إعداد: معن خليل
على الرغم من طغيان رياضة الكريكيت، الكبير، لا تعد كرة القدم في الهند لعبة غير شعبية كما يظن الكثيرون، وعلى العكس تماماً، فإن لكرة القدم فيها تاريخاً ضارباً في القدم، وهي مهد اللعبة في آسيا، حيث إن البلاد الواقعة في جنوب القارة كانت شاهدة على انطلاق كأس دوراند عام 1888 التي تحتل المركز الرابع في قائمة أقدم بطولة في العالم بعد كأس الاتحاد الإنجليزي، وكأس أسكتلندا، وكأس ويلز، هذا عدا أن الهند كانت على وشك الوجود في مونديال 1950 في البرازيل لولا رفض «فيفا» لمشاركة لاعبيها الحفاة في أغرب قصص كأس العالم على الإطلاق.
كانت الهند كذلك، القوة المهيمنة على مهد كرة القدم الدولية في قارة آسيا، كما أن الجماهير التي شاهدت إحدى مواجهات مباراة «الديربي» بين فريقي إيست بنغال، وموهون باغان بلغ عددها 130 ألف متفرج، كأكبر حشد في التاريخ يشهد مواجهة بين فريقين محليين.
وكسرت الهند في مونديال 2014 الرقم القياسي في عدد الصور الملتقطة لكأس العالم ضمن الجولة التسويقية التي تمر بها الكأس الذهبية عبر قارات العالم، حيث التقطت 10 آلاف صورة خلال يوم واحد، مقابل 9500 صورة في مصر حسب أرقام اللجنة المنظمة للجولة التسويقية.
شهادة ميسي
أما النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، فقد كان الأكثر تعبيراً عن مدى محبة الشعب الهندي لكرة القدم عندما أكد أن أروع استقبال حظي به في حياته كان في الهند. وقال: «كان الاستقبال مذهلاً على الرغم من أن كرة القدم ليست الرياضة الأولى في البلاد، ووصلت في الليل، لكن كان هناك الآلاف بانتظاري يرتدون قميصي».
وفي 2014 أيضاً، ضجت الهند بقصة اللاعب راجيب روي الذي اختير للاختبار لمدة أسبوعين في نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي، وقد اكتسب شهرته حينها؛ لأنه يمارس كرة القدم وهو حافي القدمين في شوارع مدينة كلكتا، وكأنه ذكّر العالم بما حدث في 22 مارس عام 1950 عندما أقيمت قرعة النسخة الرابعة من المونديال، ووضعت الهند في المجموعة الثالثة، إلى جانب منتخبات إيطاليا والسويد والباراغواي، إلا أن الاتحاد الهندي قرر الانسحاب لأن «فيفا» رفض السماح للاعبيه باللعب حفاة، كما تعودوا على ذلك دائماً وأحرزوا عدة نجاحات ونالوا الإعجاب أينما حلّوا، حتى إن الأميرة مارغريت كريمة الملك جورج السادس، آخر إمبراطور للهند، كانت من المشجعين الأوائل للمنتخب الحافي.
منتخب الحفاة
وتعود القصة إلى أولمبياد لندن عام 1948 حين شاركت الهند في مسابقة كرة القدم في أول حضور رسمي خارجي لها، وقد دُهش جمهور ملعب كريكتفيلد الذي احتضن المباراة في مواجهة فرنسا، بلاعبي ممثل قارة آسيا، وهم يدخلون حفاة، وقد قاتلوا بشرف على الرغم من خسارتهم في النهاية 2-1 بعد هدف قاتل من رينيه برسيلو في اللحظات الأخيرة.
وبعد نهاية اللقاء ووداع الهنود للأولمبياد، بشرف، جمعت الأميرة مارغريت اللاعبين لتخبرهم عن مدى دهشتها من الأداء الجيد الذي قدّموه على الرغم من خوضهم المباراة بلا أحذية، ولم يكتف الفريق الهندي بذلك؛ بل خاض مباراة ودية مع نادي أياكس أمستردام الهولندي الشهير وانتصر عليه.
الفريق الذي لعب في أولمبياد 1948، كان ثمار سنوات طويلة من معرفة الهنود بلعبة كرة القدم، حيث إن بلادهم احتضنت كأس دوراند منذ عام 1888 والتي نظمها البريطانيون الذين يعود لهم الفضل في إدخال كرة القدم إلى الهند في نهاية أربعينات القرن الثامن عشر.
ولقد اكتسب اللاعبون الهنود شعبية كبيرة حتى خارج بلادهم إلى درجة أن سالين مانا كابتن المنتخب الوطني، كان الآسيوي الوحيد الذي ظهر اسمه في قائمة أفضل عشرة قادة فرق (كباتن) في الكتاب السنوي الصادر عن الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم عام 1953.
