بغداد: «الخليج»
نجح زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عبر خطوة واحدة حاسمة، في نزع فتيل فتنة كبيرة كانت ستؤدي إلى إشعال حرب أهلية كبيرة لن ينجو منها أي طرف سياسي، وفي حال وقوعها ستمتد نيرانها إلى خارج الحدود العراقية. وبالرغم من قرار الصدر باعتزاله العمل السياسي، إلا أنه ونظراً للمسؤولية الوطنية والأخلاقية والإنسانية التي تقع على عاتقه ظهر بخطاب مباشر إلى الشعب العراقي أخمد من خلاله وتيرة العنف التي تصاعدت في العاصمة بغداد منذ ظهر الاثنين، حيث دان أتباعه بكلام شديد، وطلب منهم الانسحاب من المنطقة الخضراء وإنهاء الاعتصام، كما أكد لهم عدم سماحه لهم بالتظاهر مرةً اخرى.
الصدر بكلماته القليلة وبتعابيره العفوية تمكن من وأد الفتنة الداخلية وكسب ود غالبية العراقيين، بحيث كانت ردود فعل أبناء الشعب العراقي من على منصات مواقع التواصل الاجتماعي مؤيدة ومساندة وشاكرة لكل خطواته، ما جعل الصدر يهيمن على المشهد السياسي الذي غابت عنه الكثير من الشخصيات وفي مقدمتهم زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي الذي لم يصدر منه على غير العادة أي تصريح بخصوص الأزمة الحالية.
إن الصدر تمكن من تغيير كل الخطط والمحاولات التي قامت بها القوى السياسية المؤيدة والمنافسة له على حد سواء، ووضعها الآن في موقف محرج جداً أمام جماهيرها، إذ بات على تلك الكتل التعامل مع الصدر وتياره تعاملاً جديداً يعتمد على تقديمها تنازلات كبيرة إكراماً لموقفه الرائع في حقن دماء العراقيين، وأيضاً من أجل الانتهاء من حالة الانسداد السياسي التي ضربت العملية السياسية بعد إعلان نتائج الانتخابات الأخيرة.
ما قاله الصدر وما فعله خلال ساعة واحدة فقط، قد أثلج صدور العراقيين وجعلهم يتنفسون الصعداء بعد أن عاشوا الساعات الماضية في رعب كبير، لأن كل المؤشرات كانت تؤكد على أن الحرب الأهلية أصبحت واقع حال، لذلك على الصدر أن يستثمر مساندة العراقيين له وأن يطرح مبادرة جديدة لغرض تسيير أمور البلد حتى ولو لمدة قليلة لا تتجاوز العام الواحد، وبعدها صناديق الاقتراع تكون هي الفيصل في رسم خارطة العملية السياسية. وبالمقابل على القوى السياسية تغيير نهجها وتتعامل مع الصدر بنهج جديد، وعندها يمكن أن يخرج البلد من هذه الأزمة الخطيرة بأقل الخسائر. إن أولى الخطوات التي يجب العمل عليها هي إعادة مؤسسات الدولة للعمل من جديد ومنها مجلس النواب، وكذلك الاتفاق على شكل الحكومة المقبلة ويجب أن تكون حكومة قوية لتنفيذ المهام التي ستوكل إليها، وتحديد موعد للانتخابات، وتعديل الدستور، وتفعيل قانون حصر السلاح بيد الدولة وحل الفصائل المسلحة.