د. أحمد سيد أحمد *
حسم الاتصال الهاتفي الذي جرى بين وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، ووزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، الجدل حول عودة سوريا للجامعة العربية أو مشاركتها في المقبلة العربية في الجزائر في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل؛ حيث أكد المقداد أن بلاده تفضل عدم طرح موضوع استئناف شغل مقعدها بجامعة الدول العربية خلال القمة «حرصاً منها على المساهمة في توحيد الكلمة والصف العربي في مواجهة التحديات التي تفرضها الأوضاع الراهنة على الصعيدين الإقليمي والدولي».
مشاركة أو عدم مشاركة سوريا في القمة العربية المقبلة وعودة مقعدها للجامعة العربية، شكلت حالة من الجدل خلل الفترة الماضية في ظل غياب التوافق أو الإجماع العربي حول عودة سوريا؛ حيث عارضت بعض الدول وهي تمثل أقلية عودة سوريا تحت مبرر التحفظ على ممارسات النظام، بينما رحبت دول أخرى بالعودة المشروطة وأن تكون عودة سوريا مرهونة بتحقيق حل سياسي شامل بين الحكومة السورية والمعارضة.
أما غالبية الدول العربية، فقد مالت إلى ضرورة عودة سوريا للجامعة العربية وشغل مقعدها الشاغر منذ عام 2013؛ بل وحضورها القمة العربية المقبلة. وانطلقت مواقف الدول المرحبة لعودة سوريا، خاصة الإمارات العربية المتحدة ومصر وسلطنة عمان والجزائر والأردن العراق وغيرها، من أن العودة تمثل أهمية كبيرة لسوريا وللشعب السوري وأن استمرار غياب سوريا عن الجامعة والأنشطة العربية ومنها القمة العربية لا يصب في مصلحة الشعب السوري. كما أن هذه العودة تمثل أهمية كبيرة في عودة سوريا إلى بيتها العربي ومن ثم زيادة الدور العربي في دعم سوريا والشعب السوري اقتصادياً وسياسياً في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها الشعب السوري ويحتاج إلى الدعم العربي.
أهمية حضور سوريا
كذلك، فإن غياب الدور العربي، وتجميد مقعد سوريا خلال السنوات الماضية قد أوجد فراغاً عربياً كبيراً سعت دول إقليمية أخرى لملئه وهو ما كانت له آثار سلبية كبيرة على استمرار الأزمة السورية وتعقيداتها وغياب حل سياسي شامل ودائم في ظل تغذية القوى الخارجية لحالة الاستقطاب الداخلي وسعيها لتحقيق مصالحها وأجنداتها على حساب المصالح السورية. ومن ثم عودة سوريا إلى بيتها العربي يسهم في تحجيم أدوار القوى الإقليمية غير العربية وهو ما يعزز الأمن والاستقرار في المنطقة، إضافة إلى أن عودتها يسهم في تعزيز العمل العربي المشترك والحفاظ على النظام الإقليمي العربي في ظل أهمية سوريا في المنطقة العربية. كما أن تجميد مقعد سوريا لم يتحقق بالإجماع وفقاً لقوانين الجامعة العربية وهو ما يخالف ميثاق الجامعة، ولذلك، فإن عودة سوريا أيضاً لا تتطلب تحقيق الإجماع خاصة في ظل موافقة وترحيب غالبية الدول العربية لعودتها. كما أن الدولة السورية تسيطر على معظم الأراضي السورية بعد هزيمة الميليشيات والتنظيمات الإرهابية.
وبالتالي تعكس تصريحات المقداد، حرص سوريا على نزع فتيل أزمة قد تهدد انعقاد أو نجاح القمة العربية المقبلة في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه الأمة العربية وتفرض مسؤوليات كبيرة على القمة للتعامل معها.
عودة فعلية
على الرغم من تأجيل عودة سوريا للجامعة العربية وعدم مشاركتها في قمة الجزائر المقبلة، فإنه يمكن القول إن سوريا عادت فعلياً إلى بيتها العربي، وأن عودتها الشكلية الرسمية إلى الجامعة ما هي إلا مسألة وقت وباتت وشيكة. فعلى أرض الواقع حدث تقارب عربي كبير مع سوريا خلال السنوات الأخيرة واستأنفت العديد من الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، وعلى رأسهم دولة الإمارات العربية المتحدة التي أعادت فتح سفارتها في سوريا في 2018، وزار وزير خارجيتها سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، دمشق في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وفي مارس/آذار الماضي، قام الرئيس بشار الأسد بزيارة تاريخية إلى الإمارات، وقد جاء ذلك ضمن المقاربة الإماراتية التي تقوم على ضرورة تصفير المشكلات العربية وعدم ترك سوريا للتدخلات الخارجية وتعزيز الدور العربي لمساندة ودعم الدولة والشعب السوري، وهو ما يعزز الأمن القومي العربي. كما شهدت العلاقات السورية العربية، العديد من التطورات الإيجابية وخطوات التقارب مع دمشق وزيارة العديد من المسؤولين العرب لسوريا، وكل هذا يؤكد أن سوريا عادت بشكل كبير إلى بيتها العربي وأن العودة الكاملة ستكلل بشغل مقعدها في الجامعة، في ظل تزايد التوافق العربي على أهمية عودة سوريا لعدة اعتبارات:
*أولها: أن الانقسام العربي العربي قد أضعف التعاون العربي المشترك سواء في المجال الاقتصادي أو السياسي وهو أمر أضر بالمصالح العربية، كما أنه أسهم في تزايد نفوذ القوى الخارجية والإقليمية في الشؤون العربية.
*ثانيها: أن غياب سوريا لم يسهم في حل المشكلة السورية؛ بل أطال من أمد الأزمة، ولذلك وجود سوريا ضمن الجامعة العربية يساعد على تعزيز الدور العربي في مساعدة الدولة والشعب السوريين على تجاوز تلك المرحلة الانتقالية وطي صفحة الحرب. كما يسهم في تعزيز الدور العربي سواء في إنجاز الحل السياسي الشامل وإعادة إعمار سوريا وإعادة ملايين المهاجرين واللاجئين السوريين إلى بلدهم.
*ثالثها: أن الظروف والأجواء العربية الآن مهيأة لعودة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية وحضور القمم العربية المقبلة، في ظل الرياح الإيجابية التي تهب على المنطقة، وجهود تنقية الأجواء العربية وإنهاء الانقسامات العربية وحالة الزخم الكبيرة في التقارب والتعاون العربي والذي انعكس في اللقاءات الثنائية والثلاثية والرباعية والخماسية التي تجمع عدداً من الزعماء والقادة العرب، كما حدث مؤخراً في اللقاء الأخوي في مدينة العلمين المصرية في أغسطس/آب الماضي، وجمع قادة مصر والإمارات العربية المتحدة والأردن والبحرين والعراق، وهو يعني استعادة العرب لزمام المبادرة والسعي لتوحيد المواقف والرؤى العربية، وهو ما يساعد على تعزيز المصالح العربية، خاصة فيما يتعلق بالتحديات المختلفة التي تواجه المنطقة سواء التدخلات الخارجية في شؤون دولها أو تسوية الأزمات العربية في ليبيا واليمن وغيرها، أو استمرار الأزمات العالمية مثل الأزمة الروسية الأوكرانية والعمل على تقليل آثارها السلبية على المنطقة، خاصة في مجال أمن الغذاء وأمن الطاقة.
* خبير العلاقات الدولية في الأهرام