تستعد جورجيا ميلوني، لتصبح أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في إيطاليا، لتقود أكثر الحكومات يمينية منذ الحرب العالمية الثانية، بعد أن حقق ائتلاف اليمين المتطرف فوزاً تاريخياً في الانتخابات العامة التي جرت، أمس الأول الأحد. وأعلنت ميلوني التي تتزعم حزب «إخوة ايطاليا» في الائتلاف اليميني، أنها ستقود الحكومة المقبلة، وحثت على الوحدة للمساعدة في مواجهة المشاكل العديدة في البلاد. وبعد تقدمها الواضح، غردت ميلوني عبر «تويتر»، قائلة «الإيطاليون عهدوا إلينا بمهمة كبيرة. واجبنا الآن ألا نخذلهم، وأن نفعل كل ما بوسعنا لإعادة الهيبة والكبرياء لأمتنا». ويمنح الفوز الكبير للتحالف إيطاليا فرصة نادرة للاستقرار السياسي بعد سنوات من الاضطرابات والتحالفات الهشة.
تعهدات بعدم المخاطرة
وبعد فرز الأصوات في أكثر من 97 في المئة من مراكز الاقتراع، جاء «إخوة إيطاليا» في المقدمة بحصولهم على أكثر من 26 في المئة، ارتفاعاً من أربعة في المئة فقط، في الانتخابات العامة الأخيرة في 2018، ليحلوا محل حزب ماتيو سالفيني كقوة دافعة لليمين. وحصل حزب «الرابطة» على نحو 9 في المئة فقط من الأصوات، انخفاضاً من أكثر من 17 في المئة قبل أربع سنوات. أما الحزب المحافظ الآخر، وهو «فورزا إيطاليا» بزعامة سيلفيو برلسكوني، فقد حصل على نحو 8 في المئة. وبلغت نسبة المشاركة 64 في المئة فقط مقابل 73 بالمئة قبل أربع سنوات، وهو مستوى منخفض قياسي في بلد لديه تاريخ في المشاركات القوية للناخبين.
وقللت ميلوني من شأن جذور حزبها التي تعود لما بعد الفاشية، وصورته على أنه تيار رئيسي مثل حزب المحافظين في بريطانيا. وتعهدت بدعم السياسات الغربية بشأن أوكرانيا، وبعدم الإقدام على أي مخاطرة قد تلحق الضرر بالأوضاع المالية العامة الهشة لإيطاليا. وتحدثت بلهجة تصالحية خلال الكلمة التي ألقتها عند فوزها. وقالت «إذا طلب منا حكم هذا الشعب فسوف نفعل ذلك من أجل جميع الإيطاليين بهدف توحيد الشعب والتركيز على ما يوحدنا، وليس ما يفرقنا. هذا وقت تحمل المسؤولية».
الديمقراطي يعترف بالهزيمة
واعترف الحزب الديمقراطي الذي يمثل يسار الوسط بإيطاليا، بهزيمته في الانتخابات العامة، وقال إنه سيكون أكبر قوة معارضة في البرلمان المقبل. وقالت ديبورا سيراتشياني، البرلمانية البارزة في الحزب الديمقراطي، للصحفيين في أول تعليق رسمي للحزب على النتيجة «هذه أمسية حزينة للبلاد… (اليمين) له الأغلبية في البرلمان لكن ليس في البلاد».
ردود دولية
وفي أوروبا، كان أول المرحبين بفوزها أحزاب المعارضة اليمينية المتشددة في إسبانيا وفرنسا، وحكومتا بولندا والمجر المحافظتان اللتان توترت علاقاتهما مع بروكسل. وتراوحت ردود الفعل الدولية الرسمية بين الترحيب الحذر إلى التطلع لتعزيز التعاون من قبل الحكومة الروسية. وأعلن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أن بلاده تتطلّع إلى العمل مع الحكومة الإيطالية الجديدة، لكنه شدّد على ضرورة احترام حقوق الإنسان. وكتب بلينكن على تويتر «نحن حريصون على العمل مع حكومة إيطاليا على أهدافنا المشتركة: دعم أوكرانيا حرّة ومستقلّة واحترام حقوق الإنسان وبناء مستقبل اقتصادي مستدام».
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إنه يحترم «الخيار الديمقراطي» للإيطاليين الذي أدّى إلى فوز اليمين بالانتخابات العامّة، داعياً روما إلى «مواصلة التعاون» مع الأوروبيين. وقال في خطاب نشره قصر الإليزيه «اتّخذ الشعب الإيطالي خياراً ديمقراطياً وسيادياً. نحن نحترمه»، مضيفاً «بصفتنا جيران وأصدقاء، علينا مواصلة التعاون فيما بيننا».
وامتنعت الحكومة الألمانية عن إبداء تقييم شامل عن توجهات الحكومة الإيطالية المستقبلية. وقال نائب المتحدث باسمها، فولفغانغ بوشنر «إيطاليا بلد موال للغاية لأوروبا، وفيها مواطنون موالون للغاية لأوروبا. ونحن نفترض أن هذا لن يتغير»، مضيفاً أن هذا هو موقف المستشار أولاف شولتس، مشيراً إلى أنه يجب أولاً انتظار النتيجة النهائية الرسمية حتى يمكن إبداء أي تأملات. من جانبها، أشارت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، إلى أن لدى الاتحاد الأوروبي «أدوات» لمعاقبة الدول الأعضاء التي تنتهك سيادة القانون وقيمه المشتركة.
وفي المقابل، أعلن الكرملين استعداده لتطوير علاقات «بنّاءة» مع روما بعد فوز ميلوني. وقال الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، لصحفيين «نحن مستعدّون لاستقبال أي قوى سياسية قادرة على تخطّي التيار السائد المشحون بالكراهية لبلدنا (…) وتُبدي رغبة في أن تكون بنّاءة في العلاقات مع بلدنا».
زلزال في أوروبا
ويمثل النجاح الذي حققه تحالف اليمين الأقصى تغييراً هائلاً في إيطاليا، العضو المؤسس للاتحاد الأوروبي، وثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، بعد أسابيع فقط، من انتصار اليمين المتطرف في الانتخابات في السويد. وكتبت صحيفة «ريبوبليكا» اليومية في عنوانها الرئيسي «ميلوني تظفر بإيطاليا»، بينما قال ستيفانو فولي، في افتتاحيتها، إن إيطاليا «تستيقظ هذا الصباح وقد تغيرت للغاية». وأضاف فولي «إنها المرة الأولى منذ عقود التي يتغير فيها الوجه السياسي للبلاد بشكل كامل. لا نعرف حتى الآن ما إذا كان مصيرها في أوروبا قد تغير أيضاً، لكن هذا السؤال هو الأول من بين العديد من الأسئلة التي تواجه الإيطاليين الآن.
ومن المتوقع أن تحصل ميلوني على تفويض بتشكيل الحكومة من الرئيس سيرجيو ماتاريلا، خلال الأسبوعين المقبلين، ثم تبدأ بتأليف مجلس الوزراء. ويُتوقع أن تأخذ حكومة تقودها ميلوني، إجراءات ضد المهاجرين عبر البحر المتوسط، وتعيد التفاوض بشأن شروط صندوق الاتحاد الأوروبي للتعافي من جائحة «كوفيد 19»، كما وعدت ميلوني خلال الحملة الانتخابية بتخفيضات ضريبية. (وكالات)