القاهرة: «الخليج»
انطلقت، أمس الأربعاء، في العاصمة الكازاخية «نور سلطان»، أعمال المؤتمر السابع لزعماء الأديان، والذي يستمر يومين تحت عنوان «دور قادة الأديان العالمية والتقليديَّة في التنمية الروحية والاجتماعية للبشرية في فترة ما بعد وباء كوفيد-19»، فيما دعا شيخ الأزهر قادة الأديان المختلفة في الغرب والشرق للعمل لما فيه المصلحة الإنسانية المشتركة.
حضر افتتاح المؤتمر قاسم جومارت توكاييف رئيس كازاخستان، والإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، والبابا فرنسيس، بابا الفاتيكان،ووفد وزارة التسامح والتعايش الإماراتية برئاسة عفراء الصابري، مدير عام الوزارة،ووفد وقادة وزعماء الأديان حول العالم.
وبدأ المؤتمر بدعوة موحدة من قادة وزعماء الأديان: «بأن يوحد الله الشعوب، وينهي الحروب والصراعات، وأن يعم الأمن والأمان، وأن تحل المحبة محل الكراهية، والتعارف محل التعصب، وأن يقدرنا الله للقضاء على كل الكوارث البيئية».
وأكد الدكتور أحمد الطيب أن هذا المؤتمر خطوة مهمة على طريق الأخوة الإنسانية والعيش المشترك، والسلام الذي يفتقده العالم اليوم، ويتطلع إليه تطلع المريض، لعلاج نادر عزيز ينهي آلامه وصراعاته، وخاصة أن العالم بدأ في التعافي من آثار جائحة «كورونا» التي أودت بحياةِ ما يقرب من 15 مليون نسمة، إلا أنه بدأ يعاني كوابيس داهمته من جوائح وكوارث أخرى: طبيعية، وسياسية واقتصادية، صنعها الإنسان بيده، وبدافع من أنانيته المفرطة وأطماعه الواسعة، وضميره الميت. وأضرت بكوكبنا الأرضي بكل ما عليه من إنسان وحيوان ونبات.
رعب وخوف
وأشار إلى أن البشرية الآن أصبحت تعاني رعباً وخوفاً، بسبب التغير الفجائي في ظواهر الطبيعة، وكذلك بسبب الممارسات السياسية الاستعلائية التي هزت أركان الاقتصاد الدولي، وأصابت الدول الغنية والفقيرة إلى جانب أزمات طاحنة طالت لقمة الخبز وجرعة الماء، وترويع الآمنين وقتلهم وتهجيرهم وإجلائهم عن ديارهم وأوطانهم، وهذه الكوارث هي من صنع إنسان هذه الحضارة، وبسبب مما اقترفته يداه عن عمد وغطرسة ولامبالاة بالآخرين، وما كان الإنسان ليقدم على اقتراف هذه الجرائم لولا اجتراؤه على مقدسات لم يحدث أن اجترأت عليها أمة من الأمم في مسيرتها الحضارية على امتداد التاريخ
الاجتراء على المقدسات
وحذر من الاجتراء على المُقدَّسات، لأن الإلحاد من الرذائل، وهو تمذهب بالحريَّة الفرديَّة والأثرة والأنانية، وعبادة اللذة والشهوة، والتحرر الجنسي وربطه بالتحرر العقلي والفكري وجوداً وعدماً، والتعبد بثقافة السوق ووفرة الإنتاج وجشع الاستهلاك.
إحياء رسالات السماء
وأوضح أنه مع اعترافنا بأن الحضارة الغربية قد حققت للإنسانية في القرنين الماضيين قفزات واسعة، وإنجازات عملية هائلة في كل المجالات العلمية والمادية، إلا أن اضمحلال الجانب الروحي، وغياب البعد الخلقي من مسيرة الإنسان المعاصر، وسخريته من رسالات السماء عن عمد وسبق إصرار، قد فرغ هذه الحضارة من أية قيمة حقيقية تذكر لها، ولهذا فواجب علماء الأديان التصدي لهذا السقوط الحضاري، ويتمثل ذلك في إحياء رسالات السماء.
ووقال إن «الأخوة الدينية» هي باعثة «الأخوة الإنسانية العالمية» وصانعتها، والبداية الصحيحة هي بعث هذه الأخوة بين علماء الأديان؛ كونهم أقدر الناس على تشخيص العلل والأمراض الخلقية والاجتماعية وكيفية علاج الأديان لها، وأن نكون على يقين من أن الخطر الداهم الآن لا يأتي من اختلاف الأديان، بقدر ما يأتي من «الإلحاد»، وما يتولد عنه من فلسفات تقدس «المادة» وتتعبد بأدرانها، وتستهين بالأديان وتعدها هزواً ولعباً وحين ندعو إلى أولوية صنع السلام بين علماء الأديان ورموزها الأخوة الإنسانية؛ فإنه لا يعني مطلقاً الدعوة إلى إدماج الأديان في دين واحد، فمثل هذا النداء لا يقول به عاقل ولا يقبله مؤمن مهما كان دينه.ودعا شيخ الأزهر قادة الأديان المختلفة في الغرب والشرق، للعمل لمصلحة الإنسانية المشتركة ولن يكون ذلك بالأمر الصعب أو المستحيل؛ حيث حدث من قبل في لقاء وثيقة الأخوة الإنسانية بين الأزهر والفاتيكان.
وثيقة الأخوة الإنسانية نداء الأمل
بدوره، أكد المستشار محمد عبدالسلام الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين أن وثيقة الأخوة الإنسانية، شكلت نداء الأمل الذي حمل شعار السلام العالمي والعيش المشترك منذ أن أطلقها أهم مرجعيتين للمسلمين والمسيحيين في العالم فضيلة شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، وقداسة بابا الكنيسة الكاثوليكية لتكون خطوة نوعية وبناءة في طريق مد الجسور بين أبناء الديانات كلها عبر العالم داعياً زعماء الأديان لتأمل نموذج وثيقة الأخوة الإنسانية، من أجل الإسهام في زراعة بذور الثقة والأمل في الله، ومن ثم الأخوة الإنسانية ليخرج عالمنا من آثار هذه المحنة الجماعية.
وقال عبدالسلام، خلال كلمته في المؤتمر،إن المراحل المشابهة من تاريخ الإنسانية، أعطت دروسا كثيرة عن الكيفية التي تحفز بها إرادة الإنسان، وتلهمه ألوانا من الإبداع في الحياة مع أقسى الظروف، مؤكدا أن الإنسانية اليوم في حاجة ماسة إلى من يزرع فيها بذور الأمل، ويسهم في التنمية الروحية لأبنائها وشدد على أن أكبر أمل يمكن أن يهدى الإنسانية هو شعور أفرادها بالسلام، وأنهم أخوة جميعا في إطار الأسرة الإنسانية.
وأضاف أن جائحة كورونا مثلت صدمة دفعت العلم الحديث إلى التواضع في دعاوى المقدرة الكاملة على توقع مستقبل المرض، والتحكم في مصير الإنسان والكون والحياة، وذلك بعد أن أصابت البشرية بأكملها، دون تمييز بينهم على أي أساس ديني أو هوياتي، موضحاً أن ذلك شكل دافعاً لنقاش واسع حول علاقة الإيمان بالعلم والسلوك الإنساني كذلك.