في قارة آسيا، و30 % يتوزعون ما بين أمريكا الشمالية والجنوبية وأستراليا.
وتعد البيرو أكثر دول الأمريكتين احتضاناً للسكان الأصليين بوجود نحو 15 مليون نسمة فيها، ومن ثم تأتي بعدها المكسيك، والولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وأستراليا.
حظيت حضارة السكان الأصليين في الأمريكتين باهتمام خاص في السنوات الأخيرة بسبب الاحتجاجات التي قاموا بها عبر أكثر من تحرك، لذلك كانت النشاطات الرياضية أحد أبرز تداعيات هذا الاهتمام المستجد، وهو بدأ عام 1990 عبر دورة ألعاب أمريكا الشمالية التي أقيمت في مدينة إدمنتون الكندية، في حين أقيمت ألعاب أمريكا اللاتينية بعد ست سنوات، كما نظم الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» دورات متخصصة عن اللعبة لسكان أستراليا، وتحتضنت كولومبيا أول بطولة قارية كروية للسكان الأصليين على غرار «كوبا أمريكا».
ويعد «مونديال كرة القدم» الذي يقام سنوياً في الإكوادور أول حدث في اللعبة منظم عند السكان الأصليين وهو انطلق لأول مرة عام 1995، والغريب أن أفضل هداف يكافأ باهدائه رؤوساً من الماشية، في حين ينال أفضل لاعب على غرار ما يفعله «فيفا» حذاء ولكن ليس مذهباً بل على شكل صندال مثل الذي ينتعله السكان الأصليون، أما الفريق البطل فيحصل على ثورين قويين.
ويقام «المونديال» في قرية بيغوتشي التي تبعد مسافة 110 كلم عن العاصمة كيتو، وهو يقام في نهاية شهر فبراير من كل عام لمدة عشرة أيام، وهو يحظى بحضور جماهيري كبير ويصل عدد المشجعين في أدواره النهائية إلى 15 الف متفرج في كل مباراة.
وبالعودة إلى دورة ألعاب أمريكا الشمالية التي بلغ عدد المشاركين فيها أحياناً أرقاماً قياسية وصلت إلى عشرة آلاف شخص، فهي نظمت بشكل متقطع منذ عام 1990 قبل أن تنتظم كل ثلاث سنوات بدءاً من عام 2008.
وأخذت الدورة تأخذ وضعها التنظيمي رسمياً منذ عام 2006 بعدما أصبح يشرف عليها المجلس الأمريكي لألعاب السكان الأصليين، وهو يضم 26 عضواً ممثلين لـ 13 مقاطعة وإقليماً في كندا ومثلهم في أمريكا.
أما دورة ألعاب أمريكا اللاتينية فهي الأكثر شمولاً مع استيعابها مشاركين من خارج أمريكا الجنوبية خصوصاً من كندا والمكسيك، كما أنها تحظى بتغطية أكبر.
ويعاني السكان الأصليون في البرازيل من حالة سيئة، فعدا عن انقراضهم وتناقص عددهم من 3 ملايين نسمة سابقاً إلى نحو 300 ألف حالياً، فإن لهم مطالب اجتماعية كان أبرزها قبل مونديال 2014 عدم هدم متحف قديم لهم قرب ملعب ماراكانا الشهير في ريو دي جانيرو وطردهم من الاحياء العشوائية التي يعيشون فيها.
ويطغى على دورة الألعاب طابع ثقافة السكان الأصليين من خلال الرقصات التي يتم تأديتها قبل وبعد المنافسات وطلاء أجسام المشاركين وحمل العلامات التقليدية بدلاً من ارتداء الزي الرياضي المعروف لكل لعبة، وكذلك خوض المنافسات بأقدام حافية، هذا إضافة إلى حصول الفائزين على ميداليات منحوتة من الخشب والبذور الطبيعية الأخرى المأخوذة من الغابات.
ولا تشبه المسابقات التي أقيمت في دورة السكان الأصليين مثيلاتها في الألعاب الرياضية المعروفة التي يتم التنافس فيها في الأولمبياد، فسباق التتابع مثلاً مختلف كلياً وتبلغ مسافته 550 م، ويتألف كل فريق من تسعة أشخاص يركضون ويتناوبون على حمل جذع شجرة وصولا إلى خط النهاية.
أما كرة القدم فتمارس عبر لاعبين يزحفون على الأرض ويستخدمون في ملعب موحل رؤوسهم بدلاً من أقدامهم، وبالنسبة للعبة القوس فان على المشارك اصطياد سمكة في الماء.
ويعد سباق التجديف أو الكانو الكياك من الألعاب الرئيسية في الدورة، كون هذه الرياضة التي تعد لعبة أولمبية تعود جذورها إلى السكان الأصليين في أمريكا الشمالية الذين كانوا يتسابقون على متن «الكانوي» المصنوع من الخشب.
تاريخياً، فان ممارسة الرياضة ليست بجديدة على السكان الأصليين. وقد كشف كتاب للكاهن الإسباني خوسيه مانويل بيراماس صدر عام 1791 وأعيد نشره عام 2010 أن السكان الأصليين في أمريكا الجنوبية كانوا يلعبون كرة القدم قبل قرنين من الزمن، من خلال لعبة تشبهها كثيراً حيث كانوا يتناقلون على ساحل نهر الأمازون كرة مطاطية بأقدامهم ببراعة كبيرة دون أن تسقط على الأرض.
وأكد ما ذكره بيراماس، ما كتبه المؤرخ الأرجنتيني جييرمو فورلونغ المتوفى عام 1974 أن شعوب أمريكا الجنوبية مارست أنواعاً من الرياضات قبل قرون عدة، منها كرة القدم والبيسبول والهوكي.
وبعد عشرات السنين استمر شغف السكان الأصليين بالرياضة حسب الدولة التي يعيشون فيها، مع العلم أنه ضمن طقوس القبائل تنظيم بطولة رياضية سنوية في القوس والسهم بين القرى التي تتواجد فيها «شعوب أصيلة».
وأدت بعض الاتحادات الدولية والقارية دوراً مهماً في إعطاء زخم أكبر للهويات الرياضية التي تقوم بوظيفة اجتماعية أيضاً.