وسالين مانا هو أشهر لاعب مدافع عرفته الهند في تاريخها، وبدأ مسيرته مع نادي مدينة كالكوتا عام 1940، وبعد سنتين انتقل إلى نادي موهون باغان، وبقي معه لفترة 20 سنة، كما كان لاعباً في منتخب الهند خلال أولمبيادي 1948 و1952، وقاد بلاده للفوز بذهبية دورة الألعاب الآسيوية عام 1951.
وقبل ذلك، عرف محمد سليم كأول لاعب هندي يحترف في أوروبا، مع نادي سلتيك الأسكتلندي عام 1936، وقد اشتهر بلعبه حافي القدمين. كان المنتخب الهندي الفائز بأول نسخة من دوري الألعاب الآسيوية عام 1951، دليلاً على تفوق كرة بلاده على نظيرتها في القارة، وقد ضم ذلك الجيل مواهب متميزة مثل سالين مانا، وبي كيه بانجيري، ونيفل دي سوزا، وقد أعطى الجيل الذهبي الهند لقب أفضل فريق في آسيا طوال 15 سنة، وشهدت تلك الفترة تأهله أيضاً إلى نصف نهائي المسابقة الأولمبية عام 1956، كما أسقط المنتخب الهندي منتخب كوريا الجنوبية في نهائي النسخة الرابعة للألعاب الآسيوية عام 1962، قبل أن يحقق المركز الوصيف في كأس الأمم الآسيوية بعدها بسنتين.
فخر وطني
وبالنسبة لنادي اللاعب التاريخي سالين مانا، فريق موهون باغان، الذي تأسس عام 1889، فقد اكتسب شهرته من خلال فوزه عام 1911 على فريق كتيبة إيست يوركشير البريطاني بنتيجة 2-1 في نهائي بطولة درع الاتحاد الهندي لكرة القدم، مما أسهم في رفع شعبيته عند الهنود الذين وجدوا فيه معبراً عن فخرهم الوطني.
وكان ذلك أول فوز لفريق هندي على آخر أوروبي. وتعتبر تلك المباراة بمنزلة حدث مهم في مسيرة نضال الهند لنيل استقلالها، ولهذا يتم الاحتفال سنوياً بذكرى هذه المباراة في التاسع والعشرين من يوليو، بما يسمى «يوم موهون باغان»، وقد كانت نتيجة ذلك اللقاء التاريخي مهمة لدرجة أن الحكومة الهندية أصدرت عام 1989 ـ احتفالاً باليوبيل المئوي للنادي ـ طابعاً بريدياً لتخليد ذلك الانتصار.
ومع تأسيس نادٍ آخر في مدينة كالكوتا هو إيست بنغال عام 1920، تحول إلى خصم لفريق موهون، وأصبحت بينهما منافسة تقليدية وعداوة مثل أي «ديربي» صاخب آخر في العالم.
ويروي المدرب السابق لفريق إيست بنغال، البريطاني تريفور مورغان، كيف أن مدينة كالكوتا هي معقل كرة القدم في الهند، وقال: «لقد دربت في بريطانيا، وأؤكد أن التغطية الإعلامية في الهند تضاهي نظيرتها في إنجلترا. الجماهير تعشق كرة القدم إلى حد الجنون، وبعد عودتنا إلى الديار متوجين بكأس الاتحاد على حساب موهون، كان في انتظارنا آلاف المشجعين في المطار وأخذوا ينحنون ويلمسون أقدامنا تعبيراً عن تقديرهم لنا، فهم يعيشون من أجل كرة القدم».
أسباب العداوة
كما هو الحال بالنسبة لكثير من الخصومات الكروية الشهيرة في العالم، أدى انقسام في نادي موهون إلى ولادة فريق محلي آخر يتحدى النادي الأم. فقد خاض نادي يورا باغان مباراة أمام موهون باغان، دون نجمه سايليش بوز، وهو ما جعل نائب رئيس النادي سوريش تشاندرا تشاودوري يغضب ويقرر تأسيس نادٍ جديد، سماه إيست بنغال.
وبما أن تشاودوري وزملاءه من مؤسسي النادي ينحدرون من منطقة إيست بنغال، التي تشكل حالياً دولة بنغلادش، فقد حظي النادي تقليدياً بتشجيع المهاجرين من تلك المنطقة، ونتج عن ذلك تمتع الفريقين بمساندة مجموعتين تنتمي كل منهما لطبقة اجتماعية واقتصادية مختلفة، على الرغم من أن هذا تغير مع مرور الزمن.
ويعود تاريخ اللقاء المهم الأول بين الناديين إلى عام 1925 في إطار دوري كالكوتا، وخرج منه نادي إيست بنغال فائزاً 1-0، وتكررت هذه النتيجة عندما التقى الفريقان للمرة الأولى في بطولة درع الاتحاد الهندي لكرة القدم عام 1944.
واستمر الخصام بين الناديين وسجل اللاعب الهندي الدولي السابق بايشونغ بهوتيا معظم الأهداف التي شهدتها النسخ المختلفة من هذا الديربي. وقد نقل هذا اللاعب حدة المنافسة بين الإخوة الأعداء إلى مستويات جديدة عندما لعب مع الفريقين. أما ثلاثيته في المباراة الشهيرة عام 1997، فقد كانت «الهاتريك» الوحيدة في التاريخ المعاصر لهذا الديربي، إلى أن كرر اللاعب النيجيري إديه تشيدي هذا الإنجاز عام 2009.
وقد شهد عام 2007 النسخة الأشهر من ديربي كولكاتا عندما غص ملعب سولت ليك بنحو 130 ألف مشجع، وهو ما يعتبر رقماً قياسياً في تاريخ أي رياضة في الهند، وقد كان اللاعب الهندي الأشهر بوتيا هو نجم تلك المباراة دون منازع، بتسجيله ثلاثية في اللقاء الذي انتهى بفوز إيست بنغال بأربعة أهداف لهدف في نصف نهائي كأس الاتحاد.
نجم النجوم
صحيح أن اسم اللاعب الهندي بايشونغ بوتيا قد لا يعني شيئاً بالنسبة لكثير من متابعي كرة القدم عبر العالم، لكن الأمر يتعلق بنجم نجوم كرة القدم في ثاني أكبر بلد من حيث الكثافة السكانية في الكرة الأرضية.
وبوتيا ينحدر من ولاية سيكيم الصغيرة، قبل أن ينطلق في مسيرة كروية حافلة على مدى عقدين من الزمان، حيث أمضى معظم مراحل مشواره في ملاعب بلاده، ومن ثم انتقل للعب في ماليزيا في تجربة قصيرة عام 2006، وأصبح بعد ذلك أول لاعب هندي يحترف في أوروبا، حيث جرّب حظه مع عدد من الأندية الإنجليزية، وانتهى به المطاف في فريق بيري الذي وقّع معه عقداً سنة 1999.
فاز بوتيا مرتين بجائزة أفضل لاعب هندي، حيث جاء التتويج الأول عام 1996، بينما تعين عليه الانتظار طويلاً للظفر باللقب ثانية، حيث تربع على عرش نجوم البلاد عام 2008 اعترافاً بخدماته الجليلة ومساهماته الحاسمة في قيادة المنتخب الوطني إلى كأس التحدي الآسيوي في الموسم ذاته، مسجلاً ثلاثة أهداف في الطريق إلى التأهل، قبل أن يُختار أبرز لاعب في البطولة.
وبعد الفوز بلقب هذه البطولة التي أُنشئت خصيصاً للمنتخبات الآسيوية الصاعدة، بدأت الهند تعيش نهضة كروية كبيرة، حيث ضمنت بطاقة المشاركة في نهائيات كأس آسيا 2011، ثم 2019 في الإمارات، وقارعت عمالقة القارة الصفراء.
وإضافة إلى بوتيا برز في السنوات الأخيرة سونيل شيتري، الذي لعب في صفوف كانزاس سيتي ويزاردز الأمريكي قبل أن ينتقل إلى موهون باغان، وحقق في عام 2021 إنجازاً دولياً بعدما رفع رصيده إلى 74 هدفاً في صدارة الهدافين التاريخيين لمنتخب الهند، متفوقاً على الأرجنتيني ليونيل ميسي في قائمة أفضل الهدافين الدوليين بين لاعبي كرة القدم الذين لا يزالون ينشطون في الوقت الحالي.
أخبار شائعة
- رينارد والمالكي: طموحات كبيرة للأخضر في خليجي 26
- موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا
- المخاوف بشأن الفائدة تقود أسهم "وول ستريت" لتراجع أسبوعي
- تتويج مارك ألين بكأس بطولة موسم الرياض للسنوكر
- الكويت تواجه عمان والإمارات مع قطر في افتتاح خليجي 26
- القوات الفرنسية تبدأ الانسحاب من تشاد
- الكونغرس الأميركي يقرّ مشروع قانون لتجنب الإغلاق الحكومي
- سوريا ما بعد الأسد.. مصير الأكراد بين الغموض والتحديات